ممدوح إسماعيل / اغتيال السادات وسجن القلعة

تصغير
تكبير
في السادس من أكتوبر عام 81 كنت في السنة الأولى بالكلية وكنت ملتزماً دينياً ومتواجداً في أسخن مناطق التيار الإسلامي في حي شبرا بالقاهرة حيث جمعتني الأقدار ببعض قيادات الجهاد بحكم الجوار، ومن الطريف أنه قبل الحادث قيل لي انه سيقع حادث كبير في مصر فانتبه. ويوم السادس من أكتوبر عرفت ما هو الحادث الكبير.
وحتى نفهم ما حدث لابد من معرفة كيف كان يبدو الوضع في مصر في ذلك الوقت... كانت الحالة العامة في مصر ملبدة بغيوم سوداء فقد مر شهر على اعتقال نظام السادات 1500 من رموز مصر معظمهم من الإسلاميين، شيوخ ودعاة وأفراد، على رأسهم الشيخ المحلاوي، وعمر التلمساني مرشد «الإخوان»، ومعهم عدد غير قليل من السياسيين على رأسهم محمد حسنين هيكل، وفؤاد سراج الدين.
وقد شهدت مصر حالة غليان شديدة في العامين الأخيرين قبل 81 حيث قام الرئيس السادات بتوقيع معاهدة «كامب ديفيد» مع اليهود، وأخرج مصر من الصراع من أجل فلسطين تماماً، وترك الفلسطينيين وحدهم. وأخذ يطيح برموز المعارضة، وكان يغيظ الشعب المصري بموالاته للأميركيين، وعلاقاته الجديدة مع العدو القديم والصديق الجديد له اليهود.

تصاعدت على إثر هذا كله حالة الغضب والتي واجهها نظام السادات بالقيام بحملة اعتقالات كبيرة في سبتمبر 81، وبعدها وقف السادات في مجلس الشعب يشتم المعارضة، وشتم الشيخ الوقور أحمد المحلاوي وقال انه «مرمي في السجن مثل الكلب»، فقدم السادات الكثير من الأسباب لاستفزاز عنف «تنظيم الجهاد» الذي اغتال السادات في يوم السادس من اكتوبر 81 وأثناء العرض العسكري، فبينما كان الرئيس السادات جالساً في منصة العرض ينظر مزهواً إلى طائرات العرض وهو يرتدي ملابسه العسكرية، وقفت سيارة عسكرية وانطلقت منها طلقات رصاص لتصيب السادات وبعض من معه، وتغتال تلك الطلقات السادات في حادثة لن تمحى مطلقاً من تاريخ مصر على يد مجموعة من الشباب الإسلامي المنتمين لـ «تنظيم الجهاد» وهم الملازم خالد الإسلامبولي، والملازم عبد الحميد عبد السلام، والملازم عطا طايل، والرقيب أول حسين عباس. وتنقلب الأحوال في مصر رأساً على عقب، ويمر البلد بحالة احتقان وحوادث ومواجهات تنتهي باعتقال أفراد «تنظيم الجهاد» المدبر للحادثة، ومعهم عدد كبير من الإسلاميين وصل إلى عشرين ألف معتقل، كنت معهم، وذلك لمعرفتي بعدد من المتهمين في تنظيم الجهاد.
وبدأت معرفتي بمصر أخرى غير التي أعرفها في معتقل القلعة الذي كان شبيهاً بحق بسجن الباستيل الفرنسي حيث التعذيب الرهيب ليل نهار بلا رحمة.
لكن كان أهم ما لفت نظري عندما دخلت إلى سجن القلعة ملاحظات عدة أهمها الزنازين فهي صغيرة منتّنة جدا تفوح منها رائحة بول وبراز وكأنه منذ مئات الأعوام، وأرضية الزنزانة ليس لها مثيل فهي عبارة عن حفر وأخاديد مليئة بأنواع من الحشرات التي لا مثيل لها ولم أعرفها في حياتي، أما الجدران فكان وللعجب طلاؤها من الزفت، ومن الطريف أن بعض ممن سكنوا تلك الزنزانة استطاعوا أن يحفروا على الجدران تواريخ وأسماء وذكريات، وكان منهم سياسيون في أحداث 15 مايو الشهيرة بـ «مراكز القوى»، أما سقف الزنزانة فكان من أعجب ما رأيت في حياتي فهو عال جداً وبه فتحات عدة كي تمكن العسكري فوق الزنزانة من رؤية من بداخلها.
وكان باب الزنزانة عجيباً وفريداً فهو قصير جداً بحيث لا تستطيع أن ترفع رأسك وأنت داخل بل لابد أن تدخل منحنياً تماماً، والباب مصنوع من خشب قديم بسمك كبير جداً «حوالي 5 سم» وبه فتحة صغيرة تسمى النظارة ومن ورائه باب حديد أيضاً.
وكان أهم شيء لفت نظري أيضاً في الزنزانة هو ما على الأرض حيث وجدت ما عرفت فيما بعد أن اسمه «البرش»، وهو عبارة عن ليف النخل مجدول بشكل قريب من «المرتبة»، ورغم من أن الليف لونه أحمر كان البرش لونه أسود، ومن العجب الذي استفزني أنه كان يتحرك فأخذت أراقب تحركه لمعرفة أسبابه فوجدت أن بداخله كمية بليونية من البراغيث مكونة مملكة عظيمة على من يقترب منها تحمل كل ما يمكن أن يحدث له.
ونظرت حولي بحثاً عن ضوء فوجدت أن الزنزانة لا تدخلها الشمس مطلقاً فقلت في نفسي مرحباً بك «وراء الشمس»، وابتسمت رغم من كل ما أعانيه.
وكان مما يؤلمني في سجن القلعة سماع أصوات الصراخ من التعذيب ليل نهار ولا يتوقف أبداً. والحمد لله خرجت من السجن بعد أن حصلت على البراءة بحكم المحكمة.
ومن الطريف أنه بعد خروجي تحول سجن القلعة إلى متحف، وذهبت إلى القلعة أنا وأولادي الصغار وأخذت أضحك عندما وجدت يافطة على باب الزنزانة التي اعتقلت فيها تقول انها زنزانة من القرون الوسطى لسجناء منذ قرون عدة.
وأخيراً بعد 28 عاماً من اغتيال السادات أقول نعم اغلق سجن القلعة الشهير، ومن اغتالوا السادات تراجعوا عن العنف، ولكن مصر بعد 28 عاما يحكمها قانون طوارئ... لماذا وحتى متى؟!
ممدوح إسماعيل
محام وكاتب
[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي