نادين البدير / في كاوست: لا خصومة بين العلم والدين

تصغير
تكبير
| نادين البدير * |
يوم افتتاح كاوست، تغير زوار قرية ثول البحرية الهادئة من صيادين ومحبين لتناول الأسماك إلى ضيوف على مستوى قادة العالم وأهم خبرائه وعلمائه وأنبغ طلابه وباحثاته. قدموا من مختلف الدول لتدشين جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست) على ساحل البحر الأحمر. وإذا ما تحققت أهداف المؤسسين فقد تسهم أبحاث الجامعة في التحول إلى التوجه الصناعي بدلا عن تصدير المواد الخام فقط.
كل شيء بها جديد على البيئة التعليمية السعودية، الاختلاط بين الجنسين، الوجود الأجنبي الكثيف، التقنيات الحديثة، الديانات المتعددة، المبنى المصمم على أحدث طراز، رفاهية موقعها البحري.

كله مختلف عن بقية الجامعات السعودية. فحيث كنت أدرس بقسم الطالبات بجامعة الملك عبد العزيز، رغم مستواها التعليمي المتقدم، لم نحظ بظروف البيئة التعليمية العادية. فالاختلاط ممنوع بين الأساتذة والطالبات وبين الطلاب والطالبات لتحريمه من قبل أهل الفتوى. طرق التدريس تقليدية. الرحلات نادرة ومستحيلة، وارتداء البنطلون كان ممنوعاً لأنه محرم بناء على الفتاوى المنتشرة خارج الجامعة، الأنشطة قليلة. وليس هناك اتحاد للطالبات. كان حلمي اليومي أن يحدث تغيير يقلب كل شيء، لكن الأجواء كانت ميتة، بعيدة عن سنوات العشرين وما تحت العشرين. كل شيء يسير بسكون، دون حماس أو انطلاق شبابي معهود. كيف سيتكون الإبداع العلمي إذاً؟ الابتكار يلزمه مناخ حر لا جو خانق.
باختصار عكست الأجواء الجامعية النكسات الاجتماعية والدينية خارج الأسوار. وهو أمر يغبط عليه طلاب وطالبات الجامعات العتيدة التي تملك قانوناً خاصا بها وحرماً يستحيل اجتيازه. وعلى ما يبدو فإن الجامعة الجديدة تتميز بهذه الصفة المهمة التي تشغل الطلاب والطالبات بالبحث العلمي الحر دون محددات تبلور الفكر وفقا للحالة الدينية السائدة.
لذا فأتمنى ألا يكون إنجاز كاوست متقوقع على ذاته وألا تتوقف حدود تأثيره الاجتماعية عند حدود ثول، ولو كانت حدوده العلمية والمعرفية لامتناهية وفي حالة تمدد. أتمنى أن تصل هذه التغييرات الإيجابية في المناخ التعليمي إلى بقية الجامعات السعودية. يقول البعض انه سيحدث تدريجياً وذلك ما آمله. لكن ما يعيق هذا الأمل أن تجربة أجواء أرامكو الداخلية لم تنتقل إلى البيئة السعودية. فالمرأة تقود السيارة داخل أرامكو وتمنع منه خارجها. وفي كاوست يختلط الطلاب والطالبات على مقاعد الدراسة بينما تتلقى طالبات بقية الجامعات محاضراتهن عبر الشبكة التلفزيونية، ذلك النظام الذي لم يعد متماشيا مع الحاضر، ولم يعد مسايراً لتوجهات ملك أشرف على افتتاح جامعة مختلطة.
اختلاف اجتماعي اعتدناه بين البيئة الداخلية وبين بيئات داخل البيئة الداخلية لكننا لا نريد اعتياده أكثر. بل نأمل أن يصدر انفتاح البيئات الجديدة إلى البيئة السعودية، لا أن يبقى انفتاحاً حبيساً.
- أكثر كلمة لاقت صدى خلال افتتاح الجامعة هي عبارة الملك عبد الله حول اتفاق العلم مع الدين وأنهما لا يكونان خصمين إلا داخل النفس المريضة.
هذه الخصومة قديمة جداً وموجودة عند أهل الدين أكثر منها عند أهل العلم. كثير من رجال الأديان المختلفة اعتقدوا بأن تقدم العلوم يعني تهديدا لمركزهم الديني وسيطرتهم الكاسحة. وأن كل نتيجة معرفية قد تثبت زيف تفسيراتهم للأشياء. والتاريخ يعرض دلالات كثيرة على علماء قضوا بأوامر دينية.
كلمة الملك كانت ردا على آلاف الفتاوى التي ظهرت في هذا البلد ولا تزال تظهر لتحرم العلم وتحرم التوغل بالتفكير. تحرم البحث العلمي خوفا من أن يقود إلى التهلكة. المعرفة تهلكة وطريق للإلحاد.
- بعد انتهاء رحلة ماجلان بمئات الأعوام نفى أهم مشايخ السعودية ما توصل إليه المستكشف البرتغالي. أفتوا بعدم كروية الأرض وأنكروا دورانها. فـالأرض «سطحت» كما هو مذكور، والجبال «أوتاد» تمنعها من الدوران أو الحركة.
ثم منهم من رفض الاستنساخ ولم يجز أطفال الأنابيب باعتباره عبثاً وتلاعبا.
حرموا عمليات التجميل، التلسكوب. أنكروا حقائق عن المجرات الشمسية. وكانت معلمة الفيزياء تستعيذ من الشوكة الرنانة لاستخدامها بضبط الآلات الموسيقية.
وكلما فشلت فتاواهم بصدد الحقيقة. يلجأون لتلبيسها إطارا شرعياً ويصرون على أن أي اكتشاف كوني آني أو مستقبلي موجود في القرآن. العجيب أنهم لا يكتشفونه في المصحف إلا بعد أن يتوصل له علماء العالم، أما قبل الاكتشاف فيكون للنص القرآني تفسير بعيد كل البعد عن أي علم واختراع.
* كاتبة وإعلامية سعودية
[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي