فلسفة قلم

حتى نفهم... رسالة إلى فرنسا!

تصغير
تكبير

لا يخفى على أي متابع أن عهد ماكرون الرئاسي مليء بالأخطاء والإخفاقات والهزائم الانتخابية، بعد أن تضاءلت أغلبيته البرلمانية وتخلى عنه نوابه، بالإضافة إلى تراجع مراكز مرشحي حزبه في الانتخابات البلدية الفرنسية، حتى بدأ يخاف على مصيره.

خرج ماكرون الطامح إلى عودة النهضة الأوروبية والفكر الاستعماري إلى لبنان، باحثاً عن مجد خارجي يحسّن به أوضاع الداخل على الأقل، عند من يحملون أيدولوجيته نفسها، إلا أنه تعرّض إلى خيبة أمل كبيرة، فعاد يجرجر فشله في عدم قدرته حتى على تشكيل حكومة ائتلاف لبنانية.

بعد فشله في لبنان عاد إلى فرنسا باحثاً عن تبرير ليقنع به الفرنسيين، فلم يجد خياراً أحسن من إلقاء الـــلوم على الإسلام يدغدغ به مشاعر المتطرفين ويرضي به غروره، قال ماكرون: «إن الإسلام يعيش أزمة على مستوى العالم وأنه سيتخذ قرارات لمواجهة هذه الأزمة»، ثم راح يجدد أفـــكاره في فرض نظام عـــلــمــانــي غـــربي عـــلى المـــسلــمـــين في فـــرنسا، من دون أن يعلم أنه يكتب فصولاً جـــديدة من الفشل الـــداخلي فـــي مـــسيرته السياسية، لتبدأ أزمة الحجاب والبوركيني والذبح الإسلامي، تطفح على الساحة من جديد حتى وصل الاحـــتـــقـــان الشعبي إلى حــــادثة المـــعـــلم الفرنسي، الذي أساء إلى رسول الله في محاضرة جامعية، أدت إلى مقتله والتمثيل بجثته على يد مسلم شيشاني... قُتل بسلاح الشرطة الفرنسية (حسب رواية الداخلية الفرنسية).

بدأت بهذا العرض المتدرج حتى نفهم كيف تتصاعد الأحداث ونعرف من المتسبب بها، لأن الرئيس قطعاً لن يعترف بأنه السبب الرئيس وراء أزمات بلاده، والهجوم الحالي على الإسلام بل إنه - وكما شاهدنا - مُصِرّ على الاستمرار في توجيه الإساءات إلى الإسلام، وهو يعلم علم اليقين أنه لا حرية شخصية ولا حرية تعبير ولا قانون في أوروبا يسمح بهذه الهجمة العدائية على الإسلام والمسلمين.

في عام 2018 أقرّت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بأن الإساءة للرسول محمد «صلى الله عليه وسلم»، لا تندرج ضمن حرية التعبير، واعتبرت أن إدانة محكمة نمساوية لسيدة بتهمة الإساءة للنبي الكريم لا تعد انتهاكاً للحق في حرية التعبير، ولا تمثل خرقاً للفصل العاشر من الميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان، وقالت المحكمة الأوروبية في بيان على موقعها الإلكتروني: «وجدت المحكمة أن المحاكم المحلية في النمسا وازنت بدقة بين حق حرية التعبير وحق الآخرين في حماية مشاعرهم الدينية، وحافظت على السلام الديني من التعرض للخطر»، وهو الحكم الذي يعترف به ماكرون ولا يطبقه.

إذا كان ماكرون يعتقد أن الإسلام يعيش أزمة في جميع أنحاء العالم، فإن العالم كله يعلم علم اليقين أن فرنسا تعـــيش أزمه مع نفسها وتكيل بمكيالين، فعندما تكون الإساءة إلى المثليين ومعاداة السامية والتشكيك في محرقة الهـــولوكوست تشكل جريمة في فرنسا، بينما الإساءة إلى دين ورسول 25 في المئة من سكان الكرة الأرضية حرية تعبير، فإن فرنسا بالفعل تعيش في أزمة ذاتية.

قد يعاني ماكرون من بعض المشكلات السياسية، لكن المؤشرات تشير إلى أنه صامد في منصبه، لذلك يجب على المؤسسات الدولية في العالم أجمع، أن تتخذ موقفاً من هذه الانتقائية حفاظاً على السلام الديني وعدم تعرضه للخطر كما تقول المحاكم الأوروبية.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي