عون حدّد موعداً لاستشارات تكليف رئيس للحكومة... و«حزب الله» ذكّر بخطوطه الحمر

لبنان يراوح «في الحفرة» والسلطة «تُلاعِب» المبادرة الفرنسية

قوة من الجيش اللبناني تتجه إلى بعلبك لفض إشكال أمني
تصغير
تكبير

دَخَلَتْ بيروت أسبوعاً من «اللعب في قلْب الهاوية» التي لم يعد يفْصل «بلاد الأرز» عن قعْرها إلا أمتار أخيرة، وسط توقعاتٍ بأن تشتدّ المناوراتُ والكمائنُ في الطريق إلى الاستشارات النيابية المُلْزِمة لتكليف رئيس جديد للحكومة حدّد رئيس الجمهورية ميشال عون موعداً مفاجئاً لها في 15 الجاري أي بعد 19 يوماً من اعتذار السفير مصطفى أديب وارتطام المبادرة الفرنسية بالأرضيةِ الاقليمية للأزمة اللبنانية وتعقيداتها الداخلية.

ورغم إفراج عون عن استشارات التكليف بمعزل عن تفاهُمات مسبقة كان فريقه اشترطها على التأليف، فإنّ أوساطاً واسعة الإطلاع لم تتعاطَ مع هذا التطور على أنه مفتاحُ انفراجٍ بمقدار ما أنه يعبّر عن استمرار «الدوران في الحفرة»، في ظل صعوبة تَصَوُّر أن تحمل الأيام الفاصلة عن الخميس المقبل اختراقاتٍ من النوع الذي يوفّر للبنان «طريقاً مختصرة» للخروج من جحيم الانهيار الكبير الذي تتوالى مَظاهره الكارثية.

وبحسب هذه الأوساط، ليس المهمّ تحديد موعد الاستشارات ولا حتى تأليف حكومة كيفما كان، فالأهمّ استيلاد تشكيلةٍ بمعيار الخطر الوجودي الذي يواجهه لبنان جراء «النكبة» المالية - الاقتصادية التي تكاتفتْ لبلوغها عواملُ الفساد وسوء الإدارة والإفراط في لعبة المحاصصة الطائفية - الحزبية لغايات سًلْطوية بالتوازي مع تفريطٍ نافرٍ بكل صمامات الأمان السياسية التي لطالما شكّلها انضواء بيروت تحت الشرعيتين العربية والدولية لمصلحة انخراط «حزب الله» في مشروع التمدد الإيراني الذي انكشفت البلاد على رياح «صدّه» العاتية في المنطقة. وهذه الحكومة بالتحديد هي التي حاولتْ مبادرةُ الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الدفعَ باتجاهها على قاعدةٍ مزدوجة: الأولى في الشكل الذي يقوم على تشكيلةٍ من اختصاصيين مستقلّين لا تسميهم القوى السياسية، بما «يشتري» للبنان وقتاً مستقطعاً في المواجهة الأميركية - الايرانية عبر إبعادِ تأثيرِ «حزب الله» المباشر عن السلطة التنفيذية وتالياً تهدئة «الثور الأميركي الهائج». والثانية في المضمون الذي يرتكز على جدول أعمال إصلاحي بمهلٍ محدَّدة يضعُ البلادَ على سكة إنقاذٍ مالي مُمَرْحَل لا تكتمل شروطه بمعزل عن الشقّ السياسي من الأزمة اللبنانية.

ومع اصطدام مبادرة ماكرون بـ «جدار مصفّح» أقامه «حزب الله» خصوصاً أمام شقّها السياسي تحت عنوان رفْض تشكيل حكومة من خارج معيار الأكثرية النيابية أو تشكّل انقلاباً عليها مع تَمَسُّك الثنائي الشيعي (الحزب الرئيس نبيه بري) بحقيبة المال من بابٍ ميثاقي وبأن تسمّي القوى السياسية ممثّليها في الحكومة وبالتشاور مع الكتل النيابية، لم يتوانَ الحزب وقبل أن يجفّ حبر توجيه عون الدعوة للاستشارات النيابية الأسبوع المقبل عن التذكير بهذه القواعد ليتقاطع مع مناخاتٍ عبّر عنها قريبون من فريق عون بأن المبادرة الفرنسية بشقّها السياسي تعثّرت أما بشقّها الاقتصادي فلا تزال قائمة.

واعتبرتْ الأوساطُ المطلعة أن ثمة محاولةً تبلورتْ ملامحها في الساعات الماضية لإجراء مقايضةٍ بين طبيعة الحكومة وبين المشروع الإصلاحي، على قاعدةِ السعي لانتزاع تشكيلةٍ سياسية بأوسع تمثيلٍ أو بالحدّ الأدنى تكنو - سياسية تحت سقف البُعد الذي كان رَسَمَهُ الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله غداة اعتذار أديب بتأكيده أن تمثيل الحزب في الحكومة هدفه «حماية ظهر المقاومة» ومنْع انزلاق لبنان في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.

وفي رأي هذه الأوساط أن بإفراج عون عن الاستشارات المُلْزمة انطلق مسار من «عضّ الأصابع» الداخلي - الاقليمي لا يخلو من عناصر «حرب نفسية» تحاول الاتكاء على معانٍ مُضَخَّمة لخفايا و«أثمان» لعب الثنائي الشيعي ومن ورائه إيران ورقة الترسيم البحري بين لبنان واسرائيل (تنطلق مفاوضاتها في 14 الجاري) لجرّ كل أفرقاء الداخل إلى شراكةٍ في «إدارة الانهيار» عبر النزول «عن التلة» وتكوين «درعٍ سياسي» تَشارُكي بوجه كل الاحتمالات التي قد تطلّ بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية والتي لا يُستبعد أن ستبقها موجة عقوباتٍ جديدة «تربط أيدي» الإدارة الجديدة أياً تكن هوية سيدّ البيت الأبيض.

وفي هذا الإطار ترى الأوساط أن الأنظار تتجه خصوصاً إلى نادي رؤساء الحكومة السابقين (سعد الحريري، نجيب ميقاتي، فؤاد السنيورة وتمام سلام) وإذا كانوا في وارد تكرار تجربة اقتراح سلّة أسماء لرئاسة الحكومة لتختار قوى الغالبية النيابية بينها كما حصل مع تكليف أديب (في 31 اغسطس الماضي) ولكن لرئاسةِ تشكيلة بشروط «حزب الله» وحلفائه، وحتى إذا كانوا يغطّون طرْح ميقاتي لحكومة تكنو - سياسية من 20 وزيراً (بينهم 6 وزراء سياسيين)، لأن في الجواب على هذا السؤال يتّضح إذا كانت البلاد ستتجه إلى حكومات ما قبل ثورة 17 اكتوبر 2019 (حكومات وحدة وطنية كاملة أو مطعّمة بتكنوقراط) التي استقال الحريري على وهجها قبل نحو عام، أو إلى استنساخ تجربة حكومة حسان دياب المستقيلة ذات اللون الواحد.

وإذ اعتبرت هذه الأوساط أن إطلالة الحريري التلفزيونية مساء اليوم على شاشة «ام تي في» ستبلور الكثير مما ستحمله الأيام الفاصلة عن الاستشارات ولا سيما أن قوى الغالبية تفضّل أن يترأس هو الحكومة الجديدة بقواعد الأكثرية النيابية، لاحظتْ أن ثمة محاولة من الائتلاف الحاكم لوضع الرئيس الفرنسي أمام معادلة إما أن تتحرّك دفْعاً لنسخة جديدة من مبادرتك بشروطنا على صعيد إدارة التفاوض وطبيعة الحكومة وتالياً توازناتها، وإما تعلن فشلك مع ما ينطوي عليه ذلك من انتكاسة لمكانة فرنسا في المنطقة.

ولا تتوانى الأوساط نفسها عن الإعراب عن صعوبة تقديرِ إذا كان الائتلاف الحاكم سيغامر بحكومةٍ من خارج شروط المبادرة الفرنسية التي حظيت بعدم ممانعة أميركية على ألا تكسر حلقة الضغط الأقصى على «حزب الله» من ضمن المكاسرة مع إيران، مشيرة إلى أن أي حكومةٍ جديدة ليكون لها «أمل» في وقف تَدَحْرج لبنان نحو السقوط المريع ينبغي أن تتكىء على سيبة ثلاثية تبدأ داخلياً من تغطية الرباعي السني لها، ومن وقْعها على المجتمع الدولي كما على الشارع الذي يتهيأ لإحياء الذكرى الأولى لانتفاضة 17 اكتوبر.

ولم يكن عابراً أمس وقبيل إطلالة نصر الله مساءً أن يعاجِلَ نائبه الشيخ نعيم قاسم الملف الحكومي في ضوء تحديد موعد الاستشارات، محدداً شروط حزب الله القديمة - الجديدة القائمة على أن «الوقت ليس مؤاتياً لتغيير موازين القوى، ولا للانقلاب على نتائج الانتخابات، ولا لابتداع صيغ لحكومة لا تمثل الكتل النيابية»، مشيراً إلى أن «الحلَّ الوحيد المتاح هو التكليف والتأليف بحسب الدستور والآليات المعتمدة منذ الطائف، وأي تجاوز لهذا الحل يعني إبقاء البلد في المراوحة والتدهور».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي