حاضرة في وعي المسلم وضميره

ضوء / القدس... بوابة العروج إلى السماء

u0627u0644u0642u062fu0633 u0641u064a u0648u062cu062fu0627u0646u0646u0627r
القدس في وجداننا
تصغير
تكبير
| سيد ضياء ناجي* |
القدس هذه المدينة الاسيرة المكبلة تحيط بها الوحشة والغربة من كل جانب، ولاشك بان هزيمة الصهاينة في فلسطين وتحرير القدس من دنسهم بشرى سارة زفتها الاحاديث والروايات المتواترة.
القدس الكبرى
هي القدس الموسعة التي يحاول الصهاينة أن يصنعوا بها هوية جديدة للمدينة ويغيروا طابعها، بحيث تمحى هويتها ومعالمها الاسلامية فتبدو الاغلبية السكانية اليهودية كاسحة وتصبح مساحة الارض التي يسيطر عليها المسلمون صغيرة جداً مقارنة بالمساحة التي يسيطر عليها اليهود. ويستهدف مشروع القدس الكبرى تطويق الاحياء الاسلامية في المدينة القديمة، وفصلها عن الاحياء الاسلامية القائمة خارج السور. مما يسبب صعوبة كبيرة للسكان تدفعهم الى الهجرة خارج مدينتهم.
القدس حاضرة في وعي المسلم وضميره
الصراع القائم حالياً بين المسلمين والصهاينة صراع حضاري مرير، يحاول خلاله اليهود اقتلاع قضية القدس من وجدان المسلمين وضميرهم ومحوها من أذهانهم، لتصبح الابواب مشرعة لتحقيق نواياهم الخبيثة والاهداف التي يسعون للوصول اليها. غير ان المسلمين يقفون للصهاينة ولمخططاتهم بالمرصاد فيحتدم الصراع حول القدس ليعكس الاهمية التي تحظى بها هذه المدينة الاسلامية المقدسة في وعي المسلم وضميره ومكانتها البارزة في الحضارة الاسلامية على مر العصور.
ان علاقة المسلمين بالقدس هي علاقة قداسة لايرقى اليها شك أو خلاف، وهي محل اجماع أكدته النصوص القطعية الثبوت والدلالة في القرآن وأحاديث الرسول الاكرم صلى الله عليه وسلم. لذلك كانت العلاقة بينها وبين مكة المكرمة والمدينة المنورة علاقة قداسة أرادتها المشيئة الالهية تعبيراً عن تكامل الابعاد الدينية لمسيرة الانسانية في الارتقاء الى الله سبحانه وتعالى، لتكون رسالة الاسلام ونبوة محمد عليه الصلاة والسلام خاتمة الرسالات والنبوات، ذلك لان كل الانبياء الذين أرسلهم الله سبحانه وتعالى قبل بعثة خاتم المرسلين كانت القدس محور حركاتهم ورسالتهم. ويؤيد ذلك الحديث الوارد عن رسول الله (ص) فقال: «بيت المقدس بنته الانبياء وسكنته الانبياء، ما فيه من موضع شبر الا وقد صلى فيه نبي أو قام فيه ملك».
ومن هنا تظهر اهمية الرموز والدلالات التي تضمنتها رحلة الاسراء والمعراج لرسول الله الكريم، من مسجد الحرام في مكة المكرمة الى المسجد الأقصى في القدس الشريف، لتؤكد ايضاً الارتباط المقدس بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى. وليس هذا الارتباط المقدس ارتباطاً مكانياً فقط بل هو ارتباط زماني ايضاً لتتكامل القداسة المكانية بالقداسة الزمانية في ما يتعلق بمبدأ عبادة الله سبحانه وتعالى في الارض. عن أبي ذرالغفاري (رضي الله عنه) قال: (قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أي مسجد وضع على وجه الأرض أولاً ؟ قال: المسجد الحرام. قلت: ثم أي ؟ قال: بيت المقدس... الخ.
كما ان قضية قبلة المسلمين في الصلاة التي شهدت تحولاً من القدس الى مكة بعد استقرار رسول الله صلى الله عليه وسلم، في المدينة المنورة لم تكن الا تعبيراً عن ارتباط ثلاثي الأبعاد بين المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى في وحدة القداسة المكانية وتكامل الرموز العبادية لله تعالى. وكذلك ليست مسألة الارتباط المقدس بين الحجر الأسود في الكعبة المشرفة كحجر من حجارة الجنة وبين الصخرة المشرّفة في المسجد الأقصى التي بدأ عروج الرسول صلى الله عليه وسلم الى السماء من فوقها والتي شرفها الله بانه ما من نبي أو رسول الا وقد صلى فوقها والتي هي ايضاً قطعة من الجنة كما ورد في الحديث الشريف... ليست مسألة الارتباط بين الحجر الأسود والصخرة المشرفة الا دليلاً آخر يضاف الى مجموع الأدلة على المكانة، التي تحظى بها القدس في الضمير الاسلامي، ما يؤكد وجود قاعدة كبيرة من الوقائع والرموز والشواهد والايات والاحاديث التي تربط القدس بأعماق الذات الاسلامية.
ان هذه الشواهد وغيرها كثيرة تجعل قضية القدس بالنسبة للمسلمين قضية ذات أبعاد متصلة بالعقيدة الاسلامية، من المستحيل ان تنفصل عن الانتماء الاسلامي الحضاري بالنسبة لاي مسلم على وجه الارض. وهذا ما يجعل علاقة المسلمين بالقدس علاقة دينية ثقافية، تاريخية وسياسية واجتماعية ومصيرية، وهذا ما يؤكد على ان الصراع في القدس وعليها وحولها هو صراع حضاري، ولايمكن ان يخضع للمساومة أو التفريط بأي حال من الأحوال أو شكل من الاشكال.
ان كون القدس اليوم فريسة الاحتلال الصهيوني مع ما يرافق ذلك من اجراءات سياسية واستيطانية لتهويدها، يجعل القلق على مصيرها قلقاً مشروعاً في ظل الضعف والعجز اللذين يسيطران على العالم العربي والاسلامي في مواجهة الكيان الصهيوني المحتل.
ان القدس مدينة الانبياء من ابراهيم (عليه السلام) الى محمد(صلى الله عليه وآله) مروراً بعيسى (عليه السلام) وكل الانبياء ورسله، ولكن يدنسها اليوم قتلة الانبياء ويعيثون فيها فساداً وظلماً وارهاباً وانتهاكاً للمقدسات الاسلامية في ظل مشروع صهيوني يستهدف الغاء الاخر في القدس. ومن هنا ومن موقع الايمان المطلق بقداسة القدس واعتبارها مرتكز صراع الأمة مع الكيان الصهيوني الغاصب وفي تأكيد اضافي معاصر للرموز والدلالات الاسلامية المتعلقة بالقدس كان اختيار الامام الخميني، ليوم الجمعة الاخير من شهر رمضان المبارك في كل عام يوماً عالمياً للقدس، بهدف احياء وتأكيد وتعزيز ارتباط المسلمين بالقدس واستنهاض روح المقاومة والمواجهة والاستعداد للتضحية في سبيل تحريرها وانقاذها من قبضة الصهاينة الغاصبين.
* باحث في الأدب العربي - طهران
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي