رؤية ورأي

مسحات الإنذار المبكر

تصغير
تكبير

مراقبة أداء الحكومة واجب وطني إصلاحي، وإن كان بدرجات متفاوتة بين الأفراد بسبب اختلاف مواقعهم. ولكن هذا الواجب - كبقية الواجبات - له شروط وضوابط يجب مراعاتها، وإلّا انقلبت المراقبة إلى أداة إشغال المنظومة الرقابية عن دورها، كما هو الحال عندما يتم توجيه اتهامات - بالتقصير أو الفساد - مُختلقة أو جزافية (قبل الحصول على أدلة معتبرة كافية).

توجيه الاتهامات الجزافية ضد الحكومة في تزايد لكونه سلوكاً شعبوياً، رغم أنه يربك مؤسسات الدولة ويُضعف الثقة فيها، وبذلك يحفّز توجيه المزيد من الانتقادات ضدها، وتباعاً إعادة دورة الاتهامات، كما حصل في بداية الموجة الأولى من جائحة كوفيد-19.

وحيث إننا مقبلون على موجة ثانية من الجائحة، بتزامن مع تصاعد الحملات الانتخابية، أوجه رسالتين لعلهما تُسهمان في ترشيد منهجية مراقبة أداء الحكومة.

الرسالة الأولى احترازية موجهة إلى النوّاب والمرشحين الذين اعتادوا على إطلاق اتهامات جزافية، والثانية وقائية موجهة إلى القائمين على المنظومة الوطنية لمكافحة الجائحة.

من بين أبرز عوامل استمرار دورة الاتهامات الجزافية، غياب المعلومات الإحصائية ذات العلاقة بموضوع الاتهام، والقصور في فهمها.

وهاتان الإشكاليتان عالميتان، ولكن بدرجات مختلفة بين الدول.

ومن باب المساهمة في تخفيف الإشكاليتين العالميتين في قضايا متعلّقة بالجائحة، أنتج مجموعة من الباحثين المنتسبين إلى ثلاث جامعات مرموقة، أكسفورد ونوتنغهام البريطانيتين وستانفورد الأميركية، قاعدة معلوماتية تحتضن البيانات الرسمية الصادرة من 94 دولة - من بينها الكويت - في شأن فحوصات الإصابة بالفيروس الذي تمت منذ تاريخ 31/12/2019، وما زالت تُحدّث يومياً.

ثم أعد مجموعة من المبرمجين تقارير لاستعراض تلك البيانات، من خلال رسومات بيانية تفاعلية ثلاثية الأبعاد في موقع «Our World in Data» على شبكة الإنترنت.

تلك التقارير تظهر أن المؤشرات الإشاعة للجائحة لا يصح الاستدلال بها، من دون فهمها ومراعاة تأثير العوامل المرتبطة بها.

وهذا الشرط المنهجي لوحده كفيل بإسقاط الكثير من الاستدلالات السطحية التي تبناها سياسيون في توجيه اتهامات ظنّية.

وعلى سبيل المثال على تشعّب المؤشرات، جاء في أحد التقارير أن هناك ثلاثة مؤشرات لمعدل الوفيات الناتجة عن تفشي الأوبئة، وأن المؤشر الدارج «CFR» ليس له قيمة عالمية موحدة، لأن قيمته تتغير في بعدي الزمان والمكان، وتتأثر بصفات المجتمع وكفاءة المنظومة الوقائية.

وعليه، أدعو المرشحين إلى الاطلاع على التقارير المتاحة في الموقع وفهم المؤشرات قبل التصريح بالإيجاب أو السلب في شأن تفشي الجائحة وجهود مكافحتها.

وبالنسبة للرسالة الوقائية، نعلم أن العالم في حالة تأهب لمواجهة الموجة الثانية من الجائحة، والمنظومات الصحية تُعد نفسها لمواجهة طفرة في أعداد المرضى، وكذلك الحال بالنسبة لمنظومتنا الصحية، التي لديها وفرة مريحة في عدد الأسرة في غرف العناية المركزة، ويتأمّل أن تكون كافية لاستيعاب الدفعات الأولى من الطفرة المرتقبة في عدد الحالات الحرجة مع بداية الموجة الثانية، إلّا أنها قد تُشغل وتتشبّع بسرعة تفوق التوقعات.

هناك حاجة لرصد مؤشر يوفر إنذاراً مبكراً لغرف العناية المركزة، مثل مؤشر عدد الإصابات الجديدة، حيث إن هناك فارق زمني - بالأيام - بين الزيادة في هذا المؤشر وبين الزيادة في عدد الحالات الجديدة بالعناية المركزة. ورغم أن هذا المؤشر مرصود في الكويت، إلا أن القاعدة المعلوماتية أعلاه تشير إلى أن عدد المسحات اليومية غير كاف لقياس مدى تفشى الجائحة، لأنه كان بين 4 - 8 أضعاف النتائج الإيجابية خلال الفترة الماضية، في حين توصي منظمة الصحة العالمية بأن يكون عددها من 10 - 30 ضعف النتائج الإيجابية. لذلك أدعو المعنيين في وزارة الصحة إلى التحقق من صحة التوصية ودقة البيانات، وتباعاً زيادة عدد المسحات اليومية بما يلبي متطلبات تفعيل الإنذار المبكر... «اللهم أرنا الحق حقاً وأرزقنا اتباعه».

abdnakhi@yahoo.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي