مساجَلةٌ بين فريقيْ عون والحريري
عقارب تشكيل الحكومة اللبنانية تعود إلى الوراء وأكثر من «عقرب»... يلْدغها
منذ تكليفه تشكيل حكومةِ «الفرصة الأخيرة» قبل 10 أيام، كثيرون سلّموا مسبقاً بأن مسارَ التأليفِ الذي سيخوضه الرئيس سعد الحريري يصعب أن يكون «متفلّتا» بالكامل من بورصة «التفاؤل، التشاؤم، التشاؤل» التي لطالما طبعتْ عملية استيلاد الحكومات في لبنان، لكن قلّة بالتأكيد هم الذين توقّعوا أن الطبقةَ السياسيةَ ستعمد وهي في طريقها لـ «خلْع جِلْدها» لمصلحة «توكيل» اختصاصيين ملء المَقاعد الوزارية إلى تثبيت عقاربِ الساعة عند «الألاعيب» القديمة - الجديدة وعضّ الأصابع فوق «أشلاء» واقعٍ مالي - اقتصادي يصيب حتى صندوق النقد الدولي بـ «الذهول» حيال «دومينو» الانهيارات «الشاملة» المتزامنة التي بدت معها قطاعاتُ البلاد برمّتها وكأنها تعرّضت لـ «لدغة عقرب قاتلة».
فبعد مرحلة «الصمت المطبق» على طريقة «استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان»، والتي كانت أوساط مطلعة بكّرتْ عبر «الراي» في الإضاءة على أنها يمكن أن تُخفي وراءها حرصاً على حماية إيجابيات تتحقق بين الحريري ورئيس الجمهورية ميشال عون بقدر ما أنها قد تنطوي على «تكتُّم» على سلبياتٍ لا يُراد تحويلها «سقوفاً آسِرة» تعوق الحلول الوسطى لاحقاً، انتقلت عملية التأليف في الساعات الماضية إلى «معركةٍ صامتة» خرجتْ بعض وجوهها إلى العلن، تارِكةً عهد عون يُطفئ شمعتَه الرابعة أمس من دون حكومةِ «الضوء الأخير» في نفق السقوط المريع، وفي ظلال مناخاتٍ راوحت بين أن ما يحصل هو في إطار «اشتدي أزمة تنفرجي» أو أنه في سياقِ التأسيس لأزمةٍ مفتوحة.
ولم يكن عابراً تَدافْع المؤشراتِ إلى انتكاسةٍ في مسارِ التشكيل الذي بات من شبه المستحيلِ إنجازُه قبل استحقاقِ الانتخاباتِ الرئاسية الأميركية بعد غد، وفق ما كان يأمل الحريري، ومن دون أن يكون في وسع أحدٍ الجزم بما إذا كان تأخير الولادة الحكومية هو مسألة أيام فقط أم أن مجمل هذا الملف، المدفوع من قاطرةٍ فرنسية تدعمها من الخلف واشنطن، سيُرحّل على متن تعقيداته إلى نهاية السنة، مع ما يحمله ذلك من مَخاطر عالية على بلدٍ يبدو أمام آخِر يدٍ تمتدّ لمساعدته مالياً، وفق دفتر شروط إصلاحي صارم، قبل أن تُفتح أبواب «جهنم» فعلياً حين «تجفّ» بقايا الاحتياطات بالدولار لدى مصرف لبنان.
وتقاسَم المشهدُ السلبي المستجدّ في وضوحه إشارات معلَنة إلى خروج جمر الخلاف بين الحريري وفريق عون، أي «التيار الوطني الحر» برئاسة جبران باسيل، إلى فوق رماد التأليف، في موازاة تحرّيات عن خلفيات هذه «الفرْملة» في أبعادها الداخلية والخارجية.
وعلى «جبهة» الهبّة الساخنة حكومياً أمكن رصْد الآتي:
* ملامح تبادُل «كرة» الاتهامات بالمسؤولية عن تجميد التشكيل، تارة عبر تظهير أنها على خلفية «عقدة درزية» تتمثل في رغبة فريق عون بتوسيع حجم الحكومة لتتألف أقله من 20 وليس 18 بما يتيح توزير مَن يمثّل النائب طلال أرسلان على قاعدة عدم حصْر الميثاقية الدرزية برئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، وطوراً من خلال الكلام عن عقدٍ ذات صلة بتوزيع الحقائب الخدماتية على القوى السياسية لتسمّي لها اختصاصيين، أو عن عدم حسْم مسألة تقاسُم الحقائب السيادية ومحاولة ربْط تدويرها والتسليم باستثناء المالية منها (تبقى للمكوّن الشيعي) بالتفاهم على حقائب أساسية مثل الطاقة (يُمْسك بها فريق عون منذ أكثر من عقد).
* بروز الثلث المعطّل كـ «فتيل» تعطيلي، وسط تسريباتٍ عن أن فريق عون يريد الإمساك بهذا الثلث لوحده من خلال الحصة المسيحية، وأن «حزب الله» بدوره يفضّل تركيبة تسمح له بالحصول على هذا الثلث مع حلفاء آخَرين، علماً أن الحليفيْن (حزب الله وفريق عون) يتمتعان في تشكيلة من 18 أو 20 بما يفوق غالبية الثلثين في ظل عدم إمكان نيل الحريري وجنبلاط أكثر من 5 وزراء «مباشرين» لا يشكّلون حتى ثلثاً. علماً أن الرئيس المكلف يحاول في مفاوضاته مع عون حصْر عملية التوزيع بالمناصفة الطائفية بعيداً من أي إسقاطاتٍ سياسية لها تنطوي على محاصصة فاقعة ستجعل الحكومةَ تولد ميتة دولياً.
* خروج «التيار الحر» علناً إلى دائرة المساجلة مع الحريري على وقع تقارير عن دخول باسيل على خط التأليف، أولاً عبر بيان للهيئة السياسية في «التيار الحر» غمز من قناة رفْض حكومة من 18 يفضّلها الحريري، إذ ذكّر بـ «ضرورة وجود وزير متخصص على رأس كل وزارة»، قبل أن يبلور هذا المنحى أكثر أنطوان قسطنطين (مستشار باسيل) معلناً «موقفنا بعد الخبرة أنه لا يمكن أن يحمل وزيرٌ حقيبتين وينجح بهما ونحن وضعنا معايير واضحة و(على اللبيب أن يفهم)».
* الموقف التصعيدي من القيادي في «تيار المستقبل» مصطفى علوش، الذي هاجم باسيل في تغريدةٍ قال فيها: «يبدو أن ولي العهد متخصص بتيئيس الناس بعد كل بارقة أمل أصر على توسيع رقعة التزوير ليحافظ على قدرة التعطيل ويعطل تأليف الحكومة ليكون لكل وزارة غير فاعلة وزير يتحكم بها للتعطيل، فإن كان رئيس الجمهورية يريد أن يدمّر ما بقي من عهده على رؤوس الناس فعليه أن يتحمل المسؤولية أو يردع صهره».