أرض السحر في مصر... معتقدات وخرافات
محلة بشر... قلعة السحر / 8
أوراق للأحجبة والطلاسم
| القاهرة - من حنان عبدالهادي |
الخرافة والسحر... والدجل والشعوذة... ليس لها وطن... أو قارة أو دولة... وإنما هي معتقدات قد تختلف من مكان الى آخر، ولكن داخل أي مجتمع تجد هذه الأشياء أماكن بذاتها قد تكون أحياء أو قرى أو حتى مدنا... تشتهر فيها، وتجد من يروج لها، ومن يقبل عليها.
وفي مصر - مثلها في ذلك مثل كل الدول - أماكن للسحر والسحرة والدجل والدجالين والشعوذة والمشعوذين وقد يشتهر مكان بشيء، قد لا تكون في غيره، حتى إن هناك «قرى أو أحياء» تعمل في غالبيتها ـ وإن كان عددها قليلا - في السحر، ويفد إليها الناس من كل صوب وحدب، قد تكون شهيرة «خارجيا»، أكثر من كونها معروفة «داخليا».
وأيضا... تختلف الطقوس ما بين مجتمع وآخر، في مصر، فالوسائل قد تكون في بحري «الشمال»، مختلفة عن الصعيد «الجنوب»، والأكيد أن للقبائل وسكان الصحراء طقوسا غير سكان الحضر.
والخرافة في مصر. عُنيت بها دراسات وأبحاث كثيرة... حاولنا التعرف عليها والاقتراب منها، حتى إنها تمكنت من تحديد «274» خرافة موجودة بالفعل في القرى والمدن والتجمعات المصرية، ولعل أشهرها خرافة «الربط» - أي تجميد العلاقة الزوجية - وأيضاً أعمال الزواج والتطليق والحب والكراهية.
والدراسات والأبحاث... عن الخرافة في مصر... لم تهتم بها دراسات مصرية وفقط، ولكن اهتمت بها دراسات غربية أيضا، ووصل الأمر أن الباحثين عاشوا وعايشوا أماكن السحر واقتربوا من السحرة، وتعرفوا على خرافات العلاج بالسحر وأدوات وأدوية السحرة... وفي السطور التالية الكثير من الحكايات عن أرض السحر في قرى وأحياء ومدن مصر.
على بُعد ما يقرب من 180 كيلو مترا بعيدا ـ عن العاصمة المصرية - تقع إحدى قلاع الشر، التي تشتهر بالسحر والسحرة... إنها قرية «محلة بشر»، التي تقع في مدينة شبراخيت «التابعة لمحافظة البحيرة»، وبمجرد أن تدخلها تجد نفسك، وكأن الزمن قد عاد بك مئات السنين للوراء، وكأنما عدنا إلى عصر القرون الوسطى.
قرية «محلة بشر»... تشتهر باسم قرية الأربعين دجالا، فهذه القرية ـ التي يملؤها السحرة ـ يعتقد سكانها أنها تسكنها جميع أنواع وألوان العفاريت، والجن الأحمر منها والأخضر والأزرق وغيرها، وقد بسط هؤلاء السحرة، أو المشعوذون نفوذهم للسيطرة على القرية، بل على مركز شبراخيت بالكامل.
فالشراء هناك سهل للسحرة، لأن الأموال التي يأخذونها من ضحاياهم بالملايين، ويكدسونها في البنوك، أو يجرون لها عمليات غسيل في شراء الأراضي وبناء القصور والفيلات.
شهرة خارجية
تعدت شهرة هؤلاء السحرة والمشعوذين في «محلة بشر» حدود مصر إلى باقي الأقطار العربية، وخاصة من يطلب الشفاء من مرض ألم به، ولجأ إلى هؤلاء السحرة، بحثا عن العلاج الشافي، وإذا ذهبت إلى حيث «محلة بشر»، فإنك ترى الناضورجية - المراقبين - الذين يقفون بالعشرات عند مدخل القرية في انتظار الزبائن الذين يتوافدون إلى القرية بسياراتهم.
ودور هؤلاء الناضورجية هو سحب هؤلاء المتوافدين إلى السحرة، أو المشعوذين، فهناك الكثير والكثير من القصص الغريبة والمثيرة المختلفة عن هؤلاء السحرة، وأيضا قدرتهم الخارقة في تحقيق ما يريده الزبائن وسرهم الباتع.
أما زبائنهم فهم من المسؤولين المقالين من مناصبهم أو الحاليين، وهناك العديد من الفنانين والفنانات، ولا تخلو القائمة من الأثرياء العرب، الذين يأتون إلى عدد من السحرة أو الدجالين، الذين يعرفونهم بالاسم، كما يقومون بإرسال تذاكر السفر إلى هؤلاء السحرة حتى يتمكنوا للسفر لهم حيث بلادهم، ويعود السحرة، وهم محملون بالأموال والهدايا.
عندما تصل إلى «محلة بشر»... فإنك ترى عيونا تحدق فيك، ويشع من عيونهم الطمع، وكأنك صيد يجب اقتناصه، ثم يبدأون بالأسئلة عما تريد، وما عليك إلا أن تنتقي أحدهم لتسأله عن ساحر يكون متمكنا، وكما يقال سره باتع ليعالج المريض من مرضه.
الشيخ رفاعي
أحد هؤلاء أو السحرة يسمى الشيخ رفاعي، ويقوم بمعالجة المرضى - كما يؤكد أهل القرية - ويبلغ من العمر 41 عاما، وقد تم القبض عليه في القضية 2500 جنح وحتى تصل إلى الشيخ لابد أن تدفع 10 جنيهات ثمن تذكرة الدخول إلى الشيخ ليكشف على المريض، وإذا اتضح أنه معمول له عمل أو «ملبوس» - من الجان- فإنه يجب أن يدفع 50 جنيها قابلة للزيادة.
ويحكي أحد سكان القرية: ذهب زبون يطلب العلاج من مرض ألم به، وعندما قدم إلى «محلة بشر»، وقابله أحد الناضورجية الخاص بالشيخ رفاعي، وآخر بالشيخ «محمود - 39 سنة» عامل زراعي، وتم القبض عليه على ذمة قضية رقم 9790 جنح.
قال ناضورجي الشيخ رفاعي ناصحا المريض بأن الشيخ رفاعي راجل قديم في المهنة وسره باتع، وأن الشيخ محمود لم يعد يعمل في المهنة إلا لبعض الزبائن المعينين من الأثرياء العرب، وبعض المشاهير من الفنانين، وأنه لن يسأل في الزبون العادي إلا إذا جاء بكارت توصية من الراقصة «هـ » أو الوزير السابق «ط،ح»، أو الفنانة الاستعراضية «ص.أ» أو حتى لاعب الكرة المعتزل «ج.ع».
وقرية «محلة بشر» هي قرية عادية، ولا يزيد عدد سكانها على «15» ألف نسمة يعمل معظمهم بالزراعة، لكن المورد الرئيسي الذي يقوم عليه اقتصاد القرية يأتي عبر ممارسة السحر أو الدجل، حيث يعمل عدد كبير من أبناء القرية في تلك الحرفة.
كما أن القرية بها عدد من الدجالين الكبار والصغار، والناضورجية، الذين تكون مهمتهم الإيقاع بالزبائن، الذين يأتون للقرية كل يوم، وخاصة يوم الجمعة «الإجازة الرسمية».
ويقوم هؤلاء السحرة والدجالون بشراء الأراضي والمواشي، وغيرها من الحيوانات حتى أن سعر الفدان الواحد بلغ 75 ألف جنيه تقريبا، ويقال إن أحد كبار الدجالين استطاع خلال 5 سنوات من العمل المتواصل أن يقوم بشراء 40 فدانا، وبذلك كون ثروة، ولخوفه فقد كتبها باسم أفراد عائلته، فهو مجرد موظف في مجلس المدينة، ولا يملك سوى راتبه الهزيل، ويلجأ بعض المشعوذين السحرة لشراء المواشي.
سيئة السمعة
ولضمان ولاء أهل القرية سواء من عدم الإبلاغ عنهم والسكوت عن ممارسة أعمال الدجل والسحر في قريتهم، وعدم إعلان سخطهم وغضبهم على الدجالين، خاصة بعد أن أصبحت قريتهم ذات سمعة سيئة بين القرى المجاورة.
لذا فهم يقومون بشراء المواشي، وإعطائها لأهل القرية لتربيتها ورعايتها مقابل الحصول على الثلث، وأحيانا النصف، وهناك سبب آخر ومهم أن أحد الدجالين الكبار ينوي ترشيح نفسه في الانتخابات، وهو بذلك يريد شراء أصوات أهل القرية، أو القطاع الأكبر منها.
وقالوا: الشيخ صبري قام بشراء أكثر من 20 جاموسة ثمن الواحدة نحو 7 آلاف جنيه، وقام بتوزيعها على بعض الأسر ذات الكتل الصوتية الكبيرة، وأيضا لضمان ممارسة نشاطه في السحر بأمان، فهو يريد دخول البرلمان ليمارس نشاطه من دون خوف، وأن يكون على مقربة من زبائنه من الوزراء والمسؤولين.
ويؤكد سكان القرية أن سبب تسمية القرية بـ «محلة بشر» يعود إلى بشر مطر، الذي نزح إلى القرية من جنوب الوادي، وتحديدا من مركز البداري بأسيوط، وبشر مطر هو والد الشيخ سليم البشري - شيخ الأزهر الأسبق - وجد المفكر الإسلامي المستشار طارق البشري، ولذلك فإن أكبر شارع في القرية يسمى شارع سليم البشري، ليس ذلك فحسب بل إن شوارعها مسماة بأسماء قادة الفكر والوطنية أمثال طلعت حرب باشا ومصطفى كامل، وغيرهما من عظماء التنوير.
أما سبب انتشار الدجل والشعوذة في هذه القرية فيعود - كما يؤكد أهالي القرية - إلى أن القرية كان يعيش بها اثنان من كبار السحرة والمشعوذين، الأول كان يسمى الشيخ خليفة هيبة، وقد ولد العام 1817، والشيخ العرجا وولد العام 1908، وهذان الساحران كانا يمتلكان كنزا ضخما من كتب السحر وخاصة السحر الأسود، وحققا ثروة طائلة من وراء ممارسة الشعوذة والسحر.
حتى أن الشيخ خليفة هيبة ترك لأبنائه من بعده ثروة طائلة تقدر بنحو 375 فدانا، وبعد وفاة هذين الساحرين توقف أبناؤهما عن ممارسة السحر، وحافظوا على الثروة التي ورثوها من آبائهم، ومارسوا أعمالا أخرى مشروعة.
أما كتب السحر والشعوذة التي خلفها الشيخان هيبة والعرجا، فقد انتقلت بعد ذلك لبعض أبناء القرية، الذين تعلموا منها كيفية ممارسة الدجل، ثم انتشرت المهنة بين أبناء عدد من العائلات بالقرية، وتوارثوها حتى يومنا هذا رغبة في الثراء، كما فعل أسلافهم.
عائلات ممارسة
ومن أشهر العائلات التي تمارس الشعوذة ويتوارث أبناؤهم المهنة عن آبائهم، ويحافظون عليها، ويحرصون على تعليم أبنائهم أصول الصنعة هي عائلات: أبوعيشة وعلام وهريدي والطحان والسوباري ودياب والبرلسي.
ما يؤكده أيضا أهالي قرية «محلة بشر» أن أحد الدجالين، وكان عميد عائلة، توفي منذ عدة سنوات وسبق ضبطه واتهامه في 5 قضايا بتهمة الدجل والشعوذة في الأعوام 1980 و1985 والعام 1992 جنح شبراخيت، وخرج منها جميعا بالبراءة، وعلى الرغم من أن نشاطه الإجرامي لم يقتصر على ممارسة الدجل بل تعداه إلى ارتكاب جرائم أخرى مثل حيازة السلاح والتموين، إلا أنه كون ثروة طائلة تقدر بعدة ملايين من الجنيهات.
وبعد وفاة ذلك الدجال نشب صراع عنيف بين أبنائه، الذين توارثوا عنه هذه الحرفة على هذه الثروة ورفعوا ضد بعضهم البعض العديد من القضايا.
أما أطرف شيء فهو محاولة أبناء الدجال بناء ضريح لوالدهم بقرية «محلة بشر» حتى يصبح مزارا يأتي إليه المريدون من جميع أنحاء مصر وخارجها.
إلا أن أهل القرية رفضوا بناء هذا الضريح، وأعلنوا تذمرهم ضد نفوذ هذه العائلة، ورفضوا الرشوة التي حاول أبناؤه تقديمها إليهم تحت زعم التبرع ببناء مسجد بالقرية، فنشبت معركة طاحنة بين أبناء القرية من جانب، وأبناء الدجال من جانب آخر، استخدمت فيها الأسلحة النارية والعصى والشوم والأسياخ الحديدية، وانتهت بمقتل أحد أبناء الدجال الكبير على عتبة مقام والده المزعوم، فتوقفت عملية بناء الضريح.
وعقب هذه المعركة قرر الابن الأكبر لهذا الدجال نقل نشاطه إلى مركز شبراخيت، ولأن الابن الدجال هو الذي خلف والده في مهنة السحر والدجل، فقد فاز بنصيب الأسد من الثروة وأسرار المهنة، وكذلك من حيث عدد القضايا التي اتهم فيها، حيث وصل عددها إلى 14 قضية تتراوح ما بين ممارسة الدجل والشعوذة والسرقة والضرب والحريق وغيرها من الجرائم.
وكان أول قضية يتهم فيها هي جنحة سرقة برقم 187 لسنة 1985 جنح شبراخيت، وعلى ما يبدو أنه بدأ في ممارسة نشاطه الإجرامي في ذلك العام، ولذلك كان غشيما بلغة الخارجين على القانون، لأنه ضبط في هذا العام في 4 قضايا مرة واحدة ثم بدأ عدد القضايا التي يضبط فيها ينخفض تدريجيا إلى أن توقفت الشرطة تماما عن مطاردته في العام 1993.
ومنذ هذا التاريخ لم يضبط هذا الدجال في أي قضية على الرغم من أنه لايزال يمارس نشاطه، بل اتسع ليشمل سفريات إلى بعض الأقطار العربية حتى أن بعض منافسيه في المهنة أطلقوا حوله شائعات تؤكد نجاحه في توفيق أوضاعه مع أجهزة الأمن.
المعارك الانتخابية
وفي «محلة بشر»... يتدخل الدجال أو الساحر في المعارك الانتخابية والسبب بسيط، وهو أن عدد الدجالين في قرية «محلة بشر» وبعض القرى المجاورة تجاوز الـ 20 دجالا، وأغلبهم من الأثرياء والمشاهير، ويضمنون بدخول مرشحهم الانتخابات ولاءهم وحمايتهم، والتدخل لحمايتهم من مطاردات الشرطة وبسط نفوذهم وسلطانهم.
والبرلمان هو إحدى الأدوات التي تضمن لهم هذه الحماية، والدجالون في «محلة بشر» أو كما تسمى «قلعة السحر الأسود» قوة انتخابية لا يستهان بها، ليس لأن الجن الذي يستيعنون به له أصوات انتخابية ولكن لأنهم يسيطرون على عدد كبير من الأفراد، إما بأعمالهم الشريرة وتهديد الآخرين، وبث الرعب في قلوبهم بما يسمى «الربط» أو «المس» لدرجة أنه لم يعد أحد يجرؤ على الوقوف أمامهم سواء من المسؤولين أو الشخصيات البرلمانية أو الأمنية، وإلا ما استمرت قلعة السحر الأسود، بجانب سيطرتهم من خلال ثرواتهم ومشروعاتهم العديدة الاستثمارية، حيث يقومون بتشغيل أكبر عدد من الشباب والمواطنين لضمان ولائهم.
وتستقبل القرية باستمرار عشرات السيارات الفارهة أسبوعيا من الذين يترددون على دجالي القرية، لكن عددا كبيرا من أبناء هذه القرية من الشرفاء البسطاء، الذين يحيون حياة عادية، لكنهم لا يستطيعون التصدي للعنة السحر، التي أصابت قريتهم.
فالدجالون يسيطرون على كل شيء دون أن يقول لهم أحد ماذا تفعلون، وبعض سكان القرية يعتبرون هؤلاء السحرة مبروكين، وصالحين، ويقدمون خدمات جليلة للقرية وأبنائها بنفوذه أو بثرائه، ولا يوجد فقير في القرية دون أن تمتد له أياديه البيضاء.
العلاج بالقرآن
أما أحد معالجي القرآن في القرية «أ.ب» وهو شيخ أزهري فيقول: إنه يعالج بالقرآن، ويطالب بالتصدي لممارسي السحر والدجل والشعوذة، وأنه أحيانا يتعرض لمضايقات الشرطة فيما يبقى الآخرون طلقاء أحرارا، وأنه ليس له في ألاعيب السحر والدجل والشعوذة، وله زبائنه ومريدوه ولا يتقاضى أجرا لقاء عمله، ولايزال فقيرا، ويتعرض أيضا لمضايقات من الدجالين المشعوذين الذين يريدون السيطرة على كل شيء.
أما أهالي القرية فيخشون سطوة هؤلاء السحرة الأشرار، وأن الدجالين يتطاولون على الجميع... فدجالو القرية مسنودون - كما يعتقد ويؤكد أهالي القرية - فهناك وزير سابق ذو نفوذ قوي كان له مستشار من أحد الدجالين من القرية، حتى أن عمدة القرية لم يسلم من أيدي الدجالين وعنفوه عندما تجاوز حدوده معهم، وهددوه بعمدة سابق فشل في الانتخابات بسبب مقالب أحد السحرة، بعد أن تمكن من الاستيلاء على أرضه، حتى أن بعض الأهالي يطالب بمساعدته من ألاعيب الدجالين، بعدما أصابه بأحد «عفاريت» ذلك الساحر.
شبح الربط
الغريب أن أحد المحامين بالقرية يذكر أن أحد الدجالين الذين ترافع عنهم في إحدى القضايا نجح في ربطه بعد مرافعته الساخنة ضده، وهدد بربطه وهو في قاعة المحكمة، وبالفعل نجح في ذلك، كما أن شبح الربط يهدد جميع المتعاملين مع هؤلاء الدجالين أو السحرة، لذا يطالب البعض بوضع حد لما يقوم به هؤلاء الدجالون داخل «محلة بشر» ووضع حد لعالم الأشرار المليء بالأسرار الغامضة.
أما عالم الدجل والسحر داخل «محلة بشر»... فهو مليء بالإثارة والحكايات التي تروى عنهم... فأحد الدجالين هناك ويدعى «م.ط» تخصص في صنع «برشام» لطلبة الثانوية العامة، وهو ينشط مع اقتراب الامتحانات، ومن يفشل ويعود في العام التالي قد يقوم بعمل حجاب له، الطريف أن غالبية أولاد هذا الدجال فشلوا في تعليمهم، ، أما البرشام الذي يقدمه للمحتاجين فهو من ابتكاره وبطريقة خاصة ويشبه أقراص الإسبرين إلى حد كبير.
والغريب أن الدجال «م.ص» الذي يعد من أباطرة قلعة السحر، والذي يدعي قدرته على علاج جميع المشاكل فشل في علاج ابنته وقام بإيداعها إحدى المصحات النفسية، ودجال آخر تخصص في تزويج «العوانس» ومساعدة العاقرات على الإنجاب، فيما لم يتزوج هو ولم ينجب ويروج لمن حوله عندما يسألونه عن أسباب عدم زواجه بأنه متزوج من الجان!
وإذا تركنا الدجال الكبير وذهبنا إلى الدجال الصغير «م» ـ الذي يسكن في قصر ضخم بقرية «محلة بشر» ـ يزين قصره بثلاثة أجهزة دش ضخمة، وكان قد بدأ حياته ناضورجيا للدجال الكبير صاحب الضريح، وشرب الصنعة على يديه وبعدها استقل بنفسه، وبدأ منذ ذلك الحين رحلة المليون، ذلك الدجال الصغير تم اتهامه في العديد من القضايا، إلا أنه خرج منها جميعا، وهذا الأمر استفز النيابة ودفعها إلى الطعن بالاستئناف على حكم البراءة الذي حصل عليه الدجال في القضية رقم 6235 لسنة 92 جنح شبراخيت «دجل وشعوذة».
وقالت النيابة في مذكرة الاستئناف: لقد أصبحت قرية «محلة بشر» مرتعا يلوذ به ضعاف النفوس من أبناء المجتمع، الذين أظمأت نفوسهم نوائب الدهر وأثقلت كواهلهم مشاكل الحياة، فانطلقوا حيث يسكن المتهم - الدجال - وأمثاله ينشدون عنده ضالة نفوسهم المريضة، وأجسادهم العليلة، وينصب المتهم شباك خداعه حولهم بعد أن وصل بحيلة إلى ما يدور بدواخله من يقين كاذب على قدرته وأمثاله على شفاء الأمراض وإراحة النفوس، فما أن يضبط المتهم حتى يسارع بنفي الاتهام، وأنه لا يقوم بأعمال السحر والشعوذة، وإنما هو طبيب روحاني.
وفي نهاية مذكرتها طلبت النيابة بقبول الاستئناف شكلا وفي الموضوع بإلغاء الحكم الصادر ببراءة المتهم، وذلك لثبوت الاتهام قبله، إلا أن الدجال الصغير نجح في الحصول على البراءة مرة أخرى، وانطلق يمارس الدجل والشعوذة على نطاق واسع، وأصبح زبائنه من معظم الأقطار العربية، ونال صفة من ذوي الأملاك سواء كانت عبارة عن أطيان زراعية تقدر بعشرات الأفندة أم حتى المواشي التي يشارك عليها عددا من أسر وعائلات «محلة بشر»، هذا غير السيارات الفارهة والشقق الفخمة في القاهرة والإسكندرية.
وهكذا تحولت هذه القرية الصغيرة إلى أحد أكبر أماكن السحر في مصر حتى أنهم اعتادوا تسميتها بـ «قلعة السحر».
الخرافة والسحر... والدجل والشعوذة... ليس لها وطن... أو قارة أو دولة... وإنما هي معتقدات قد تختلف من مكان الى آخر، ولكن داخل أي مجتمع تجد هذه الأشياء أماكن بذاتها قد تكون أحياء أو قرى أو حتى مدنا... تشتهر فيها، وتجد من يروج لها، ومن يقبل عليها.
وفي مصر - مثلها في ذلك مثل كل الدول - أماكن للسحر والسحرة والدجل والدجالين والشعوذة والمشعوذين وقد يشتهر مكان بشيء، قد لا تكون في غيره، حتى إن هناك «قرى أو أحياء» تعمل في غالبيتها ـ وإن كان عددها قليلا - في السحر، ويفد إليها الناس من كل صوب وحدب، قد تكون شهيرة «خارجيا»، أكثر من كونها معروفة «داخليا».
وأيضا... تختلف الطقوس ما بين مجتمع وآخر، في مصر، فالوسائل قد تكون في بحري «الشمال»، مختلفة عن الصعيد «الجنوب»، والأكيد أن للقبائل وسكان الصحراء طقوسا غير سكان الحضر.
والخرافة في مصر. عُنيت بها دراسات وأبحاث كثيرة... حاولنا التعرف عليها والاقتراب منها، حتى إنها تمكنت من تحديد «274» خرافة موجودة بالفعل في القرى والمدن والتجمعات المصرية، ولعل أشهرها خرافة «الربط» - أي تجميد العلاقة الزوجية - وأيضاً أعمال الزواج والتطليق والحب والكراهية.
والدراسات والأبحاث... عن الخرافة في مصر... لم تهتم بها دراسات مصرية وفقط، ولكن اهتمت بها دراسات غربية أيضا، ووصل الأمر أن الباحثين عاشوا وعايشوا أماكن السحر واقتربوا من السحرة، وتعرفوا على خرافات العلاج بالسحر وأدوات وأدوية السحرة... وفي السطور التالية الكثير من الحكايات عن أرض السحر في قرى وأحياء ومدن مصر.
على بُعد ما يقرب من 180 كيلو مترا بعيدا ـ عن العاصمة المصرية - تقع إحدى قلاع الشر، التي تشتهر بالسحر والسحرة... إنها قرية «محلة بشر»، التي تقع في مدينة شبراخيت «التابعة لمحافظة البحيرة»، وبمجرد أن تدخلها تجد نفسك، وكأن الزمن قد عاد بك مئات السنين للوراء، وكأنما عدنا إلى عصر القرون الوسطى.
قرية «محلة بشر»... تشتهر باسم قرية الأربعين دجالا، فهذه القرية ـ التي يملؤها السحرة ـ يعتقد سكانها أنها تسكنها جميع أنواع وألوان العفاريت، والجن الأحمر منها والأخضر والأزرق وغيرها، وقد بسط هؤلاء السحرة، أو المشعوذون نفوذهم للسيطرة على القرية، بل على مركز شبراخيت بالكامل.
فالشراء هناك سهل للسحرة، لأن الأموال التي يأخذونها من ضحاياهم بالملايين، ويكدسونها في البنوك، أو يجرون لها عمليات غسيل في شراء الأراضي وبناء القصور والفيلات.
شهرة خارجية
تعدت شهرة هؤلاء السحرة والمشعوذين في «محلة بشر» حدود مصر إلى باقي الأقطار العربية، وخاصة من يطلب الشفاء من مرض ألم به، ولجأ إلى هؤلاء السحرة، بحثا عن العلاج الشافي، وإذا ذهبت إلى حيث «محلة بشر»، فإنك ترى الناضورجية - المراقبين - الذين يقفون بالعشرات عند مدخل القرية في انتظار الزبائن الذين يتوافدون إلى القرية بسياراتهم.
ودور هؤلاء الناضورجية هو سحب هؤلاء المتوافدين إلى السحرة، أو المشعوذين، فهناك الكثير والكثير من القصص الغريبة والمثيرة المختلفة عن هؤلاء السحرة، وأيضا قدرتهم الخارقة في تحقيق ما يريده الزبائن وسرهم الباتع.
أما زبائنهم فهم من المسؤولين المقالين من مناصبهم أو الحاليين، وهناك العديد من الفنانين والفنانات، ولا تخلو القائمة من الأثرياء العرب، الذين يأتون إلى عدد من السحرة أو الدجالين، الذين يعرفونهم بالاسم، كما يقومون بإرسال تذاكر السفر إلى هؤلاء السحرة حتى يتمكنوا للسفر لهم حيث بلادهم، ويعود السحرة، وهم محملون بالأموال والهدايا.
عندما تصل إلى «محلة بشر»... فإنك ترى عيونا تحدق فيك، ويشع من عيونهم الطمع، وكأنك صيد يجب اقتناصه، ثم يبدأون بالأسئلة عما تريد، وما عليك إلا أن تنتقي أحدهم لتسأله عن ساحر يكون متمكنا، وكما يقال سره باتع ليعالج المريض من مرضه.
الشيخ رفاعي
أحد هؤلاء أو السحرة يسمى الشيخ رفاعي، ويقوم بمعالجة المرضى - كما يؤكد أهل القرية - ويبلغ من العمر 41 عاما، وقد تم القبض عليه في القضية 2500 جنح وحتى تصل إلى الشيخ لابد أن تدفع 10 جنيهات ثمن تذكرة الدخول إلى الشيخ ليكشف على المريض، وإذا اتضح أنه معمول له عمل أو «ملبوس» - من الجان- فإنه يجب أن يدفع 50 جنيها قابلة للزيادة.
ويحكي أحد سكان القرية: ذهب زبون يطلب العلاج من مرض ألم به، وعندما قدم إلى «محلة بشر»، وقابله أحد الناضورجية الخاص بالشيخ رفاعي، وآخر بالشيخ «محمود - 39 سنة» عامل زراعي، وتم القبض عليه على ذمة قضية رقم 9790 جنح.
قال ناضورجي الشيخ رفاعي ناصحا المريض بأن الشيخ رفاعي راجل قديم في المهنة وسره باتع، وأن الشيخ محمود لم يعد يعمل في المهنة إلا لبعض الزبائن المعينين من الأثرياء العرب، وبعض المشاهير من الفنانين، وأنه لن يسأل في الزبون العادي إلا إذا جاء بكارت توصية من الراقصة «هـ » أو الوزير السابق «ط،ح»، أو الفنانة الاستعراضية «ص.أ» أو حتى لاعب الكرة المعتزل «ج.ع».
وقرية «محلة بشر» هي قرية عادية، ولا يزيد عدد سكانها على «15» ألف نسمة يعمل معظمهم بالزراعة، لكن المورد الرئيسي الذي يقوم عليه اقتصاد القرية يأتي عبر ممارسة السحر أو الدجل، حيث يعمل عدد كبير من أبناء القرية في تلك الحرفة.
كما أن القرية بها عدد من الدجالين الكبار والصغار، والناضورجية، الذين تكون مهمتهم الإيقاع بالزبائن، الذين يأتون للقرية كل يوم، وخاصة يوم الجمعة «الإجازة الرسمية».
ويقوم هؤلاء السحرة والدجالون بشراء الأراضي والمواشي، وغيرها من الحيوانات حتى أن سعر الفدان الواحد بلغ 75 ألف جنيه تقريبا، ويقال إن أحد كبار الدجالين استطاع خلال 5 سنوات من العمل المتواصل أن يقوم بشراء 40 فدانا، وبذلك كون ثروة، ولخوفه فقد كتبها باسم أفراد عائلته، فهو مجرد موظف في مجلس المدينة، ولا يملك سوى راتبه الهزيل، ويلجأ بعض المشعوذين السحرة لشراء المواشي.
سيئة السمعة
ولضمان ولاء أهل القرية سواء من عدم الإبلاغ عنهم والسكوت عن ممارسة أعمال الدجل والسحر في قريتهم، وعدم إعلان سخطهم وغضبهم على الدجالين، خاصة بعد أن أصبحت قريتهم ذات سمعة سيئة بين القرى المجاورة.
لذا فهم يقومون بشراء المواشي، وإعطائها لأهل القرية لتربيتها ورعايتها مقابل الحصول على الثلث، وأحيانا النصف، وهناك سبب آخر ومهم أن أحد الدجالين الكبار ينوي ترشيح نفسه في الانتخابات، وهو بذلك يريد شراء أصوات أهل القرية، أو القطاع الأكبر منها.
وقالوا: الشيخ صبري قام بشراء أكثر من 20 جاموسة ثمن الواحدة نحو 7 آلاف جنيه، وقام بتوزيعها على بعض الأسر ذات الكتل الصوتية الكبيرة، وأيضا لضمان ممارسة نشاطه في السحر بأمان، فهو يريد دخول البرلمان ليمارس نشاطه من دون خوف، وأن يكون على مقربة من زبائنه من الوزراء والمسؤولين.
ويؤكد سكان القرية أن سبب تسمية القرية بـ «محلة بشر» يعود إلى بشر مطر، الذي نزح إلى القرية من جنوب الوادي، وتحديدا من مركز البداري بأسيوط، وبشر مطر هو والد الشيخ سليم البشري - شيخ الأزهر الأسبق - وجد المفكر الإسلامي المستشار طارق البشري، ولذلك فإن أكبر شارع في القرية يسمى شارع سليم البشري، ليس ذلك فحسب بل إن شوارعها مسماة بأسماء قادة الفكر والوطنية أمثال طلعت حرب باشا ومصطفى كامل، وغيرهما من عظماء التنوير.
أما سبب انتشار الدجل والشعوذة في هذه القرية فيعود - كما يؤكد أهالي القرية - إلى أن القرية كان يعيش بها اثنان من كبار السحرة والمشعوذين، الأول كان يسمى الشيخ خليفة هيبة، وقد ولد العام 1817، والشيخ العرجا وولد العام 1908، وهذان الساحران كانا يمتلكان كنزا ضخما من كتب السحر وخاصة السحر الأسود، وحققا ثروة طائلة من وراء ممارسة الشعوذة والسحر.
حتى أن الشيخ خليفة هيبة ترك لأبنائه من بعده ثروة طائلة تقدر بنحو 375 فدانا، وبعد وفاة هذين الساحرين توقف أبناؤهما عن ممارسة السحر، وحافظوا على الثروة التي ورثوها من آبائهم، ومارسوا أعمالا أخرى مشروعة.
أما كتب السحر والشعوذة التي خلفها الشيخان هيبة والعرجا، فقد انتقلت بعد ذلك لبعض أبناء القرية، الذين تعلموا منها كيفية ممارسة الدجل، ثم انتشرت المهنة بين أبناء عدد من العائلات بالقرية، وتوارثوها حتى يومنا هذا رغبة في الثراء، كما فعل أسلافهم.
عائلات ممارسة
ومن أشهر العائلات التي تمارس الشعوذة ويتوارث أبناؤهم المهنة عن آبائهم، ويحافظون عليها، ويحرصون على تعليم أبنائهم أصول الصنعة هي عائلات: أبوعيشة وعلام وهريدي والطحان والسوباري ودياب والبرلسي.
ما يؤكده أيضا أهالي قرية «محلة بشر» أن أحد الدجالين، وكان عميد عائلة، توفي منذ عدة سنوات وسبق ضبطه واتهامه في 5 قضايا بتهمة الدجل والشعوذة في الأعوام 1980 و1985 والعام 1992 جنح شبراخيت، وخرج منها جميعا بالبراءة، وعلى الرغم من أن نشاطه الإجرامي لم يقتصر على ممارسة الدجل بل تعداه إلى ارتكاب جرائم أخرى مثل حيازة السلاح والتموين، إلا أنه كون ثروة طائلة تقدر بعدة ملايين من الجنيهات.
وبعد وفاة ذلك الدجال نشب صراع عنيف بين أبنائه، الذين توارثوا عنه هذه الحرفة على هذه الثروة ورفعوا ضد بعضهم البعض العديد من القضايا.
أما أطرف شيء فهو محاولة أبناء الدجال بناء ضريح لوالدهم بقرية «محلة بشر» حتى يصبح مزارا يأتي إليه المريدون من جميع أنحاء مصر وخارجها.
إلا أن أهل القرية رفضوا بناء هذا الضريح، وأعلنوا تذمرهم ضد نفوذ هذه العائلة، ورفضوا الرشوة التي حاول أبناؤه تقديمها إليهم تحت زعم التبرع ببناء مسجد بالقرية، فنشبت معركة طاحنة بين أبناء القرية من جانب، وأبناء الدجال من جانب آخر، استخدمت فيها الأسلحة النارية والعصى والشوم والأسياخ الحديدية، وانتهت بمقتل أحد أبناء الدجال الكبير على عتبة مقام والده المزعوم، فتوقفت عملية بناء الضريح.
وعقب هذه المعركة قرر الابن الأكبر لهذا الدجال نقل نشاطه إلى مركز شبراخيت، ولأن الابن الدجال هو الذي خلف والده في مهنة السحر والدجل، فقد فاز بنصيب الأسد من الثروة وأسرار المهنة، وكذلك من حيث عدد القضايا التي اتهم فيها، حيث وصل عددها إلى 14 قضية تتراوح ما بين ممارسة الدجل والشعوذة والسرقة والضرب والحريق وغيرها من الجرائم.
وكان أول قضية يتهم فيها هي جنحة سرقة برقم 187 لسنة 1985 جنح شبراخيت، وعلى ما يبدو أنه بدأ في ممارسة نشاطه الإجرامي في ذلك العام، ولذلك كان غشيما بلغة الخارجين على القانون، لأنه ضبط في هذا العام في 4 قضايا مرة واحدة ثم بدأ عدد القضايا التي يضبط فيها ينخفض تدريجيا إلى أن توقفت الشرطة تماما عن مطاردته في العام 1993.
ومنذ هذا التاريخ لم يضبط هذا الدجال في أي قضية على الرغم من أنه لايزال يمارس نشاطه، بل اتسع ليشمل سفريات إلى بعض الأقطار العربية حتى أن بعض منافسيه في المهنة أطلقوا حوله شائعات تؤكد نجاحه في توفيق أوضاعه مع أجهزة الأمن.
المعارك الانتخابية
وفي «محلة بشر»... يتدخل الدجال أو الساحر في المعارك الانتخابية والسبب بسيط، وهو أن عدد الدجالين في قرية «محلة بشر» وبعض القرى المجاورة تجاوز الـ 20 دجالا، وأغلبهم من الأثرياء والمشاهير، ويضمنون بدخول مرشحهم الانتخابات ولاءهم وحمايتهم، والتدخل لحمايتهم من مطاردات الشرطة وبسط نفوذهم وسلطانهم.
والبرلمان هو إحدى الأدوات التي تضمن لهم هذه الحماية، والدجالون في «محلة بشر» أو كما تسمى «قلعة السحر الأسود» قوة انتخابية لا يستهان بها، ليس لأن الجن الذي يستيعنون به له أصوات انتخابية ولكن لأنهم يسيطرون على عدد كبير من الأفراد، إما بأعمالهم الشريرة وتهديد الآخرين، وبث الرعب في قلوبهم بما يسمى «الربط» أو «المس» لدرجة أنه لم يعد أحد يجرؤ على الوقوف أمامهم سواء من المسؤولين أو الشخصيات البرلمانية أو الأمنية، وإلا ما استمرت قلعة السحر الأسود، بجانب سيطرتهم من خلال ثرواتهم ومشروعاتهم العديدة الاستثمارية، حيث يقومون بتشغيل أكبر عدد من الشباب والمواطنين لضمان ولائهم.
وتستقبل القرية باستمرار عشرات السيارات الفارهة أسبوعيا من الذين يترددون على دجالي القرية، لكن عددا كبيرا من أبناء هذه القرية من الشرفاء البسطاء، الذين يحيون حياة عادية، لكنهم لا يستطيعون التصدي للعنة السحر، التي أصابت قريتهم.
فالدجالون يسيطرون على كل شيء دون أن يقول لهم أحد ماذا تفعلون، وبعض سكان القرية يعتبرون هؤلاء السحرة مبروكين، وصالحين، ويقدمون خدمات جليلة للقرية وأبنائها بنفوذه أو بثرائه، ولا يوجد فقير في القرية دون أن تمتد له أياديه البيضاء.
العلاج بالقرآن
أما أحد معالجي القرآن في القرية «أ.ب» وهو شيخ أزهري فيقول: إنه يعالج بالقرآن، ويطالب بالتصدي لممارسي السحر والدجل والشعوذة، وأنه أحيانا يتعرض لمضايقات الشرطة فيما يبقى الآخرون طلقاء أحرارا، وأنه ليس له في ألاعيب السحر والدجل والشعوذة، وله زبائنه ومريدوه ولا يتقاضى أجرا لقاء عمله، ولايزال فقيرا، ويتعرض أيضا لمضايقات من الدجالين المشعوذين الذين يريدون السيطرة على كل شيء.
أما أهالي القرية فيخشون سطوة هؤلاء السحرة الأشرار، وأن الدجالين يتطاولون على الجميع... فدجالو القرية مسنودون - كما يعتقد ويؤكد أهالي القرية - فهناك وزير سابق ذو نفوذ قوي كان له مستشار من أحد الدجالين من القرية، حتى أن عمدة القرية لم يسلم من أيدي الدجالين وعنفوه عندما تجاوز حدوده معهم، وهددوه بعمدة سابق فشل في الانتخابات بسبب مقالب أحد السحرة، بعد أن تمكن من الاستيلاء على أرضه، حتى أن بعض الأهالي يطالب بمساعدته من ألاعيب الدجالين، بعدما أصابه بأحد «عفاريت» ذلك الساحر.
شبح الربط
الغريب أن أحد المحامين بالقرية يذكر أن أحد الدجالين الذين ترافع عنهم في إحدى القضايا نجح في ربطه بعد مرافعته الساخنة ضده، وهدد بربطه وهو في قاعة المحكمة، وبالفعل نجح في ذلك، كما أن شبح الربط يهدد جميع المتعاملين مع هؤلاء الدجالين أو السحرة، لذا يطالب البعض بوضع حد لما يقوم به هؤلاء الدجالون داخل «محلة بشر» ووضع حد لعالم الأشرار المليء بالأسرار الغامضة.
أما عالم الدجل والسحر داخل «محلة بشر»... فهو مليء بالإثارة والحكايات التي تروى عنهم... فأحد الدجالين هناك ويدعى «م.ط» تخصص في صنع «برشام» لطلبة الثانوية العامة، وهو ينشط مع اقتراب الامتحانات، ومن يفشل ويعود في العام التالي قد يقوم بعمل حجاب له، الطريف أن غالبية أولاد هذا الدجال فشلوا في تعليمهم، ، أما البرشام الذي يقدمه للمحتاجين فهو من ابتكاره وبطريقة خاصة ويشبه أقراص الإسبرين إلى حد كبير.
والغريب أن الدجال «م.ص» الذي يعد من أباطرة قلعة السحر، والذي يدعي قدرته على علاج جميع المشاكل فشل في علاج ابنته وقام بإيداعها إحدى المصحات النفسية، ودجال آخر تخصص في تزويج «العوانس» ومساعدة العاقرات على الإنجاب، فيما لم يتزوج هو ولم ينجب ويروج لمن حوله عندما يسألونه عن أسباب عدم زواجه بأنه متزوج من الجان!
وإذا تركنا الدجال الكبير وذهبنا إلى الدجال الصغير «م» ـ الذي يسكن في قصر ضخم بقرية «محلة بشر» ـ يزين قصره بثلاثة أجهزة دش ضخمة، وكان قد بدأ حياته ناضورجيا للدجال الكبير صاحب الضريح، وشرب الصنعة على يديه وبعدها استقل بنفسه، وبدأ منذ ذلك الحين رحلة المليون، ذلك الدجال الصغير تم اتهامه في العديد من القضايا، إلا أنه خرج منها جميعا، وهذا الأمر استفز النيابة ودفعها إلى الطعن بالاستئناف على حكم البراءة الذي حصل عليه الدجال في القضية رقم 6235 لسنة 92 جنح شبراخيت «دجل وشعوذة».
وقالت النيابة في مذكرة الاستئناف: لقد أصبحت قرية «محلة بشر» مرتعا يلوذ به ضعاف النفوس من أبناء المجتمع، الذين أظمأت نفوسهم نوائب الدهر وأثقلت كواهلهم مشاكل الحياة، فانطلقوا حيث يسكن المتهم - الدجال - وأمثاله ينشدون عنده ضالة نفوسهم المريضة، وأجسادهم العليلة، وينصب المتهم شباك خداعه حولهم بعد أن وصل بحيلة إلى ما يدور بدواخله من يقين كاذب على قدرته وأمثاله على شفاء الأمراض وإراحة النفوس، فما أن يضبط المتهم حتى يسارع بنفي الاتهام، وأنه لا يقوم بأعمال السحر والشعوذة، وإنما هو طبيب روحاني.
وفي نهاية مذكرتها طلبت النيابة بقبول الاستئناف شكلا وفي الموضوع بإلغاء الحكم الصادر ببراءة المتهم، وذلك لثبوت الاتهام قبله، إلا أن الدجال الصغير نجح في الحصول على البراءة مرة أخرى، وانطلق يمارس الدجل والشعوذة على نطاق واسع، وأصبح زبائنه من معظم الأقطار العربية، ونال صفة من ذوي الأملاك سواء كانت عبارة عن أطيان زراعية تقدر بعشرات الأفندة أم حتى المواشي التي يشارك عليها عددا من أسر وعائلات «محلة بشر»، هذا غير السيارات الفارهة والشقق الفخمة في القاهرة والإسكندرية.
وهكذا تحولت هذه القرية الصغيرة إلى أحد أكبر أماكن السحر في مصر حتى أنهم اعتادوا تسميتها بـ «قلعة السحر».