إن الخدمة التي يمكن أن يقدمها معظم النواب والسياسيين الكويتيين إلى الشعب هي أن يأخذوا إجازة عن الكلام في المواضيع كلها، ثم الانضمام إلى الذين يجلسون أمام أجهزة التلفزيون لمتابعة أخبار السياسيين في المحطات الفضائية!
على أي حال، الكويتيون منصرفون تلقائياً عن الاستماع إلى التصريحات وقراءة بيانات الدعوة إلى التضامن والوحدة الوطنية في مواجهة الأحداث الخطيرة والتهدئة، حتى انتهاء زيارة بوش! فهذا من لزوم ما لا يلزم. أما ما يقلق الكويتيين فهو ذلك الهم المزمن الذي يكبر مع الأزمات الإقليمية والدولية ويزداد معه الشك في فرص الخروج منه بحل يضمن مستقبلاً تكفله الحرية والديموقراطية والأمان. ولعل أسوأ ما يوحيه الحديث عن حرب مرتقبة على إيران أن يامل البعض من الكويت وفي أقطار عربية أخرى بتحقيق أحلام أشبه بالمعجزات! وإذا كانت الكويت بعيدة عن تلك التجارب، أو مستبعدة عن مشاريعها التي تظهر وتغيب بين فترة وأخرى، فإنها غير محصنة تماماً من أخطارها المذهبية وتهديداتها التي يمكن أن تنشأ في الداخل وتجد من يتعهدها في الخارج ويصبح القلق مشروعاً، وبالتالي فإن التعبير عنه واجب وطني، عندما تتجاهل السلطة الأخطار والتهديدات وتكتفي بالتحذير منها.
لكن في السلطة ذاتها هناك من يدرك هذا الأسلوب في السياسة والإدارة فيزيد الخطر تفاقماً، فرغم أنهم وزراء ملتزمون التضامن إلا أنهم غير ملتزمين بالصمت عما يجري، خصوصاً عندما يجدون أنفسهم مدعوين إلى مواجهة الواقع بصراحة وبمنطق وطني. ومن بين هؤلاء الوزراء من يعلن خوفه على مستقبل الكويت في ضوء الحاضر الذي يعيشه ويعرف تفاصيله وأسراره (وما من أسرار خافية على أحد).
الخوف ليس على وحدة الكيان ولا على وحدة الشعب في ظلال الدستور، إنما الخوف على وحدة الشعب الطبيعية، أي وحدة العلاقة الإنسانية والاجتماعية، ووحدة الرؤية والأمل والطموح والهدف. وهذه ركائز أساسية تقوم عليها الأوطان والدول وتدفع الشعوب إلى الوحدة في أطر كياناتها الدستورية وأنظمتها السياسية. لكن ما يحدث في الكويت هو العكس، إذ تنهار تدريجياً المؤسسات التي تحفظ الركائز وتدعمها وتحصنها بالمناعة ضد الخلل والاهتزاز. فالمحطات الفضائية، ووسائل الإعلام الأخرى، والجامعات التي بدأت تتكاثر مثل الدكاكين، مؤهلة لتفكيك الشعب ثقافياً واجتماعياً وأخلاقياً، لا لإنشاء أجيال تؤتمن على وحدة الوطن ومستقبله، فكيف يمكن تصور إصلاح سياسي ودستوري في ظل الواقع الذي يمر فيه السياسيون، والذي انعكس تشاؤماً على رجل الشارع من السلطتين التنفيذية والتشريعية، فأصبحت المحطات الفضائية غير الكويتية تتناول واقعنا بمرارة وتذمر، بعدما كانت تحسدنا على ديموقراطيتنا والحرية التي نعيشها!
كيف يمكن أن نتطور في المجالات كافة إذا كان أدعياء السياسة بهذا المنوال والمماحكات اليومية التي لا تنقطع؟ نعم، هناك كثيرون من الوزراء أساس التأزيم، ولكن، في المقابل، ليس هكذا تتم الاستجوابات المستمرة التي عطلت البلد، وأوقفت العجلة الاقتصادية، بسبب عدم وجود الرؤية للبعد الريادي في العلاقة الصحية من السلطتين التشريعية والتنفيذية.
لقد أصبحنا في حاجة إلى القليل من الكلام في الوطنية، فالوطنية ليست فقط في الثقافة السياسة الموحدة، إنما تكون أيضاً في مختلف المجالات الثقافات التي تصب في خدمة الوطن، وهذه الوطنية، بهذا المعنى، لا نراها السمة الغالبة في الكويت، وهذا مصدر خوف كبير على الوطن.
ولعل الظاهرة اللافتة بعض السياسيين الفاسدين الذين يدعون الوطنية ويقومون بنهب منظم لخيرات هذا البلد ويفكرون بأنانية ويرتكبون الخطايا جهاراً، ثم ينادون بمحاربة الفساد كل يوم ويتغنون بالوطنية. هؤلاء هم الآفة التي يجب بترها واستئصالها من هذا الوطن ليكون في مصاف الدول الحديثة، وإلا فإن الخوف من المسقبل مبرر عندما نرى الدولة تتخلى عن دورها ومسؤلياتها المنوطة بها تجاه هذه الفئة من السياسيين!
في ظل هذا الواقع المؤلم كيف يمكن للكويت أن يكون لها شعب يثق بالإصلاح ويقف جبهة واحدة بعدما بدأ يفقد صبره. لقد أصبح للحرية والعدالة في الكويت أكثر من معنى، أما الديموقراطية عندنا فأصبحت إحدى النظريات القابلة للنقاش. أما المجتمع المدني فالخلاف متشعب على مواصفاته وخصائصه.
أصبحت ديموقراطيتنا عرجاء تعاني من عدم النهوض لتكملة السير القويم، بعدما دخلت في طريق مجهول يكتنفه الكثير من المعوقات التي وضعناها نحن. ولذلك، فإن محاولة إنهاء العلاقة التعاقدية التي أرساها الدستور سيؤدي حتماً إلى زوالنا جميعاً عن الخارطة، ويجعل منا مادة دسمة تتناقلها الألسن من هنا وهناك!
أيام الغزو الغاشم تجلت وحدتنا بأبهى صورها تحت راية قيادتنا الرشيدة، وأثبتت أنها أصل لشرف الرسالة والواجب الوطني، فهل نستطيع أن نحتفظ بهذه الوحدة، التي كانت مشرقة أيام الغزو الصدامي الغاشم، في وجه السياسيين والأعداء، ومن ثم نوجد سياسيين أحسن منهم؟ هذا سؤال يجب أن يثير اهتمام العامة!
فيصل فالح السبيعي
محام ومستشار قانوني في جمعية الصحافيين