في الأمثال المصرية يقولون «سابوا الحمار ومسكوا في البردعة»، وإذا أردت أن تنزل قليلاً إلى مستوى الحواري في الأمثال فما عليك إلا تذكر المثل المصري الشهير الآخر «جت في الهايفة واتصدرت»، هذه الأمثال المصرية الشعبية تتوارد في مخيلتي كلما قرأت تصريحاً أو مقالاً لأحدهم عن فلوس سمو الرئيس وشيكاته! تركوا شبهة التعامل المالي بين طرفين دور أحدهما مراقبة عمل الآخر، وتركوا اختلال توازن العلاقات بين رئيس السلطة التنفيذية وعضو مجلس الأمة الذي يحق له أن يوقف هذا الرئيس على منصة الاستجواب وأن يصوت على قرار عدم التعاون معه، وتركوا شبهة سعي عضو مجلس الأمة إلى تحقيق منافع مادية من عضويته في المجلس، و«مسكوا» في الشيك ومن سربه وكيف سربه وهل يحق للنائب أن يعرضه داخل قاعة عبدالله السالم المحصنة بالدستور، ومن يقف وراء النائب وأمامه ولماذا؟ يا جماعة الخير، لتذهب بنوك الكويت كلها، بمدرائها وموظفيها وعمال نظافتها، ومعهم جميع أعضاء السلطة التشريعية إلى النيابة، بتهمة خيانة الأمانة ومخالفة قوانين السرية المصرفية، والتعدي على ممتلكات الآخرين وأسرارهم المالية، إذا تحرك «عرق دم» في حكومتنا الرشيدة وغضبت وانفعلت وخرجت لنا نحن عامة الشعب وأبناء هذا الوطن ومصدر السلطات فيه ووضحت بشكل مفصل لماذا يتعامل رئيس الحكومة مالياً وبشكل مباشر مع أعضائنا الذين انتخبناهم وأوصلناهم ليمثلونا في مجلس الأمة؟! ليخرج سمو الرئيس، أو من يمثله، ويتكرم ويتنازل يوضح لنا كيف هي «فلوسه وكيفه» إذا كان الطرف المقابل هو «ممثلنا» في المجلس؟!
شراء الحكومة لمواقف بعض النواب ليس بالأمر الجديد أو الخافي على المتابعين، سواء عبر المعاملات أو الهبات والعطايا، والأمثلة على ذلك حاضرة في ذاكرة الشعب الكويتي ويستطيع أحدث المتابعين أن يسرد لك عشرات من المواقف النيابية التي تغيرت في اللحظات الأخيرة تحت تأثير «التعاون المشترك» بين أطراف في الحكومة مع هؤلاء الأعضاء، وفي قضايا مصيرية ساهمت في تغيير الخارطة السياسية المحلية مرات عدة، ومن السهولة تحديد أسماء عدد لا بأس به من أعضاء المجلس ممن تغيرت أوضاعهم المادية بعد دخولهم المجلس، وذلك كله بفضل ما وفرته لهم عضوية المجلس من قوة التصويت وسطوة المراقبة وهذه أمور لدى البعض يمكن تقدير «أثمانها» وتحويلها من صورة مواقف سياسية إلى أرقام في كشوف الحسابات البنكية بسهولة، وقطعاً لا يمكن أن يظهر «نائب فاسد» ما لم يقابله «فاسد آخر» على الطرف الآخر من السلطة التنفيذية، فالعضوية بحد ذاتها لا دخل لها إلا الراتب الشهري، أما تسهيلات وعطايا وهبات الحكومة فهي الهدف الذي تساق من أجله المواقف في المجلس وتشكل!
أتركوا عنكم من سرب الشيك ومن صوره ومن ختم عليه، وهل يحق لنائب محصن بقوة الدستور الكشف عنه أو لا يحق، وانتفضوا غضباً ولو لمرة واحدة ودافعوا عن موقفكم في هذه القضية ووضحوا لنا ماذا فعلتم بممثلينا في المجلس؟!
سعود عبدالعزيز العصفور
كاتب ومهندس كويتي
[email protected]