فهد البسام / نقطة / الشيخ ابن الشيخ

تصغير
تكبير
فلتنادوني بالشيخ أنا أيضاً، ولم لا، مبدئياً أنا شيخ نفسي، وثانياً وكما في المأثور الشعبي فإن «الشيخ هو اللي ما يعرف الشيوخ» وأنا كذلك، والحمد لله على الشيختين، لكن ليت الأمر يتوقف عند هذا الحد، لكننا محكومون طوال عمرنا بثلاثة أنواع من الشيوخ، شيوخ السلطة وهؤلاء الدساتير والقوانين كفيلة بالحد من تسلطهم وتطلعاتهم، شيوخ السن وأحكامهم وتحكماتهم التي تقف لها عوامل الزمن والتعرية والزهايمر بالمرصاد، يبقى شيوخ الدين الذين لهم تسلط وتطلعات وأحكام وتحكمات جميع من سبق ولا نعرف ما نحن فاعلون معهم.
ففي هذه الأيام المباركات ما أن تلمح قناة فضائية أو تقرأ جريدة ورقية أو حتى إلكترونية إلا وهنالك شيخ بانتظارك، لا يرده عنك شيء، وكأن هذه الأمة من المحيط إلى المحيط أمة من ذوي الاحتياجات الدينية الخاصة، فشيخ يعلمنا الصلاة، وشيخ يفسر أحلامنا، وشيخ يعلمنا المشي، وشيخ يقدم مسابقات، وشيخ لم يطر شاربه بعد يعلمنا كيف نتكلم، وشيخ يغني، وشيخ يفتي بالفيزياء، وشيخ ينّمي شخصياتنا، وهلم جرا من الشيوخ وأنشطتهم اللا محدودة، فإذا كانت هذي الأمة جاهلة الى هذا الحد وبحاجة للتعليم والتوجيه والارشاد حتى في بدهيات الأمور وصغائرها ويجد أبنائها أن اتصالا هاتفيا دوليا أسهل من اعمال العقل أو البحث والقراءة فإنها حينئذ تكون بحاجة أكثر لتنفس صناعي وانعاش للقلب لا لهذا الكم من الشيوخ.
أكثر ما يلفت انتباهي هو حين يضم البرنامج اثنين من الشيوخ أو أكثر ويبدأون بمناداة بعضهم بـ «يا شيخ»، هكذا بكل سهولة «شيخوا» بعض علينا، ولا أعرف بالضبط ولا أظن أن أحدا يعرف ما هو معيار استحقاق هذا اللقب وهذه «الشيخة»، فرغم أن جميعهم بلا استثناء يدعونا للعودة للتاريخ والتأسي بالماضي وترك البدع والضلالات التي لا توصل إلا الى النار، إلا أننا حسب ما قرأنا مما نقل لنا من كتب وسير وشاهدنا من مسلسلات مقتبسة منها فإن الصحابة والتابعين لم يكونوا ينادون بعضهم بألقاب متبادلة تضفي عليهم مزيداً من الهيبة والمكانة الاجتماعية وتزيد اعجاب الإنسان بنفسه واعتداده برأيه ويلتزم بها الغير من باب الحرج، نقيض «شيوخنا» الذين «يفرش» بعضهم للآخر عند العوام والبسطاء، الغريب أن «شيوخنا» الأفاضل يميلون للتشدد والتحريم في كل شيء تقريباً - عدا مسائل النكاح وأعمال البنوك الاسلامية - وآخرها المسلسل الدرامي الطويل حول حرمة التبرك بقبور الأموات، بينما هم اليوم يوزعون «المشيخة» فيما بينهم بكل سهولة وأريحية دون أي معيار أو حساب أو أقدمية كأنها من تركة خاصة بهم لا أحد يعلم مصدرها، وهم بفعلتهم تلك كأنهم يبيحون التبرك بالأحياء من حيث لا يشعرون.

وياليتهم رغم ذلك يحملون مراتب ودرجات حتى نعرف الفرق بين ممن نستقي فتوانا ومقدار علمه وخبرته، لكن كلهم شيوخ، هكذا، «أبو» الثمانين حولاً من قضى ثلاثة أرباع عمره في طلب العلم الشرعي والشاب خريج كلية الشريعة الفصل الفائت، أنا معكم ولست ضدكم حتى لا تتركوا الموضوع وتنظروا لصاحبه، لكن نظموا العملية وراجعوا أنفسكم واحفظوا هيبة واحترام اللقب و«المشيخة» عند الناس، فبعد «سوحان» الأمور على بعضها هكذا وتشابك الحدود وتداخل الوظائف والاختصاصات ألا يستغرب الاخوة الشيوخ ولا يستنكفون قيام بعض الفنانين أو الرياضيين بالافتاء وابداء الرأي في بعض المسائل، فقد غزوتم مناطقهم فاشتبهت عليهم وعليكم وعلينا أدواركم وأدوارهم، فأخشى ما أخشاه أن يخرج لنا «شيخ» غداً ويقول «صادوه»، لذا فلنكتفي قليلاً من هذه الخاء.
فهد البسام
[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي