تركيا تتمدّد خارج حدودها لتلامس «الطموح الإمبراطوري»
نجح الرئيس رجب طيب أردوغان، في تعديل الإرث الذي سار عليه رؤساء تركيا العلمانيين السابقين، بدءاً من مصطفى أتاتورك مؤسس الجمهورية عام 1938، الذي أخذ الدولة نحو التغيير الحقيقي في اتجاه ما عرف بـ«الكماليزم»، تيمناً به بعد تفكّك أمبراطورية الدولة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى.
التعديل الأردوغاني أدخل الطابع الإسلامي وجمعه مع الحلم التركي في استعادة مجد الدولة التوسّعية، ليصل جنوده إلى سورية والعراق وليبيا، مع بعض الآثار التي لم تتمظهر بعد في دول أخرى.
لقد استطاع أردوغان انتزاع السلطة ليستبدل النظام الرئاسي بنظام سلطاني حاكم بأمره من دون منازع. وعزّز قوة رجال الدين الذين انتشروا في المدن والقرى لِبث الأفكار التي يحملها بنكهة منفتحة - اسلامية تجذب أعداداً كبيرة من عامة الشعب خصوصاً بعدما وفّر لهؤلاء الدعم المادي اللازم للاستقطاب ولمساعدة الناس، وهذا ما يزيد من شعبيته ولا سيما في المناطق الريفية البعيدة عن المدن الرئيسية، حيث مستوى الخدمات يعتمد أكثر على هؤلاء الذين يتواجدون على تماس مباشر مع السكان.
وبتحويل متحف آيا صوفيا إلى مسجد، أظهر أردوغان هويته الإسلامية التي تمسك بها وأعطته شعبية، خصوصاً بعد أن اعترض عدد كبير من رؤساء الدول على خطوته، وتالياً فقد أظهر «السلطان الجديد» أنّه غير آبه بما يطالب به رؤساء الدول وبتعليقاتهم... وهذا ما أعطاه دفعاً داخلياً إضافياً وكذلك بين حلفائه.
وأراد الرئيس التركي التصادم مع اليونان في قضية مياه البحر المتوسط، ووصف جيشه بأنّه «الجيش الأخير للإسلام» ليحول طموحاته وتوسع بلاده إلى معركة دينية تحاكي الفتوحات الإسلامية وليس الطموحات الأردوغانية ببسط نفوذه خارج حدود تركية.
وقد دانت أميركا التصرف التركي في المنطقة الاقتصادية اليونانية في البحر المتوسط، وطلبت من أردوغان «التوقف عن استفزازاته المحسوبة والتفاوض مع أثينا». إلا أنّ تركيا تعلم أنّ الموقف الأميركي جاء ركيكاً، وأتى على لسان الناطقة باسم وزارة الخارجية مورغن أورتاغوس وليس على لسان الوزير مايك بومبيو نفسه.
كذلك فإنّ الرئيس التركي يعلم أنّ أميركا مشغولة بانتخاباتها، وتالياً فإنّها أطفأت محركاتها ولها حساباتها المتجذره من تركيا التي تعتبر الدولة المهمة في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وتالياً فإن أردوغان يعلم أنّه يستطيع التمادي بما يُخطّط له.
ومن المعلوم أنّ اليونان هي جزء من أوروبا ولديها حلفاء في «القارة العجوز» التي تقف بجانبها ضد تركيا. إلا أنّ أنقرة لا تعطي أوروبا الحجم الذي تعتقد أنّها تملكه على الساحة الدولية، وتالياً فهي لن توقف أعمال التنقيب في مياه المتوسّط إلا في حال دعوتها إلى طاولة المفاوضات لأخذ حصتها لأنّها تريد الحصول على مصدر الطاقة المهم والذي تحتاجه.
وتعتبر اليوم تركيا، الدين جزءاً لا يتجزأ من تاريخها العثماني القديم. وباسمه، حارب الجيش التركي في سورية، (في مدينة إدلب ومحيطها)، ليثبت نقاطاً عدة تضمن وجوده لمدة طويلة في بيئة حاضنة تعتبره أفضل الخيارات المتوافرة. وباسم الدين، يحارب أردوغان أكراد سورية، ويهاجمهم في الشمال الشرقي السوري.
وتحارب تركيا في ليبيا وتخاصم دولاً عدة بتواجدها هناك، ليفرض أردوغان نفسه على الساحة الدولية - الشرق أوسطية كطرف لا يمكن تجاهله.
وقد احتل مناطق في شمال العراق ورفض الخروج منها تحت عذر حماية الأمن من «حزب العمال الكردستاني».
وظهرت أخيراً «البصمة القوية التركية في معركة أذربيجان - ناغورني كاراباخ ليدق باب روسيا وإيران على حدودهما».مما لا شك فيه أنّ تركيا توسّعت وتمدّد نفوذها إلى خارج الحدود في شكل لا يمكن تجاهله، وهذا ما حقّقه أردوغان وسياسته الخاصة به والتي لن تتوقّف عن النمو ما دام هو في السلطة ويتمتع بدعم شعبي يقف خلفه.