تأثر بكثيرين لكنه لم يقلد أحدا
فادي ناصر الدين: المحكية اللبنانية... لغة شعر
فادي ناصر الدين
| بيروت - من اسماعيل فقيه |
القصيدة بالمحكية اللبنانية، بالنسبة الى الشاعر فادي ناصر الدين، حديقة حياته والرئة التي يتنفّس منها دائماً.
أصدر الشاعر دواوين عدة بالمحكية اللبنانية، وكتابه الاخير «توت شامي» حمل فيه كيانه الانساني كأنه يعترف بما يصعب الاعتراف به.
تحدث الى «الراي» بلغة هادئة ونبرة عالية، هو المسكون بالقصيدة:
• لماذا هذه المحكية في قصيدتك؟
- بكل بساطة، الشعر الذي اعيشه وأحسه وأُلامسه لا يمكنني تقديمه والبوح به الا من خلال المحكية اللبنانية. انها لغتي الشعرية، خاصتي، وليست المحكية ملكي الشخصي بالتأكيد، فكثير من الشعراء يكتبون بها. المحكية اللبنانية بالنسبة الي فعل مستمر ونشيط، تجعل لغتي اقدر على بناء الاحساس الذي اعيشه، وهي اصلا لغة رشيقة وجاذبة وقادرة على تفعيل المعنى الشعري. اخترت المحكية وهي التي اختارتني، والأرجح انها اختارتني لتكتبني، لنعيش انا وهي في فيء اللحظة الشعرية الجميلة.
• ألم تجرّب الكتابة بالفصحى؟
- بدأت كتابة القصيدة بالمحكية، ولم اخرج عن هذا السياق. كتابة القصيدة بالفصحى ليست واردة حتى الآن بالنسبة اليّ، ليس لأنني لا احبذها، انما لأنني لم اطرق بابها بعد.
• قد تكتب لاحقاً بالفصحى؟
- لن اتكهن، ولكن كل الاحتمالات ممكنة.
• هل تعتبر ان المحكية تختزن الشعر اكثر من الفصحى؟
- المحكية لغة شعر، غالبية مفرداتها مليئة بايقاع صوتي وبصري، وهذه ميزة لافتة فيها. لقد ولدنا في جو المحكية وبيئتها، بدليل اغاني فيروز وكلمات سعيد عقل وميشال طراد وعصام عبدالله وطلال حيدر والأخوين رحباني... كل هؤلاء وسواهم قدموا الينا، عبر الاغنية، وفي كلماتهم، اعذب الاشعار بالمحكية اللبنانية، ونحن تلقفنا هذه الاشعار بفرح عارم. ما زلت اذكر من ايام الطفولة، تلك الكلمات الرائعة التي كنا نسمعها من شعراء الزجل او الاغاني التي ترددها السيدة فيروز، هذه الكلمات اطربتني متأخرة بمعنى انني كنت استمع اليها في طفولتي من دون ان افهمها، وكنت دائماً اتساءل، لماذا هذه الاغاني دائماً على مسامعنا، ولا اخفي انني كنت ارفضها، ولكن سرعان ما تغير المشهد السمعي عندي وبت استمع بفرح كبير الى هذه الكلمات، وايضاً سرعان ما وجدت نفسي في دائرة التأثر بها، فكتبت في سن مبكرة اولى قصائدي بالمحكية. ومن يومها وقعت في اجمل فخّ نصبته لي المحكية اللبنانية. وكرّت السبحة او المسبحة، وكتبت ديواني الاول، وكان بارقة امل كبيرة في حياتي.
• لماذا تحصر كتاباتك بالمحكية في القصيدة فقط، هل تكتب مقالك او نصّك بالمحكية؟
- كتابة المقالة بالمحكية امر ليس صعباً، وربما يكون اسهل، لكنني لم اجربه ولم اشعر بحاجة اليه، ارى ان القصيدة وحدها تحتمل هذا الامر اي المحكية. ثم ان الكتابة، كتابة المقالة بالمحكية، تبدو غريبة عن الواقع بخلاف القصيدة بالمحكية. القارئ يستمتع بقراءة القصيدة المحكية او سماعها، ولكن يستحيل عليه تقبل المقالة بالمحكية. حتى ان لغة الاخبار مثلاً، اذا كانت بالمحكية، لا يتقبلها المستمع، ليس لأنها سيئة ابداً انما لأنه لم يتعودها وهي غريبة عنه.
أتمنى ان تحضر المحكية الى جانب الفصحى في اللغة المتداولة، قراءة وكتابة.
• انت من جيل جديد يكتب بالمحكية اللبنانية، هل تعتبر نفســــك سلـــيل اســــلافك ام انك تنــــحو فــــي اتجــــاه شــــعري آخـــر؟
- لم تنبت لغتي من الفراغ بالتأكيد. قلت انني تأثرت بأشعار كثيرة وتالياً، انا ابن هذه السلالة الشعرية. جئت من ايامهم وتأثرت بهم، ولكن بالتأكيد ايضاً، لم اقلدهم او انسخهم. تأثرت بهم نعم، ولكنني لم اكن مقلداً لهم. هم ابناء مراحل وانا ابن مرحلة، نلتقي في واحة القصيدة المحكية، لكل هواه وشعاره وعصبيته، لكل خريطته الشعرية وخصوصيته.
• ألم تتأثر بشاعر معين؟
- احب كل الشعراء الذين كتبوا بالعامية، تأثرت بهم من ناحية حبي لأعمالهم، ولكن ثمة فارق بين ان أُعجب بقصيدة وان اقوم بتقليد قصيدة. الفارق شاسع وطويل ولا يمكن مقاربته.
• متى يحين موعدك مع كتابة القصيدة؟
- لا وقت للكتابة اي ان الموعد غير ثابت، لا يمكن تحديد الموعد والبدء بالكتابة. القصيدة تأتي لوحدها، تمسك من يدي وتأخذني الى ملكوتها الحنون. يحين وقت القصيدة حين يحين موعد الحب الورد. ثمة حالة تستدعيني للكتابة، وأغلب هذه الحالات هي حالات حب وسعادة. دائماً تكون الصورة في الموعد الهادئ والجميل، فالقصيدة بالمحكية فعل غناء وبوح وهمس يشبه النشيد الداخلي الذي تحتاج اليه النفس. يحين موعدي مع كتابة قصيدتي حين يكتمل عطر اللحظة في مساحة العاطفة.
• رغم اهمية القصيدة بالمحكية اللبنانية الا انها تبقى غريبة حتى في محيطها العربي؟
- ليست غريبة في كل محيطها العربي، قد لا يفهمها اهل بعض الدول العربية لأن لهجتهم مختلفة كلياً عن اللهجة اللبنانية. ولكن في دول عربية كثيرة ثمة حضور للقصيدة المحكية. الاغنية اللبنانية مسموعة في كل انحاء المحيط العربي، أليس هذا في ذاته انتشارا للأغنية وللمحكية اللبنانية؟
• لكنها تبقى اغنية، واللحن يساهم في ايصال الكلمة، في حين ان شأن القصيدة المكتوبة مختلف كلياً؟
- يمكن القول ان القصيدة المحكية مقروءة في اقرب دول محيطنا.
• من تخاطب قصيدتك؟
- قصيدتي تحكي وتغني وتخاطب وتلامس الاحساس الدفين الذي ينمو في الروح. اكتب دائماً عن هواجس الانسان، عن الحب والمرأة والعاطفة. المرأة اساس الشعر، لولا المرأة لما استطعت كتابة حرف واحد.
• المرأة هاجسك كشاعر؟
- المرأة ليست هاجسي بالمعنى العابر، انما هاجسي بالمعنى العميق، فهي التي اشعلت فينا الاحساس الذي يؤجج مفهوم الحياة. والشعر اكثر خصوبة حين يلامس المرأة بكل ما تعني من قوة حياة وجمال وأنوثة.
• هل يمكن القول انك شاعر من اجل المرأة؟
- المرأة هي الشعر كله، خارج معناها يبقى اقل. ثم انني ارى وأحس ان الرجل جزء من المرأة، هو الذي يأتي منها، من ضلعها وليس العكس. لقد وصلت الى هذا الاقتناع في شكل محسوس، وليس كلامي هذا مجرد كلام شاعر انما اعني ما اقول: المرأة طاقة تحرك سائر الحياة، وعندما قال دانتي ان «الحب يسيِّر الشمس والقمر وسائر الكواكب» كان بالتأكيد يقصد المرأة.
القصيدة بالمحكية اللبنانية، بالنسبة الى الشاعر فادي ناصر الدين، حديقة حياته والرئة التي يتنفّس منها دائماً.
أصدر الشاعر دواوين عدة بالمحكية اللبنانية، وكتابه الاخير «توت شامي» حمل فيه كيانه الانساني كأنه يعترف بما يصعب الاعتراف به.
تحدث الى «الراي» بلغة هادئة ونبرة عالية، هو المسكون بالقصيدة:
• لماذا هذه المحكية في قصيدتك؟
- بكل بساطة، الشعر الذي اعيشه وأحسه وأُلامسه لا يمكنني تقديمه والبوح به الا من خلال المحكية اللبنانية. انها لغتي الشعرية، خاصتي، وليست المحكية ملكي الشخصي بالتأكيد، فكثير من الشعراء يكتبون بها. المحكية اللبنانية بالنسبة الي فعل مستمر ونشيط، تجعل لغتي اقدر على بناء الاحساس الذي اعيشه، وهي اصلا لغة رشيقة وجاذبة وقادرة على تفعيل المعنى الشعري. اخترت المحكية وهي التي اختارتني، والأرجح انها اختارتني لتكتبني، لنعيش انا وهي في فيء اللحظة الشعرية الجميلة.
• ألم تجرّب الكتابة بالفصحى؟
- بدأت كتابة القصيدة بالمحكية، ولم اخرج عن هذا السياق. كتابة القصيدة بالفصحى ليست واردة حتى الآن بالنسبة اليّ، ليس لأنني لا احبذها، انما لأنني لم اطرق بابها بعد.
• قد تكتب لاحقاً بالفصحى؟
- لن اتكهن، ولكن كل الاحتمالات ممكنة.
• هل تعتبر ان المحكية تختزن الشعر اكثر من الفصحى؟
- المحكية لغة شعر، غالبية مفرداتها مليئة بايقاع صوتي وبصري، وهذه ميزة لافتة فيها. لقد ولدنا في جو المحكية وبيئتها، بدليل اغاني فيروز وكلمات سعيد عقل وميشال طراد وعصام عبدالله وطلال حيدر والأخوين رحباني... كل هؤلاء وسواهم قدموا الينا، عبر الاغنية، وفي كلماتهم، اعذب الاشعار بالمحكية اللبنانية، ونحن تلقفنا هذه الاشعار بفرح عارم. ما زلت اذكر من ايام الطفولة، تلك الكلمات الرائعة التي كنا نسمعها من شعراء الزجل او الاغاني التي ترددها السيدة فيروز، هذه الكلمات اطربتني متأخرة بمعنى انني كنت استمع اليها في طفولتي من دون ان افهمها، وكنت دائماً اتساءل، لماذا هذه الاغاني دائماً على مسامعنا، ولا اخفي انني كنت ارفضها، ولكن سرعان ما تغير المشهد السمعي عندي وبت استمع بفرح كبير الى هذه الكلمات، وايضاً سرعان ما وجدت نفسي في دائرة التأثر بها، فكتبت في سن مبكرة اولى قصائدي بالمحكية. ومن يومها وقعت في اجمل فخّ نصبته لي المحكية اللبنانية. وكرّت السبحة او المسبحة، وكتبت ديواني الاول، وكان بارقة امل كبيرة في حياتي.
• لماذا تحصر كتاباتك بالمحكية في القصيدة فقط، هل تكتب مقالك او نصّك بالمحكية؟
- كتابة المقالة بالمحكية امر ليس صعباً، وربما يكون اسهل، لكنني لم اجربه ولم اشعر بحاجة اليه، ارى ان القصيدة وحدها تحتمل هذا الامر اي المحكية. ثم ان الكتابة، كتابة المقالة بالمحكية، تبدو غريبة عن الواقع بخلاف القصيدة بالمحكية. القارئ يستمتع بقراءة القصيدة المحكية او سماعها، ولكن يستحيل عليه تقبل المقالة بالمحكية. حتى ان لغة الاخبار مثلاً، اذا كانت بالمحكية، لا يتقبلها المستمع، ليس لأنها سيئة ابداً انما لأنه لم يتعودها وهي غريبة عنه.
أتمنى ان تحضر المحكية الى جانب الفصحى في اللغة المتداولة، قراءة وكتابة.
• انت من جيل جديد يكتب بالمحكية اللبنانية، هل تعتبر نفســــك سلـــيل اســــلافك ام انك تنــــحو فــــي اتجــــاه شــــعري آخـــر؟
- لم تنبت لغتي من الفراغ بالتأكيد. قلت انني تأثرت بأشعار كثيرة وتالياً، انا ابن هذه السلالة الشعرية. جئت من ايامهم وتأثرت بهم، ولكن بالتأكيد ايضاً، لم اقلدهم او انسخهم. تأثرت بهم نعم، ولكنني لم اكن مقلداً لهم. هم ابناء مراحل وانا ابن مرحلة، نلتقي في واحة القصيدة المحكية، لكل هواه وشعاره وعصبيته، لكل خريطته الشعرية وخصوصيته.
• ألم تتأثر بشاعر معين؟
- احب كل الشعراء الذين كتبوا بالعامية، تأثرت بهم من ناحية حبي لأعمالهم، ولكن ثمة فارق بين ان أُعجب بقصيدة وان اقوم بتقليد قصيدة. الفارق شاسع وطويل ولا يمكن مقاربته.
• متى يحين موعدك مع كتابة القصيدة؟
- لا وقت للكتابة اي ان الموعد غير ثابت، لا يمكن تحديد الموعد والبدء بالكتابة. القصيدة تأتي لوحدها، تمسك من يدي وتأخذني الى ملكوتها الحنون. يحين وقت القصيدة حين يحين موعد الحب الورد. ثمة حالة تستدعيني للكتابة، وأغلب هذه الحالات هي حالات حب وسعادة. دائماً تكون الصورة في الموعد الهادئ والجميل، فالقصيدة بالمحكية فعل غناء وبوح وهمس يشبه النشيد الداخلي الذي تحتاج اليه النفس. يحين موعدي مع كتابة قصيدتي حين يكتمل عطر اللحظة في مساحة العاطفة.
• رغم اهمية القصيدة بالمحكية اللبنانية الا انها تبقى غريبة حتى في محيطها العربي؟
- ليست غريبة في كل محيطها العربي، قد لا يفهمها اهل بعض الدول العربية لأن لهجتهم مختلفة كلياً عن اللهجة اللبنانية. ولكن في دول عربية كثيرة ثمة حضور للقصيدة المحكية. الاغنية اللبنانية مسموعة في كل انحاء المحيط العربي، أليس هذا في ذاته انتشارا للأغنية وللمحكية اللبنانية؟
• لكنها تبقى اغنية، واللحن يساهم في ايصال الكلمة، في حين ان شأن القصيدة المكتوبة مختلف كلياً؟
- يمكن القول ان القصيدة المحكية مقروءة في اقرب دول محيطنا.
• من تخاطب قصيدتك؟
- قصيدتي تحكي وتغني وتخاطب وتلامس الاحساس الدفين الذي ينمو في الروح. اكتب دائماً عن هواجس الانسان، عن الحب والمرأة والعاطفة. المرأة اساس الشعر، لولا المرأة لما استطعت كتابة حرف واحد.
• المرأة هاجسك كشاعر؟
- المرأة ليست هاجسي بالمعنى العابر، انما هاجسي بالمعنى العميق، فهي التي اشعلت فينا الاحساس الذي يؤجج مفهوم الحياة. والشعر اكثر خصوبة حين يلامس المرأة بكل ما تعني من قوة حياة وجمال وأنوثة.
• هل يمكن القول انك شاعر من اجل المرأة؟
- المرأة هي الشعر كله، خارج معناها يبقى اقل. ثم انني ارى وأحس ان الرجل جزء من المرأة، هو الذي يأتي منها، من ضلعها وليس العكس. لقد وصلت الى هذا الاقتناع في شكل محسوس، وليس كلامي هذا مجرد كلام شاعر انما اعني ما اقول: المرأة طاقة تحرك سائر الحياة، وعندما قال دانتي ان «الحب يسيِّر الشمس والقمر وسائر الكواكب» كان بالتأكيد يقصد المرأة.