هل عثرت إسرائيل على غاز في المنطقة البحرية الحدودية مع لبنان؟
بعد حملة من العلاقات العامة تضمنت نشر إعلانات حملت شعارات «لبنان دولة نفطية» و«شكراً (النائب) جبران باسيل»، وبعد صعود الرئيس ميشال عون إلى باخرة التنقيب التابعة لشركة «توتال» الفرنسية وقيادته جهاز التحكم عن بُعد بأدوات الحفر البحري، مرّت مهلة الأسابيع الثلاثة التي تحدّدها شركات التنقيب تقليدياً للعثور على مخزونات من الغاز أو النفط من دون أن تعثر الشركة الفرنسية على مخزون الغاز الموعود في بلوك رقم 4 في المياه الإقليمية اللبنانية.
ولتفادي الحرج، عمدت أوساط عون الى التسريب للصحف المحلية ما مفاده بأن «توتال» عثرت على مخزون كبير من الغاز، وأن الشركة تمتنع عن الإعلان عنه في بيان صحافي عملاً بالمبدأ القائل بالإعلان في وقت محدد لتفادي إمكانية الإثراء غير المشروع عبر شراء أسهم الشركة قبل إعلانها عن عثورها على الغاز.
لكن الأسابيع الثلاثة مرّت، ومرّت بعدها أسابيع أخرى، وبناء على طلب عون وفريقه، امتنعت «توتال» عن التصريح أنها لم تعثر على أي مخزون من الغاز، وغادرت سفينتها المياه الإقليمية اللبنانية. لكن فريق عون استجدى الشركة الفرنسية لإقناعها بعدم سحب كادرها والفريق الذي أشرف على التنقيب للايحاء وكأن العملية متواصلة.
والفريق قاده مهندس من أصول أرجنتينية، وهو تحول الى شبه أسير للدعاية السياسية في لبنان. أما «توتال»، فأصدرت بياناً مبهماً، ووعدت بالعودة للتنقيب في بلوك 9، الذي يشترك جنوبه مع شمال البلوك الإسرائيلي رقم 72.
وكانت إسرائيل عثرت، على مدى العقد الماضي، على عدد من حقول الغاز الكبيرة في مياهها الاقليمية، وأدارت عملية التنقيب والانتاج شركة «نوبل انيرجي» الأميركية، وهي من الشركات ذات الحجم الصغير نسبياً في السوق العالمية، اذ تملك أصولاً بقيمة خمسة مليارات دولار، وراكمت ديوناً بواقع ثمانية مليارات.
هذه الشركة الأميركية الصغيرة هي التي فازت أيضاً بعقد التنقيب في بلوك 72 الاسرائيلي، المعروف سابقا بـ «آلون دال»، لكن يبدو أن تعثرها المالي دفعها الى تأجيل التنقيب والانتاج في البلوك المتنازع على أجزاء منه مع لبنان. وتواصل تلكؤ الشركة الأميركية سنوات، الى أن قررت اسرائيل سحب ترخيص «نوبل انيرجي» وإعادة طرح البلوك 72 لمناقصة جديدة، وكان ذلك في شهر يونيو، وهي خطوة دفعت الجانب اللبناني الى الإدلاء بسلسلة من التصاريح التحذيرية من مغبة المواجهة التي قد تنجم عن الخطوة الاسرائيلية.
لكن قبل أن تفوز أي شركة بمناقصة البلوك 72، قامت شركة «شيفرون» الأميركية العملاقة للطاقة، والتي يبلغ حجم أصولها أكثر من 60 مليار دولار، بشراء «نوبل انيرجي» بالكامل، وهو ما أحال حق التنقيب والانتاج في حقول الغاز الاسرائيلية، تامار وليفياتان ومعهما البلوك 72، الى «شيفرون».
وعلمت «الراي» أن شركة «نوبل انيرجي» قامت بمجهود واسع لاقناع «شيفرون» بشرائها، وأن عملية الاقناع هذه تخللها اعتقاد خبراء «نوبل انيرجي» أن بلوك 72 يحوي مخزوناً لا بأس به من الغاز، وأن الدليل الأبرز يأتي من حقل غاز «قرش» الإسرائيلي المجاور.
في المنطقة البحرية الموازية لبلدة رأس الناقورة، يبلغ عمق البحر أكثر من ألفي متر، وهناك عثرت شركات التنقيب عن الطاقة على ركام سفن تاريخية يعتقد الخبراء أنها تعود للعقد البرونزي. لكن التنقيب ليس مهتماً بالآثار، بل بالغاز، ويبدو أن المنطقة المذكورة تتمتع بمخزون كاف لاستغلاله تجارياً.
كذلك يبدو أن المسؤولين الأميركيين ألمحوا لنظرائهم اللبنانيين أنه، على عكس البلوك اللبناني رقم 4، فإن البلوك رقم 9 يحوي مخزوناً من الغاز، وهو البلوك الأخير والأمل الوحيد للعثور على أي طاقة في المياه الاقليمية. هكذا وافق اللبنانيون على ترسيم الحدود البحرية، برعاية أميركية.
لكن لم تقدم أي شركة تنقيب إثباتات علنية على وجود أي طاقة في المنطقة البحرية المتنازع عليها، وكل المتوافر حتى الآن هو مسح جيولوجي يشير الى إمكانية وجود مخزونات غاز، والمسح يخطئ أحيانا، على غرار ما حصل في البلوك رقم 4.
على أن دخول «شيفرون» العملاقة على خط التنقيب والانتاج، في منطقة شرق المتوسط التي تحولت الى ساحة نزاع حول الطاقة بين القوى الاقليمية والدولية، قد يشي بأن لدى بعض الجهات مثل أميركا أو إسرائيل معلومات - أكثر من المسح الجيولوجي - تؤكد وجود مخزون غاز يمكن للبنان، الذي يعاني من تهاو اقتصادي غير مسبوق، الافادة من مبيعاته.
والى ترسيم الحدود البحرية، تعمل الولايات المتحدة على رعاية المفاوضات من أجل ترسيم 13 نقطة حدودية متنازع عليها، أعقدها منطقة مزارع شبعا، التي تطالب اسرائيل، لبنان باستحصال تنازل من الحكومة السورية عنها حتى تعيدها إليه، وهو تنازل ترفض دمشق الموافقة عليه وتصرّ على إبقاء الوضع مبهماً، وهو ما يبقى منطقة المزارع سورية بعيون القانون الدولي.
أما النقاط الـ 12 الحدودية المتبقية، فالاختلاف عليها لا يتعدى عشرات الأمتار، ويرى المتابعون الأميركيون أن لا مطالب لاسرائيل تجاه لبنان، بل أن القوات تراجعت عن الحدود الدولية في بعض المناطق لمصلحة إقامة نقاط مراقبة على تلال مرتفعة داخل الأراضي الإسرائيلية.