| نادين البدير |
حين يفتح عضو برلمان أو رئيس وزراء أوروبي النار على ارتداء النقاب في الأماكن الرسمية. يطرح التساؤل العربي: لم التركيز على الحجاب وكأنه محور قضية الكون؟ وما كل هذه الأهمية السياسية للنقاب؟
أما حين تثور التيارات الإسلامية على مسألة نزع الحجاب. ويعطل أفرادها مسيرة أمة وهم يطالبون بقرارات أساسها يتمحور حول الحجاب أو النقاب يغدو الأمر واجباً شرعياً.
فلماذا يفكر أشخاص بإسدال الغطاء على رؤوس نائبات البرلمان الكويتي؟ هل تحول المجلس إلى مسجد ذي قدسية؟
كيف تجتمع الديموقراطية وإلغاء التعددية؟ وكيف يطالب عضو برلمان بإلغاء حرية المرأة وفرض زي نسائي موحد داخل معقل الديموقراطية؟
الإسلامي يستغل كل شيء. كل مكان، كل فرد، كل نظام سياسي من أجل الوصول. وبعد انتهاء حاجته يطعن بكل العوامل التي أوصلته فتصبح ضمن الكفر والإباحية.
التعددية والديموقراطية هما اللتان أوصلتا الإسلامي... النساء (محجبات وغير محجبات) هن اللواتي صوتن للإسلامي.
ثم قام الإسلامي من على مقعده البرلماني الوثير يطالب بمقصلة تنسيه سلالم الصعود. ونجد بذلك الأحزاب الإسلامية والأحزاب الذكورية عموماً تهمل المرأة على قوائمها الانتخابية رغم استغلال صوتها فترة الانتخابات، وتهملها أكثر في المكتب السياسي للحزب. وعدد قليل جدا من الأحزاب العربية أوصلت المرأة لمنصب أمينة عامة للحزب.
فمتى تتوقف المرأة عن التصويت لمن يجحد وجودها؟ ألم تبتلع الطعم بعد؟ ولا تزال تدافع عمن يلغي فكرها ويطالب بإلغاء هويتها؟
ماذا يحدث لهم حين يرون شعر النائبة؟
وأين نشأ مثل أولئك الرجال؟ ما البيئة التي أنتجت رجالا يوزعون شهواتهم هكذا على كل النساء بلا استثناء؟
هل الهدف من تلك الفوضى التي تلهي عن أمور تنموية مهمة هو التحول ببطء إلى الدولة الدينية حيث يزدهر نفوذهم ونضالهم؟ أم أنه مجرد اعتراف علني بعدم سيطرتهم على نزعاتهم الجسدية؟
صحيح أن النائبات الكويتيات لسن مجرد نساء عاديات من النوع الذي تراه ثم تنساه بعد لحظات، وإغواؤهن يفوق إغواء أعظم ملكات الإغواء. لا شيء يمكن أن يهتز له الرجل التقليدي (اهتزازا سالباً) مهما بلغت فتوته سوى امرأة تجاريه وتشاركه القرار وتقول له: لا.
إغواء قد يثير الرجل لدرجة يمقته بها ويفكر بكيفية اغتياله.
هؤلاء السياسيات بذلن جهدا من أجل المواطن ولأجل تحقيق الأهمية الاعتبارية للمرأة على مستوى الدولة. النضال والتكاليف الشاقة التي تكبدتها بعضهن في انتخابات متتالية دون الفوز بمقعد برلماني، والإصرار على المشاركة السياسية التي مكنتهن من تحقيق النصر... كلها أمور تحسب لصالح اهتمامهن بالوطن... لا دعوتهن لانحراف الوطن.
هؤلاء السياسيات يرفض البعض رؤيتهن في المجلس، وبعضهم يشترط غطاء يخفي نجاحهن لئلا يذكّره بضعفه أمام قوة الأنوثة ووطنيتها... فلا يجد بدا من التعليق على الشعر، الماكياج، طول الملابس...
اختلط الحابل بالنابل وتم التطاول على الرموز النسائية من برلمانيات ووزيرات مثلما يتم التطاول على الراقصات؟
هكذا تعرف المصطلحات...
حرية النساء انحراف وإباحية.
صحيح، لعله انحراف عن الطريق المعوّج... ثم ما عيب الإباحية؟ وما تعريفها؟
لماذا استخدمت كلمة إباحية المشتقة من الـ (مباح) للتعبير عن ارتكاب الأخطاء والجرائم.
صارت الحرية مرادفا للإباحية التي تعني الخطيئة. وكذا الديموقراطية والتعددية وسفور النساء والاختلاط حتى التكنولوجيا وجه جديد للإباحية.
أصبح للمباح وقع منفر لدى جماهير العرب الساخطة على نفسها لدرجة الانتقام. وقع الحرية صار منفرا.
الجماهير تابت وتعلمت الدرس. عشقت التحريم وعشقت الانزواء وحبس الأفكار وتغطية شعر النساء.
رغم المد المنحرف المتصاعد في الشرق الأوسط... مد ذو هالة دينية... إلا أن بلدانا عربية قليلة جداً ما زال بها أمل بمستقبل حر لا يشوبه التلوث.
الكويت واحدة من هذه البلدان. الأمل الذي سيعيق النكسة التي أصابت إيران والجزائر وغيرهما هو الشعب الكويتي الذي طالما صدر مفردات الحرية والتعددية.
وإذا قبلت النائبات ارتداء الحجاب، فقد يفرض النقاب عليهن مستقبلاً ولن يبقى من يمثل المرأة السافرة برلمانياً... وقد تكون النهاية الخروج من البرلمان أو فرض الحجاب والنقاب على رؤوس بقية نساء الأمة مثلما قد يفرض على رؤوس رموز نساء الأمة.
كاتبة وإعلامية سعودية
[email protected]