بعض الأشخاص يظنون أن ثبات الأحوال هو معيار نجاحهم، وهم الشخصيات الساذجة، وآخرون يظنون أن سوء الأحوال دليل القوة، فيجذبون المزيد من الظلم والقهر، ويدعون بالمتشائمين، وغيرهم يظنون أن الحزن هو الحياة وهؤلاء هم المكتئبون، وأكثرهم ضرراً، أولئك المتفائلون حد التفاؤل المرضي، فيظنون أن النار تتحول ماء فيحترقون، ويظنون أن السكين لا تقطع فيفقدون أصابعهم، وأن العمر لن ينتهي فيظنون أنهم مخلدون، وأؤلئك من يحتاج وصفة تحذيرية، فالتفاؤل إرشادات عامة، لا صلة له بسوء الاستخدام، فوجود الدواء لا يعني الشفاء، فسر الشفاء يكون في كيفية استخدامه، وعند الكيف يجب أن تقف كثيراً، تقف دائماً، تقف مدة طويلة، لتعرف أيهم أنت...؟
وقبل الاكتشاف، عليك فهم التفسير.
إن أهم حقائق الحياة أن الناجحين هم أكثر الأشخاص غرابة أطوار في شخصياتهم، فالثبات عندهم معدوم، والتغيير في السلوك والاتجاهات لبلوغ الغايات، يحمل كل الألوان في تصوراتهم... لذلك تجدهم مُختلفين في كل محاولة، حتى لا يصلوا إلى النتيجة ذاتها، كما أنهم متفائلون حد التشاؤم، فالأولى لينجحوا، والثانية خرائط للغايات ذاتها تقيهم من العثرات، فتتساوى الخطط وبدائلها ليتزنوا، هؤلاء الأقلية يحملون خيالاً واسعاً، نكهاته واقعية، بعيدة عن الأوهام... يفهمون جيداً، معادلات الكم والكيف، وقيمة الكل والجزء، ويعرفون جيداً أن وجود العناصر لا يعني اكتمالها، إنما العبرة في العلاقة بين هذه العناصر، لذلك يصبحون عظماء، يذكرهم التاريخ ويمجدهم الزمن.
فيأتي بعدهم حشود من أجيال تابعة لمورثات سابقة، يتمسكون بما كان عليه عظماؤهم، يرفضون التجديد ويخافون التغيير، وكلما فقدوا ركيزة أساسية في حياتهم، قالوا لعله خير، حتى يفقدوا كل الأشياء، فيتسلحون بمسكّن الفشل الموقت وهو الصبر، الساخر هنا... أنهم يعتقدون أن ما هم عليه ليس نتاج ما صنعوه، بل خارج عن سيطرتهم وخارق لقواهم.
يكتفون بحلم هارب يلجأون إليه لحظة النوم، لينسوا واقعهم المظلم، فيتفاءلون بالأحلام وبتكرار التجارب ذاتها، بالفريق نفسه، بالخطط والمعطيات ذاتها، ويتمنون نتيجة أخرى، متسلحين بقانون التفاؤل العقيم، الذي شوهوا قيمته، وأخفوا عري أفعالهم تحت ردائه.
فيتخلفون أكثر وأكثر، مستمرون في التحدث عن قيمته كقصة وهمية يتمنون حدوثها... فلا يصلون إلا إلى الوهم، ولا يعرفون أين سبل الحقيقة، فيموتون مدمنين للكلمات المتفائلة الخالية من التطبيق... فينتهي الأمر بهم بجملة: (حاولنا مراراً ولم نصل)!
عزيزي المتفائل نفسياً، والمتخاذل حركياً، أنت مكتئب، لأنك لا تعرف من التفاؤل سوى حروفه، التفاؤل هو وقت تكرسه، قوانين كونية تحتاج الفهم، عمل تؤديه، خطط بديلة، واقعية الأداء، صحة في المفاهيم، كرات وكرات وكرات عملية ونظرية، تسعى للسلام الداخلي لا الاستسلام البدني، هنا ستحقق ما تمنيت.
أما هناك في مكانك الذي تشكوه، مسجون بين السطور تخاف من الخروج خارج حدود الحروف، أسير محاولات التكرار المنطقية النتائج، تُصر على الاستمرار بتكرار التجربة ذاتها، كنوع من التفاؤل... اخبرك هنا، قف عزيزي الطموح! يموت الإنجاز، من إدمان الأخطاء المكررة، بجرعة زائدة من التفاؤل!
Twitter &instgram:@drnadiaalkhaldi