قد يكون تسييس الاقتصاد والرياضة والقضايا الاجتماعية مؤلماً وقاسياً، لكن تسييس التعليم هو دمار كامل للمجتمع وتفريخ لمخرجات تعليمية ضعيفة تكون وبالاعلى مجتمعاتها، خلال عشرات السنوات الماضية، كان خريجو المعاهد والكليات التطبيقية في الكويت يسافرون إلى بلدان عربية وأجنبية لاستكمال دراستهم للحصول على درجة البكالوريوس، ويقضون ما لا يقل عن سنتين اضافة إلى سنوات اللغة لاستكمال دراستهم.
وقد قام الأخ الفاضل الدكتور بندر الرقاص، المستشار الثقافي الكويتي في بريطانيا بإصدار قرار يشترط فيه قضاء طلبة الدبلوم الراغبين في استكمال دراستهم في بريطانيا ما لا يقل عن سنتين في الجامعات البريطانية وذلك لعلمه بحقيقة ما يحتاجه الطالب للتخرج.
وبدلاً من ان يلقى قرار المستشار الثقافي ترحيباً في الأوساط التعليمية والنيابية رأينا التدخلات والضغوط من عدة جهات لإجهاض ذلك القرار والاكتفاء بسنة واحدة يدرسها الطالب لكي يحصل على شهادة البكالوريوس، فقد تحرك اتحاد الطلبة في المملكة المتحدة بقوة لإلغاء قرار الملحق، كما تحركت اللجنة التعليمية في مجلس الأمة وللأسف في نفس الاتجاه إلى ان تحقق لهم إلغاء ذلك القرار، والذي باركوه وأشادوا به بحجة ان بعض الجامعات البريطانية لامانع لديها من منح شهادة البكالوريوس لخريجي المعاهد والكليات التطبيقية بعد عام واحد فقط، وهم أعلم بما يفعلون، وللأسف ان وزيرة التربية قد خضعت لتلك الضغوط وألغت قرار الملحق.
دعونا نناقش الأمر بمزيد من المنطق لنكشف حجم الدمار التعليمي الذي ينبني عليه ذلك القرار:
أولاً: ما يدرسه الطالب في المعاهد والكليات التطبيقية على مدى سنتين او سنتين ونصف لا يكاد يؤهل الطالب إلى فهم الكثير من المواد المطلوبة للبكالوريوس، لاسيما المواد النظرية، ولاسيما ان المعاهد تركز على الجانب العملي بحكم حاجة خريجيها لتلك الفرشة، لذا فإن سنة زيادة لا يمكن ان تؤهل الطالب لاستكمال فهم ما يحتاجه، لاسيما في الهندسة.
ثانياً: لاشك ان مستوى خريجي المعاهد والكليات التقنية في اللغة الانكليزية ضعيف جداً، ولا يمكن بحال من الأحوال البدء مباشرة بالدراسة دون تأهيل لغوي او تعود على نظام يختلف عنها تماماً.
ثالثاً: كما ذكرت بأن الجامعات العربية والغربية التي يدرس بها الطلبة تشترط ما لا يقل عن سنتين بعد التخرج لاستكمال البكالوريوس بل ان جامعة الكويت لا تقبل لخريجي كلية الدراسات التكنولوجية الذين يكملون دراستهم فيها اكثر من عشر وحدات (أقل من فصل دراسي) ثم يحتاج إلى أربع سنوات للحصول على بكالوريوس الهندسة، فهل من المصلحة ان يكون لخريجينا عدة معايير متفاوتة لنفس المسمى؟!
رابعاً: موافقة بعض الجامعات البريطانية على منح البكالوريوس لخريجينا بعد سنة من الدراسة قد لا يكون مبنياً على قناعة حقيقية باستحقاق الطالب للشهادة، ولكن بعض جامعات بريطانيا تهدف إلى الربح بأي وسيلة، كما ان المتضرر من هؤلاء الخريجين هي دولنا التي ستقوم بتدمير التعليم دون وعي ولا تفكير وليس البريطانيين، وعلى سبيل المثال هنالك جامعة بريطانية (أبردين) كان طلبتنا - خريجو الهيئة - يقضون فيها ثلاث سنوات لاستكمال شهادة البكالوريوس (14 مادة دراسية بنظام السنوات)، ثم درس بها طلبة كويتيون في السنوات الأخيرة سنة واحدة وحصلوا على شهادة البكالوريوس، فما الذي تغير خلال تلك الفترة، ولماذا تساهلت تلك الجامعة في نظامها الدراسي؟! نحن نطالب وزيرة التربية بإعادة النظر في إلغائها قرار المستشار الثقافي حتى لا يتحول التعليم إلى دكاكين تبيع لمن يدفع!!
وماذا عن المربين والعلماء؟!
ليس لدينا اعتراض على منح الجنسية الكويتية لمن يعتقد متخذو القرار بأنهم قد قدموا خدمات جليلة للبلد، وقد يكون تقييمنا لمفهوم الخدمات الجليلة متفاوتاً، لكن الأهم من ذلك هو ألا نمنع أصحاب الخدمات الجليلة التي نتفق جميعاً عليها من الحصول على الجنسية مثل بعض المعلمين الذين أفنوا حياتهم في تعليم أبنائنا وتربيتهم ولا يكاد يمر جيل من الطلبة الكويتيين الا وقد تلقى العلم على أيديهم، وكذلك علماء الدين الأجلاء الذين قضوا حياتهم في تعليم الناس ونشر الوعي الصحيح بينهم والتحذير من التطرف والانحراف.
إذا كنتم تعتقدون بأن بعض الممثلين والفنانين قد قاموا بخدمات جليلة للكويت ويستحقون التجنيس فلكم ذلك ولكن ليس بنسيان وإهمال أصحاب الأعمال الجليلة الحقيقية.
د. وائل الحساوي
[email protected]