يتبلور دور المدرسة في صناعة الشخصية الإنسانية، المطّلعة على المعرفة البشرية والهوية الوطنية والممارسة لها، من خلال التفاعلات المستمرة التي تضعها برامج المدرسة وسياساتها.
تقدم المدرسة من المعرفة البشرية ما هو أكثر من التعليم والتعلم، فهي المساحة التي تتم فيها مجموعة كبيرة من التفاعلات الاجتماعية، واختلاف الرؤى والتطلعات والغايات والبيئات والأفراد.
فهي أول مؤسسة يحتك بها الطفل والمراهق ليتعرف على التشكيل البنائي للدولة، والتشكيل الديموغرافي والثقافي للمجتمع، والتشكيل القانوني في سياسات الثواب والعقاب، وأول احتكاك للطفل والمراهق مع المراقب والمشرف والمدير والمسؤول، ورغم أن كل مدرسة هي وحدة جغرافية منفصلة، إلا أنها جميعاً ومجتمعة، هي لحظة تكثيف عالٍ لمؤسسة الدولة التعليمية ورؤيتها... تماماً كما كان كل مستوصف ومستشفى ووحدة ميدانية في الدولة، أثناء جائحة كورونا، هو لحظة تكثيف لرؤية المؤسسة الصحية في الكوارث والأوبئة والأزمات.
تقدم المدرسة ما هو أكثر من التعليم، فهي تقدم أنماط شخصيات مختلفة من حراس الأمن والمعلمين وعمال النظافة والإداريين بمستوياتهم المتنوعة والممرضين وأمين المكتبة والاختصاصيين والموجهين والضيوف... كل هؤلاء يتفاعل معهم الأطفال والمراهقون ليمرّوا بأربع مراحل على مستوى الوعي.
أولا: يعي ذاته من خلال المقارنة والسؤال وملاحظة الآخر، والسؤال عن الدور والأسلوب، ويكتشف أولى مراحل اهتماماته ونقاط قوته وضعفه.
ثانيا: يعي ما يحيط به من اختلاف وتنوع ويدخل في مفاضلات، ربما أبسط اشكالها أن يقول: «أحب الأستاذ الفلاني... ولا يعجبني الأستاذ الفلاني».
ثالثا: يعي البناء المؤسسي وهرميات السلطة الإدارية، وفي الوقت نفسه يتعامل مع أقرانه بشكل تفاعلي، ويتخذ قرارات ويتحمل عواقب كما يحصل على مكافآت.
رابعا: تتشكل الشخصية الإنسانية لديه بشكل تراكمي، مع مخزون من الذكريات والمواقف والخبرات والأحداث.
تتميز المدرسة بأنها قادرة على العمل من دون أن ترتبط بالأقمار الصناعية، أو اشتراكات الإنترنت أو عداد شحن الوصلة أو اللابتوب، أسوارها منيعة ولا تؤثر فيها العواصف أو ألأشعة الشمسية أو الأمطار الغزيرة.
قد نختلف على التعليم في الكويت، ولكن لا يمكن أن يختلف اثنان، حول أهمية دور المدرسة كونها المساحة الاجتماعية والتعليمية الأصيلة، التي بدأت بتحلّق الطلاب حول «الملا/ الشيخ»، وانتهت بتحلّق الطلاب حول علم الوطن في الصباح... وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله... أبتر.
@Moh1alatwan