أشقاء... من الطفولة إلى الشهرة

الأخوان رايت... حققا حلم الطيران / 11

تصغير
تكبير
|القاهرةـ - من مختار محمود|
أي أسرة في أي مكان... تجتاحها السعادة، عندما يحقق أحد أفرادها نجاحا، يجلب عليه الشهرة، ويضعه تحت الأضواء، نجما متوهجا، يشار إليه بالبنان في مجاله أو مجتمعه وحتى خارجه، وتتهافت على نشر أخباره الصحف والمجلات، ومن ثمَّ يكون مثار فخر لها واعتزازا ليس لأسرته أو مجتمعه الصغير وفقط، ولكن قد يكون لدولته وأمته.
ولكن تلك السعادة سوف تتضاعف... عندما ينجح شقيقان، ويتألقان في مجال عملهما، ويغدوان نجمين في سماء الشهرة والذيوع، وهناك نماذج عربية وغربية من هنا أو من هناك. حققت تلك المعادلة الصعبة، تغلبت على العقبات، وحفرت في الصخر، ووصلت إلى قمة النجومية، وذروة التوهج، حتى انها ظلت باقية في الذاكرة، بالرغم من مرور عقود عدة على رحيلها.
النماذج التي نرصدها لأشقاء أو إخوة مشاهير، تتوزع بين العلم والسياسة والرياضة، والفن، ويجسد كل نموذج منها نبراسا للتحدي والإصرار على النجاح والتميز، ولاسيما أن معظم تلك النماذج، ولدت في أجواء صعبة لا تعرف رفاهية العيش، ولا لذة الحياة، وهو ما دفعها في البداية إلى تحقيق المستحيل، ثم ضاعف سعادتها، عندما وصلت إلى ما وصلت إليه.
ونعرض في تلك الحلقات لأشهر الأشقاء والإخوة... الذين حققوا الشهرة سواء في مجال واحد، أو مجالين مختلفين، فهناك من تألق فنيا «الأخوان رحباني» و«الشقيقان الأطرش»، وهناك من توهج رياضيا مثل «التوأم حسن».
كما أن هناك أشقاء... شقَّ كل منهم طريقه في الحياة في مجال مختلف، ووصل إلى قمة النجاح والتألق «الشقيقان الباز مثال حي»، كما نرصد بدايات كل منهما، وكيف كانت دافعا لهما للإبحار ضد الصعاب والعقبات وتجاوزها، وتحقيق النجاح والشهرة والخلود في ذاكرة البشر، باعتبارهما دليلا حيا على الإصرار والتحدي.
وفي السطور حكايات... تعرفنا عليها... ومواقف توقفنا عندها... وصور نادرة تحكي مسيرة الأشقاء.

ظل حلم الطيران يراود بني البشر كثيرا... وتمنى البعض أن تكون لهم القدرة على التحليق في السماء مثل الطيور بل إن الباحث العربي عباس بن فرناس دفع حياته ثمنا لهذا الحلم.
وفي مطلع القرن العشرين تحول الحلم إلى حقيقة عندما استطاع الأخوان رايت اختراع آلة قادرة على الطيران حاملة إنسانا على متنها، والأخوان رايت هما أورفيل المولود في العام 1871 وويبلور المولود في العام 1867.
وقد تطلعا إلى والدهما «ويلتون» للتحدي الفكري - فقد كان واحدا من المهتمين بالثقافة والعلوم الاجتماعية وكان دائم الترحال في العديد من الدول والأماكن - وأيضا تطلعا لوالدتهما «سوزان» للاستفادة من خبرتها الميكانيكية باعتبارها ابنة ميكانيكي سيارات معروف وكانت تشاركه العمل في كثير من الأحيان.
كان ويلتون «الأب» يجلب لأطفاله جميع أنواع الهدايا التذكارية التي يعثر عليها أثناء سفره وكان من بين هذه الهدايا الرخيصة الثمن، لعبة يبدو سطحها مثل طائرة الهيلوكبتر ما أثار اهتمام الأولاد بالطيران.
تفوق ويلبور، وأبدع في الدراسة - بحسب موسوعة «طعس» العربية - وكاد أن يتخرج من المدرسة الثانوية لولا ظروف عائلية طارئة. ثم حال حادث انزلاق ومرض والدته وموتها في ما بعد دون متابعة دراسته في الكلية. أما أورفيل. فكان طالبا متوسطا في الدراسة ومعروفا بتصرفاته الشقية، وقد ترك الدراسة قبل السنة الأخيرة من الدراسة الثانوية ليبدأ في إنشاء مطبعة.
أول مرة
كانت المرة الأولى التي أشار ويلبور وأورفيل إلى نفسيهما بـ«الأخوين رايت» حينما بدأت مطبعتهما في سن الثانية والعشرين والثامنة عشرة على التوالي. وقد بنى الأخوان مطبعتهما باستخدام حجارة مقابر مهشمة وأجزاء من عربات، وقاما بطباعة أعمال مختلفة بالإضافة إلى صحيفة خاصة بها.
أصيب أورفيل بالتيفود العام 1896 وبينما كان ويلبور يعتني بأخيه، قرأ خبرا عن موت طيار ألماني شهير كان يقود طائرة شراعية. استرعى الخبر انتباهه، وحثه على الاهتمام بالطيران. وفي 30 مايو من العام 1899، كتب رسالة إلى معهد سميثسونيان يطلب معلومات حول الأبحاث الجوية. وفي خلال بضعة شهور قرأ ويلبور كل ما كتب حول الطيران.
ومنذ نعومة أظافرهما شغف «الأخوان رايت» بالميكانيكا والآلات وعملا في مجال الصناعة وصيانة الدراجات الهوائية والمحركات، ولكنهما لم يتوقفا عند هذا الحد وراحا يدرسان العلوم التطبيقية ويطوران الآلات بشكل يجعل الاستفادة منها أكبر وأعظم. وخلال التسعينات من القرن التاسع عشر الميلادي وتحديدا في العام 1899 بدآ في بناء طائرتهما الشراعية.
قصة أول طائرة
في العام التالي مباشرة شرع الأخوان رايت - بحسب الموسوعة العربية الحرة - بالقيام بطلعات جوية لهذه الطائرات قرب كيتي هوك بولاية كارولينا الشمالية، وهي منطقة تتصف بسكون الريح وكثرة الكثبان الرملية. وبعد كثير من المحاولات، تمكنا من تنفيذ نظام يكفل التحكم في قيادة الطائرة أثناء الطيران. وفي عام 1903، قام الأخوان رايت أول طائرة لهما وأطلقا عليها اسم «فلاير». وزودت الطائرة بجناح مزدوج ومحرك احتراق داخلي قدرته 12حصانا (أي ما يعادل 9 كيلووات).
ُصنعت الأجنحة من الهياكل الخشبية المغطاة بقماش قطني، وكان طولها من الطرف إلى الطرف 12.29. ويكون قائد الطائرة فوق الجناح السفلي، بينما يدفع المحرك المثبت على يمينه مروحتان خشبيتان مثبتان خلف الجناح. وبدلا من العجلات، زودت الطائرة بزحافات خشبية.
وقبل كل شيء، زودت الطائرة بنظام التحكم الناجح الذي كان الأخوان رايت قد ابتكراه لطائرتهما الشراعية. ومن أهم ملامح هذا النظام، الجهاز الخاص بعطف طرفي الجناح عند الحاجة للمحافظة على توازن الطائرة أثناء الطيران. ويتكون هذا الجهاز من سلك مربوط إلى طرفي الجناح متصل بحامل مثبت حول ردفي الطيار. ويستطيع الطيار تحريك ردفيه إلى طرف أحد الجناحين أو الآخر للمحافظة على اتزان الطائرة، وكذلك للتحكم في قيادتها أثناء الطيران.
محاولة طيران ناجحة
طائرة الأخوين رايت التي قاما ببنائها وقيادتها العام 1903م، اعتبرت الطائرة الناجحة الأولى في العالم. وهي مزودة بمحرك احتراق داخلي خفيف الوزن، يدير مروحتين مثبتتين خلف الأجنحة كما نشرت مجلة الجيل الواعد.
وفي 17 ديسمبر من العام ذاته أصبح أورفيل رايت أول إنسان يطير بنجاح بطائرة أثقل من الهواء تندفع آليا. وتم هذا الطيران قرب بلدة كيتي هوك. وأطلق الأخوان الطائرة من فوق قضيب طوله 18مترا وضع على سطح رملي مستوي. وعندما أقلعت الطائرة طارت في الهواء لمسافة 37 مترا بسرعة تصل إلى نحو 48 كم/ساعة ولفترة تقرب من 12 ثانية فقط. وفي نفس اليوم كرر الأخوان رايت المحاولة 3 مرات، كانت أطول طلعة من بينها من نصيب ويلبور الذي قطع 260 مترا في 59 ثانية.
ولم يتنبه معظم الناس فيما عدا قلة من المهتمين إلى ما حققه الأخوان رايت. لكنهما على الرغم من ذلك استمرا في إجراء التحسينات على طائرتهما. ثم تمكنا في نهاية العام 1905 من بناء أول طائرة وإطلاقها، وكانت قادرة على المناورة الكاملة ومستمرة في الطيران لأكثر من نصف ساعة متواصلة في المرة الواحدة. ولم يتم الاعتراف الرسمي بهذه الطلعات لأنه لم يشاهدها أي من الأشخاص الحكوميين. وفي فرنسا العام 1908م، قام ويلبر بأول طيران عام رسمي أدهش خلاله العالم بقدرات طائرته على الطيران.
رواد آخرون
أصبح ألبرتو سانتوس دومونت، البرازيلي الذي يعيش في فرنسا، ثالث من يقلع بطائرته. ففي عام 1906م، أجرى بعض الطلعات القصيرة بطائرته التي لها نفس شكل الطائرة الورقية الصندوقية. ثم قام بعد ذلك بتصنيع سلسلة من الطائرات اعتبرت من الطائرات الأولى التي استخدمت في الطيران الخاص والترفيهي، وضّم تراجان فولا، المبتكر الروماني - الذي كان يعيش في فرنسا - أول طائرة كاملة الحجم أحادية الجناح وتميزت طائرته بتثبيت المراوح أمام الجناح وليس خلفه. ورغم فشل التجارب التي أجريت على هذه الطائرة إلا أنها تركت أثرا على الطائرات التي جاءت بعدها.
في 4 يوليو العام 1908، أصبح المبتكر جلن هاموند كيرتيس «أول أميركي يقوم بعرض جوي عام قطع خلاله مسافة تزيد على الكيلومتر. وقاد طائرته ثنائية الجناح التي أطلق عليها اسم جون بج لمسافة 1,55كم بسرعة قدرها 55كم/ساعة.
وفي بداية العام نفسه قام الطيار الإنكليزي هنري فارمان، الذي كان يعيش في فرنسا، بمحاولة طيران دوراني لمسافة كيلومتر. وفي 30 أكتوبر من نفس العام طار فارمان لمسافة 27كم مباشرة في اتجاه الريف الفرنسي في أول طيران عبر البلاد. وقام الأخوان رايت بطلعات دورانية أكثر طولا. وأصبح كل من كوتيس، وفارمان، والأخوين رايت من أنجح صانعي الطائرات.
أول طائرة حربية
وكان «توماس. إي. سيلفردج» الضابط بسلاح الإشارة في الجيش الأميركي، هو أول من فقد حياته في حادث تحطم طائرة. فقد حدث أن قرر الجيش الأميركي اختبار القيمة العسكرية لطائرة الأخوين رايت. وفي 17سبتمبر العام 1908م، قام سيلفردج باصطحاب أورفيل رايت في طائرته.
وعند ارتفاع قدره 23 مترا عن سطح الأرض انكسرت إحدى المروحتين، وتحطمت الطائرة وقُتل سيلفردج، بينما جُرح رايت. ولم يكن ذلك مبعثا لليأس في قلبي الأخوين رايت، لقد فازا في العام 1909 بعقد مع الجيش الأميركي لتصنيع أول طائرة حربية في العالم.
في العام نفسه قام المبتكر الفرنسي لويس بليريو، بأول طيران دولي، حيث قاد طائرته أحادية الجناح، طراز بليريو إكس-1 لمسافة 37.8 كم عبر القنال الإنكليزي متجهًا من فرنسا إلى إنكلترا. وكانت الطائرة ذات جسم طويل مضموم وذيل في الخلف للتحكم، مع عجلات مسننة للهبوط. ومن بين الطائرات أحادية الجناح التي نجحت خلال تلك الفترة، سلسلة طائرات أنطوانيت... التي صممها المبتكر الفرنسي ليون ليفافاسير.
وانتشرت بسرعة في جميع أنحاء العالم حمى الطيران بطائرات أثقل من الهواء. ففي العام 1910، فاز الأميركي هاري هوديني بجائزة نادي الطيران في أول سباق جوي يقام في أستراليا. أتم هوديني بنجاح وتحكم 3 طلعات جوية بطائرة ثنائية الجناح تشبه الطائرة الشراعية الصندوقية، قرب استراحة ديجر في مقاطعة فكتوريا.
وفي 16 يوليو من نفس العام 1910، أقلع جون دويجان في أول طائرة أسترالية الصنع. وأصبح - و.إي - هارت طبيب الأسنان من مواليد سيدني، أول أسترالي يُمنح شهادة طيران العام 1911.
وفي العام 1911م أيضا، قام كالبريث ب.رودجرز بأول طيران عبر الولايات المتحدة، مبتدئا من خليج شيب شيد بولاية نيويورك حتي وصل إلى لونج بيتش بولاية كاليفورنيا. وفي خلال 84 يومًا استغرقتها الرحلة قام رودجرز بالهبوط أو الارتطام نحو70مرة مستخدمًا طائرة الأخوين رايت. واضطر إلى استبدال جميع أجزاء طائرته تقريبًا قبل أن يصل إلى لونج بيتش، وبلغ زمن طيرانه الفعلي 3 أيام و10 ساعات و24 دقيقة.
ويمكننا القول إن الأخوين رايت هما أول من بدأ الطيران بصورة فعلية ومهدا باختراعهما لاول آلة تتحرك بمحرك دافع أثقل من جسم الإنسان، لدخول قرن الطيران من باب واسع.
شهد القرن العشرين ومنذ ذلك اليوم من شتاء العام 1903 تقدما هائلا في مجال الطيران على مدى ما يقرب من 100 عام تطورت فيها الطائرات ودخلت عصر الإنتاج الصناعي بغزارة وتنوعت أحجامها وأشكالها ومهامها والأعباء المكلفة بإنجازها لدرجة أن محاولة جمع الطرازات التي أنتجت في العالم ككل في كتاب أو مؤلف واحد يعد ضربا من ضروب الخيال.
إنجاز خلده التاريخ
واليوم وبعد كل هذه السنوات فإن الأخوين رايت يمثلان إرثا عالميا يتم الاحتفال بهما وبإنجازهما بشكل رسمي، ويحتلان صفحات مشرّفة في التاريخ العالمي، وطائرتهما التي لا تزال صورتها تملأ الطوابع والتذكارات والساحات العامة في الولايات المتحدة وعبر العالم. ويمكن للناظر أن يعاين طائرتهم التي تكاد تكون أشهر طائرة في العالم عن كثب في متحف العلوم والتكنولوجيا في مدينة كيتي هوك في ولاية نورث كارولاينا مسقط رأس الأخوين رايت... حيث يحضر العديدون حول العالم لمشاهدة أول طائرة حلقت في بداية القرن العشرين وقد توفي الشقيق الأكبر «ويلبور» العام 1912 بينما توفي الشقيق الأصغر أورفيل في العام 1948.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي