ممدوح إسماعيل / «حماس»... وإشكاليات الهدنة
الهدنة و«حماس» إشكالية تصاعدت في الأيام الأخيرة بدأت في خبر لافت نشرته جريدة «الشرق الأوسط» بتاريخ 20ديسمبر جاء فيه مفاجآت عدة، إذ أقر طاهر النونو الناطق باسم حكومة «حماس» في غزة بحديث هاتفي بين رئيس الوزراء في غزة إسماعيل هنية، ومراسل القناة الثانية في تلفزيون العدو الصهيوني، مؤكداً أن «الاتصال لم يتضمن أي جديد في موقف حكومته من التهدئة». ولكن النونو لفت الانتباه إلى أن هنية قال لمراسل التلفزيون إن حكومته «مع التهدئة المتبادلة، بما يضمن وقف العدوان الإسرائيلي».
ومن هنا ثارت إشكالية سياسية تناقلها الإعلام عن الهدنة، فحواها، من بدأ بطلبها، من وافق عليها ومن اعترض، هل هي كذبة أم حقيقة، موقف فصائل المقاومة، هل «حماس» ضعفت إلى درجة استجداء الهدنة، هل «حماس» قوية بعد السيطرة على غزة، من يبدأ بالهدنة أولاً، وحقيقة اتصال «حماس» بالعدو الصهيوني.
وسبب بداية هذه الضجة هو أن القناة الثانية في تلفزيون العدو الصهيوني ذكرت أن هنية اتصل شخصياً بمراسلها في غزة سليمان الشافعي، بعد دقائق معدودة، من تعرض أحد مراكز شرطة «حماس»، إلى غارة إسرائيلية، طالباً توجيه رسالة لإسرائيل، لبدء حوار معها، من أجل وقف إطلاق الصواريخ من القطاع، باتجاه البلدات والبلدات الإسرائيلية.
لكن النفي من «حماس» لبداية الاتصال كان سريعاً لهذا التلميح الخطير الموجه في الصميم نحو استراتيجية «حماس» سواء من الناحية العقدية أو من الناحية السياسية، إذ ذكر النونو أن نجل هنية كان يتحدث إلى مراسل تلفزيون العدو الصهيوني الشافعي قبل أن يطلب الأخير الحديث إلى هنية شخصياً لتهنئته بالعيد.
ولكن تلفزيون العدو الصهيوني نقل تصريحاً مهماً لهنية وهو: «نريد بقدرتنا وقف إطلاق الصواريخ، لكن الاغتيالات تعوق جهودنا لوقفها».
وحسب تلفزيون العدو، وهو كاذب طبعاً، فإن هنية طلب وقف الاغتيالات لتتمكن حكومته من تحقيق وقف لإطلاق الصواريخ، وألا مشكلة لدى هنية في مفاوضة إسرائيل في هذا المجال. واعتبر النونو أن هناك نقلاً غير دقيق، وقال إن حكومته لن تقبل بالمفاوضات المباشرة مع إسرائيل.
ولكن تلفزيون العدو الصهيوني المحتل ذكر الآتي: «إن هنية أبدى استعداد حركته للتوصل إلى اتفاقية وقف لإطلاق الصواريخ مع حركة الجهاد الإسلامي، شريطة وقف الاغتيالات».
وعلق النونو وقتها بقوله إن هذا ممكن مع جميع الفصائل، وليس الجهاد فقط، لكن الشرط هو وقف العدوان. وعلقت الجهاد قائلة إنه لا هدنة ولا وقف لإطلاق الصواريخ، وأنها سوف تدرس الموقف بناء على ما يفعله العدو على الأرض من وقف لعمليات الاغتيال والاعتداءات المتكررة، وتضاربت التحليلات في ما ذكره تلفزيون العدو، إذ إن التلفزيون اعتبر تصريح هنية يعكس حجم الضائقة التي تمر بها «حماس»، جراء إعلان الاحتلال عن البدء بسلسلة عمليات اغتيال تستهدف قادة فصائل المقاومة بغزة، بمن فيهم قادة «حماس».
لكن وزير الجيش الصهيوني السابق شاؤول موفاز، وزير المواصلات الحالي، دعا حكومته إلى الشروع في مفاوضات «غير مباشرة» مع «حماس»، بهدف التوصل إلى اتفاقات سياسية، تفضي أخيرا إلى الهدنة.
وقال موفاز لإذاعة الجيش الصهيوني المحتل: «أنا لا أستبعد مفاوضات غير مباشرة مع (حماس) لوقف إطلاق نار في غزة، ولكننا لن نفاوض (حماس) بشكل مباشر لأنهم لم يعترفوا بعد بإسرائيل». وهنا يتضح أن الطرفين متفقان على وسيط في الهدنة.
ورغم ذلك، فإن موفاز يؤمن بأنه يجب استمرار الاغتيالات في غزة، على أن تكون مكثفة وقوية قائلاً: «من قام لقتلك، فسارع واقتله».
وتابع: «يجب أن نواصل الهجمات الجوية والاغتيالات مع دراسة أمر الوساطات، لأن على (حماس) أن تعرف بأنها منذ سيطرت على القطاع أصبحت مسؤولة عن جميع عمليات إطلاق الصواريخ من قطاع غزة».
وتوالت ردود العدو المتغطرسة على ما نسب لهنية من تصريح. ورأى رئيس دولة الاحتلال شمعون بيريز في ما اعتبره محاولة من هنية أنه محاولة «تعسة»، وقال: «إذا توقفت الاعتداءات الصاروخية من قطاع غزة فإن إسرائيل ستوقف هي الأخرى عملياتها العسكرية على أي حال. وعليه فلا حاجة على الإطلاق إلى أي مفاوضات».
ولكن من ناحية أخرى فإن «حماس» لم تسكت حيث علق إسماعيل رضوان القيادي في حركة «حماس» قائلاً لوكالة الصحافة الفرنسية: «أنه من السابق الحديث عن أي تهدئة أو هدنة في ظل تواصل هذا العدوان الإجرامي ضد أبناء شعبنا الفلسطيني، ولا شك أن أي تهدئة أو هدنة لها استحقاقات ولها التزامات».
وأضاف: «لا معنى للحديث عن تهدئة أو هدنة في ظل تواصل العدوان الصهيوني بصورته القبيحة...ووسائل الإعلام الصهيونية حينما تروج للحديث عن تهدئة أو هدنة إنما يأتي في سياق التغطية على جرائم العدو الصهيوني في الضفة الغربية وقطاع غزة».
أما أحمد يوسف المستشار السياسي لرئيس الوزراء الفلسطيني في غزة إسماعيل هنية فقال للوكالة ذاتها: «لم نتقدم إلى الإسرائيليين بهدنة، ولكن هناك أطرافاً تطرح هذه الفكرة».
وأضاف: «نحن من جهتنا لا نمانع من الهدنة، بشرط أن يرفع الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني، وتصبح هناك حرية تنقل من وإلى مصر، وأن تنتهي هذه الضغوطات التي لا تتوقف ضد قطاع غزة».
بينما اعتبر القيادي في حركة المقاومة الإسلامية «حماس» الدكتور خليل أبوليلة أن ما تتناقله وسائل الإعلام الصهيونية عن عرض الحركة لهدنة متبادلة مع الكيان الصهيوني يأتي من أجل تعميق «الشرخ الفلسطيني - الفلسطيني».
وأكد أبوليلة عدم صحة عروض الهدنة وقال: إن لسان حال الكيان الصهيوني يقول لقيادة السلطة: (إننا يمكن أن نستبدلكم ونتفاوض مع غيركم إن لم ترضخوا)».
وأضاف تبعاً لصحيفة «فلسطين» اليومية: «حركة (حماس) لها موقف واضح بهذا الخصوص، فهي قبل ذلك أعلنت على لسان قائدها الشيخ أحمد ياسين، أنها على استعداد أن تعطي هدنة إذا وافق الكيان الصهيوني على أن يعطي دولة كاملة السيادة على الأراضي المحتلة في يونيو العام 1967».
وهذا شرط قديم واضح من قبل الحركة وليس اليوم، ولكن إسماعيل رضوان قيادي «حماس» صرح للمركز الإعلامي الفلسطيني قائلاً: «الاحتلال لا يعرف إلا لغة المقاومة، وموضوع الهدنة يحتاج إلى إجماع وطني من قبل جميع الفصائل الفلسطينية».
ويتضح مما سبق الآتي:
1 ـ إنه يوجد عرض بالهدنة حقيقي لكن من طرف خارجي عن الطرفين.
2 ـ إن العدو الصهيوني يحتاج إلى الهدنة رغم غطرسته وقوته، وأن «حماس» تحتاجها أيضاً من أجل الشعب الفلسطيني وبنيتها التنظيمية.
3 ـ إن العدو الصهيوني سارع باللعب الإعلامي بمشروع الهدنة لضرب «حماس» داخلياً وتشويهها خارجياً.
4 ـ «حماس» نفت بوضوح أنها تقدمت بهدنة، لكن النفي لم ينف وجود مشروع هدنة ولم ينف وجودها على أجندة «حماس».
5 ـ العدو الصهيوني يسعى، من خلال مشروع الهدنة، إلى إثبات الانقسام السياسي للوضع الفلسطيني للضغط على أبومازن ورفقائه وابتزازهم.
6 ـ العدو الصهيوني يحتاج الهدنة تحت الضغط بالقتل والاغتيالات والاعتداءات للإفراج عن الجندي الصهيوني الأسير، و«حماس» تريدها، لكن بكرامة كي تمتاز بوضع سياسي استراتيجي على مائدة المفاوضات.
7 ـ لا يخفى أن هناك طرفا عربياً وسيطاً، لكن من الطريف أنه لا أحد يصرح به، لذلك يرجح غالباً أنه ليس مصر.
8 ـ من خلال تصريحات الطرفين يبدو أنهما فشلا في اتخاذ أي خطوة في مشروع الهدنة.
9 ـ «حماس» أدركت أنها بعد أنابوليس أنها وحدها تماماً، وليس معها غير الشارع العربي، لذلك كانت جولات خالد مشعل العربية فهل لها علاقة بمشروع الهدنة؟
10 ـ وأخيراً لا حرج مطلقا لـ«حماس» أن تسعى إلى الهدنة، سواء من الناحية الشرعية أو السياسية، لكن الشارع العربي والإسلامي لن يقبل بـ«حماس» غير مرفوعة الرأس قوية مقاومة مجاهدة. لذلك فهناك تخوفات كثيرة على «حماس» من فخاخ اللعب السياسي ووقوع «حماس» في سنتر ملعب سياسي بين فريقين أحدهما عدو محتل صهيوني غادر قاتل والآخر صنف على أنه عدو من الداخل فتحاوي يصفه «الحماسيون» بأنه خائن.
ممدوح إسماعيل
محام وكاتب مصري
[email protected]