ممدوح إسماعيل / وقفات مع استقالة مرشد «الإخوان»

تصغير
تكبير
كل يوم تثبت جماعة «الإخوان» في مصر أنها قادرة على صنع الحدث، لذلك يعمد الإعلام إلى استغلال كل خبر عن الجماعة وتضخيمه أو تحويره ليستفاد منه إعلامياً في صنع خبر له السبق الصحافي والإثارة الإعلامية.

ومنذ أيام ظهر خبر بالمانشيت العريض على صفحات الجرائد تضمن إعلان استقالة مرشد «الإخوان» مهدي عاكف. الخبر لافت جداً، ومثير، ومادة خصبة لجميع وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة والمسموعة لنقله والانشغال به، وهو ما حدث.

ومع هذا الخبر، وبعد الهدوء لي وقفات مهمة:

أولاً: الخبر هو اصطياد لكلمة منفعلة قيلت في لحظة غاضبة، عقب رفض مكتب الإرشاد بالإجماع لرغبة المرشد العام في تصعيد عصام العريان لعضوية مكتب الإرشاد.

ثانياً: رغبة المرشد لها ما يبررها عرفياً، حيث أن عصام العريان التالي في الأصوات، ولكن الرفض بالإجماع من مكتب الإرشاد ضد رغبة المرشد يدل على حالة من تفعيل حرية الرأي والشورى والديموقراطية يفتقدها تماماً كثير من نظم الحكم والأحزاب العربية التي تتشدق بالديموقراطية كذباً.

ثالثاً: نجاح الإعلام في اصطياد كلمة غاضبة من المرشد له ما يبرره مهنياً في ظل إعلام يصارع من أجل خبر وجماعة لها وزنها في العالم كله.

لكن الذي لا يبرر هو فشل جماعة «الإخوان» في التصدي للحملة الإعلامية بأسلوب واحد متفق عليه يمنع الأقاويل والاشاعات، بل فتح الخبر الباب على مصراعيه لأحاديث مختلفة من قيادات الجماعة، وهو اصطياد من الإعلام للجماعة نجح فيه، وكان ينبغي غلق الطريق على الإعلام بموقف متحد، ومنع أي تفلت للأخبار والأحاديث لوأد فتنة الانقسام التي يحاول البعض من المستفيدين تفعيلها داخل جماعة «الإخوان».

رابعاً: استقالة المرشد في حد ذاتها تدل على حيوية الجماعة وعدم الاستبداد داخلها، وهو خبر لو نجحت الجماعة في تسويقه لوقفت به أمام أعدائها الذين يتربعون على كراسي السلطة أيًّا كانت ولا يتركونها إلا بالوفاة، ولكن الجماعة فشلت في تسويقه رغم أن العالم العربي لا يعرف استقالة مسؤول فما بالكم بجماعة «الإخوان» التي يقال انها دولة داخل الدولة.

خامساً: ترددت نغمة إعلامية أن الجماعة بداخلها تياران: محافظون وإصلاحيون، وأن التيار المحافظ هو القابض على إدارة الجماعة بكل قوة ولا يريد أن يترك مكاناً للإصلاحيين، لذلك عمدوا إلى منع العريان من عضوية مكتب الإرشاد لأنه محسوب على التيار الإصلاحي.

الحقيقة أن وجود التيارات داخل الجماعة يدل على حيويتها، ولكن الخلاف بينهم يدل على انقسامها، وهو ما يثير قلق أحبابها وفرحة أعدائها، ولكن الواقع يقول إن الأمر على خلاف ما ردده الإعلام، فالرفض من مكتب الإرشاد لا يتعلق بكون العريان إصلاحياً إنما بأسباب في التقييم لعضوية مكتب الإرشاد وهو حق لمكتب الإرشاد.

وكان ينبغي على المرشد عندما وجد الإجماع أن يستجيب بهدوء ليحقق تجربة فريدة في عالم الشورى نفتقدها الآن، ولكن ما أعلن عن رفضه أيضاً جيد، فهذا حقه، وما نشر عن رغبته في الاستقالة أيضاً خطوة مهمة، فإنها إعلان يكشف عن رغبة أن تأتوا بالأصلح، وهو ما لم يفعله أي زعيم سياسي عربي.

ويبقى أن جماعة «الإخوان» تثبت كل يوم أنها أقوى تنظيم سياسي على الساحة في مصر، ما يزيد تخوفات السلطة، ولكن الجماعة تلقي للسلطة بكل ما لديها من ود وحلم وهدوء أمام حملات السلطة عليها لعل السلطة تقلل من تخوفاتها.

وأخيراً، عدم تجديد المرشد لولايته مرة ثانية عندما تنتهي ولايته في يناير 2010، بعد شهرين، خطوة ديموقراطية أيًّاً كانت مبرراتها «السن أو المشاكل أو الديموقراطية»، لكن المهم والأخطر من يخلف المرشد مهدي عاكف المثير للصخب، هنا المشكلة، التي ينبغي على الجماعة معالجتها بحكمة، ومن الآن، وأعتقد أنهم يفعلون لأن المشكلة كبيرة حقاً.





ممدوح إسماعيل

محام وكاتب

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي