الرأي اليوم

نصيحة إلى مَنْ يريد إسقاط مرزوق

تصغير
تكبير

أعترف أنّني كنت أكتب عن مرزوق الغانم بِمداد العاطفة لا بِحبر العقل. اليوم سأنسى العاطفة مع بِدء الحملة الانتخابية الجديدة وأركّز على العقل، خصوصاً أن عدداً كبيراً من المرشّحين معروفي التوجه والمرجعيّة دشّنوا حملاتهم بشعار واحد لا غير:إسقاط مرزوق.

لنعدْ إلى 2016 وهي ليست ببعيدة... وذاكرة الكويتيّين جيّدة جداً. يومها انبرى بعض من يعتبرون «صقوراً» بالنسبة إلى المعارضة فقط لإسقاط مرزوق وبنوا كلّ خطابهم على هذه الفرضيّة وصاروا يوزّعون – كالعادة – شهادات بالوطنيّة والانتماء والمسؤوليّة على النّاس بحيث أن من يحجب صوته عن مرزوق هو «الوطني والمسؤول».

ونستذكر أن مرزوق، ورغم ضراوة الحملة عليه آنذاك، فاز بالمركز الأول في دائرته محلّقاً بأرقام كبيرة تُترجم ثِقة الناس به، كما نستذكر أن عدداً كبيراً من الرموز السياسيّة والمنتمية إلى تيارات مُختلفة فازت أيضاً وبدأ الترويج يومها لـ«المجلس القوي».

ونستذكر أن اجتماعات كثيرة عُقدت في ديوان فلان وفلان بعد فوز مرزوق لمنعه من الوصول إلى الرئاسة مع ما صاحب ذلك من اتّفاقات وتسويات وتأسيس كتلة أو كتلتين قيل إن عددهما آنذاك يقارب الـ30 نائباً.

ونستذكر أن مرزوق رغم ذلك كُلّه فاز برئاسة المجلس بأرقام غير مسبوقة. وأن البعض تعهّد بلعب دور لحلّ المجلس عبر سلوكيّات وممارسات كانت واضحة الهدف ومكشوفة التوجّهات والمرجعيّات.

استمرّ المجلس حتى نهاية ولايته، رغم كلّ ما ذكرناه سابقاً وهو معروف بتفاصيله لدى الكويتيّين. بقي مرزوق بالمعنَيين السياسي والوطني يمارس دوره ويحاول تجاوز كل المطبّات أمام تقدّم عربة التّشريع والرقابة... وبالطبع كان في صلب المسؤوليّة الأساسيّة المتعلّقة بالاستحقاقات الكبرى التي مرت بها الكويت أخيراً.

الجميع مُتّفق على هذا العرض السّريع، بمن فيهم معارضو مرزوق بغضّ النّظر عن التّفسيرات التي يمكن أن يقدّمها كلّ طرف، لكنّنا هنا نتحدّث عن وقائع. والآن مع بدء الحملة الانتخابيّة الجديدة لوحظ أن عدداً من المرشّحين أو من المنتمين لتيّارات معروفة بدأوا حملتهم وبرامجهم الانتخابيّة بشعار واحد: إسقاط مرزوق. طبعاً هم أحرار في رفع أي شعار، وإذا كانت الديموقراطية لا تتّسع لهذا النوع من حرّية التعبير فبئس الديموقراطية.

إنما نصيحة لهؤلاء من العقل نقول...

مرزوق الغانم ليس ملاكاً وإنّما هو بشر يُخطئ ويُصيب. له ما له وعليه ما عليه، قد يكون أداؤه مميّزاً وممتازاً في بعض الملفات، وقد يجانبه الصواب في طريقة الوصول إلى النتائج المرجوّة بعض الأحيان. ولا أريد أن أطلب الإنصاف هنا فأقول إن على الجميع تقييم التجربة أيضاً في مواجهة حجم الضغوط التي عاشتها الكويت وانعكست على كلّ السلطات بما فيها التشريعيّة خصوصاً مع تفشّي جائحة كورونا وتقييدها للبلاد... لن أطلب الإنصاف وأكتفي بالقول إن الرجل لديه محاسن وعيوب مثل أي سياسي منخرط في الشأن العام.

مَنْ هو المسؤول عن تقييم مرزوق وأدائه وعطائه وسلوكه ومواقفه الوطنيّة؟ مَنْ يُحاسبه؟ مَنْ يُعيد الثّقة به أو يحجبها؟ هل هو مرشّح أو ابن تيّار سياسي أو خصم قبل أن يعرض برنامجه الانتخابي ورؤيته يطرح شعار «إسقاط مرزوق»؟... لنتّفق على أنّ المكلّف هذا الموضوع هم الناخبون أهل الدائرة الذين سيصوّتون لمرزوق أو يحجبون الصّوت عنه. هذه هي الديموقراطية وعدا ذلك فالطّريق مُقْفل وغير سالك في الاتّجاهين.

ومن باب النّصيحة، وقديماً قيل «الدّين النصيحة»، يا أيّها المرشح، هؤلاء هم النّاس وهذه هي صناديق الاقتراع. اتعب على برنامج سياسي واقعي شعاراته قابلة للتّطبيق يشمل كل جوانب الحياة التي تهمّ الكويتيّين، واعمل على عرض رؤيتك وآليات ترجمتها ولا تضع مرزوق في كلّ فاصلة ونقطة قبل أن تتكلّم، فالنّاس تنتظر مشروعك لا هجومك على الرّجل... وأنت ما توقّفت عن الهجوم عليه أساساً.

إنّ تجاهل المشروع والرؤية يعني أحد أمرين:إمّا أنّ مشروعك ضعيف وأنت غير واثق من نفسك وتحتاج إلى جرعة قوة تعتقد أن مهاجمة مرزوق تؤمّنها (وهذا حقّك)، وإما أنّك – لا قدّر الله – مُسيّر ومُوجّه من آخرين وهذه نقطة ضعف في سيرتك الذاتية ومسيرتك الوطنيّة وليست نقطة قوة.

وفوق غياب المشروع أو الرؤية، يحضر ما هو أخطر بالنسبة إلى هؤلاء، أي «الاستخفاف بالناس»، وبعض أقطاب المعارضة (ومنهم مرشحون) يتعامل مع هذا الموضوع بطريقة مشوّهة جداً فينصّب نفسه وصيّاً على خياراتهم وقراراتهم وتوجّهاتهم، فإن ساروا في خطه كان «الوعي الشعبي مُتقدماً مُتقداً» في عرفه ومعتقداته، وإن عبّروا عن قناعاتهم في صناديق الاقتراع حسب ما يريدون كان «الوعي الشعبي ضعيفاً»، تماماً كما في الأحكام القضائيّة... فإن أتت الأحكام لمصلحتهم كانت إشادة بـ«القضاء النّزيه» وإن أتت الأحكام ضدّ مصلحتهم قالوا في القضاء ما لا يمكن إعادة نشره هنا.

فلتتوقّف عقليّة الوصاية والفوقية، وليتوقّف ازدواج المعايير في التعامل مع خيارات الناس ومفهوم الديموقراطية والحريات. يمكن أن نفهم أن تتدخّل الحكومات كما يحصل في العالم لإسقاط مرشح لا يعجبها أو تفضيلاً لمرشح على آخر، إنما صعب أن نرى مرشّحين لا يوجد في برامجهم، عمليّاً وبعيداً من الشعارات، سوى نقطة واحدة هي إسقاط مرشح آخر.

عموماً هي نصيحة، إن أخذتم بها وذهبتم إلى الطّريق الأقصر واعتمدتم على خيارات النّاس ضمن قاعدة البرامج والرؤى، فيمكن أن تحقّقوا أهدافكم وتصلوا مع كتلة قوية وازنة في المجلس. أما إسقاط مرزوق وإنجاحه فدعوه لأهل دائرته، أو أكملوا بما أنتم فيه فيقيناً ستؤدّي جهودكم إلى الخير له كما حصل من 4 أعوام... «وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي