نستكمل ما بدأناه من رد على افتتاحية «القبس» بعنوان (سمو الأمير).
أولاً: أما حديث القبس عن تعميم التشدد تحت ستار التدين وفرضه على المواطنين عبر الاجهزة الاعلامية الحكومية او مدارس الدولة وعلى الجامعات الخاصة بالتعاون مع حركة الاصلاح المزعومة، فإننا نتحدى ان يثبت لنا احد بوجود مظاهر هذا التشدد في الاجهزة الاعلامية او في المدارس والجامعات الخاصة، سواء عن طريق تعيين القيادات الاعلامية والتربوية المتشددة على مدى العقود الماضية او عن طريق فرض مناهج تربوية متشددة في المدارس والجامعات الخاصة، إلا ان يتم تفسير وضع الضوابط التي تحافظ على المظهر الاخلاقي الاجتماعي وحماية النشء من الانحراف بأنها هي التشدد، ومنها قانون منع الاختلاط الذي اتفقت الحكومة والمجلس بأغلبية لم يُعهد مثلها على إقراره وتطبيقه، ومنها ضوابط اقامة الحفلات الغنائية التي أقرها مجلس الشعب، فهل تستحق تلك القضايا التي طالب بها الشعب الكويتي وأصر على تطبيقها تلك الضجة المصطنعة في كل مناسبة ووصم الحكومة والمجلس بالتخلف والتشدد، وهل نجحت الدول الاخرى في إحراز السبق والتفوق عن طريق الحفلات الماجنة والاختلاط ام عن طريق تشجيع العلم والاخذ بأسباب التنمية والتمسك بالثوابت؟!
ثانياً: لقد حاولت القبس ان تقتطع من كلمات سمو الامير المؤسس عبدالله السالم رحمه الله كلمات حول كون الكويت دولة عربية متمسكة بميثاق الامم المتحدة، وأضافت اليها: «دولة عربية» وحسب لا اسلامية ولا دينية، وليتها أنصفت سمو الأمير المؤسس الذي أشرف على وضع دستور الكويت والذي ينص على ان دين الدولة الاسلام، والشريعة الاسلامية مصدر رئيس للتشريع.
ثالثاً: تحدثت القبس عن جرعة دينية زائدة وديكتاتورية دينية تتعارض مع النظام الديموقراطي في الكويت، وضربت امثلة لذلك بأن جوائز حكومة دولة الكويت هي فقط لمن يجوّد القرآن ويحفظ الاحاديث، وفي ذلك مغالطة واضحة إذ ان الكويت هي من اكثر الدول التي تهتم بتكريم الادباء والشعراء والمتخصصين في العلوم الطبيعية والطبية والتراث الشعبي والرياضيين والفنانين وغيرهم، ولديها مسابقة واحدة لتكريم حفّاظ كتاب الله تعالى أسسها سمو الشيخ الراحل جابر الأحمد رحمه الله، وسار على دربه سمو الشيخ صباح الأحمد، اما بقية مسابقات تحفيظ القرآن فهي بجهود شعبية ما يدل على اهتمام اهل الكويت بكتاب الله تعالى وحرصهم على تحفيظه لأبنائهم.
كذلك تحدثت القبس عن منع الاجهزة الامنية الاحتفالات بأعياد التحرير وخطابها الرسمي في العشر الاواخر من رمضان فقط، وهذه مغالطة اكبر من سابقتها، إذ ان الكويت تخصص الكثير من الجهد والوقت للاحتفال بجميع مناسباتها الوطنية وتبذل الملايين من الدنانير من اجل ذلك، ولم نسمع عن تلك الاجهزة الامنية التي منعت تلك الاحتفالات إلا ان تقصد القبس اعتراض نواب الشعب والداخلية على الإسفاف الاجتماعي في سبيل احياء الحفلات الصاخبة تحت ستار الاحتفالات الوطنية، والملايين التي تهدر على متعهدي الحفلات!!
رابعاً: الأعجب في وصف القبس لتلك الجرعة الدينية الزائدة - كما تسميها - انها تنتقد حرص المسؤولين الحكوميين على استخدام الآيات و«الكليشيهات» الدينية في خطبهم، فهل تريد القبس إقناعنا بأن سر تخلف الكويت والفشل الذي نشهده على جميع المستويات وتعطل قطار التنمية وتدهور مستوى التعليم والفوضى في التخطيط والانجاز كل ذلك بسبب مسابقات تحفيظ القرآن الكريم وخطبة سمو الأمير في العشر الاواخر من رمضان؟! وهل يجوز اغتيال عقول الناس بمثل ذلك التسطيح الساذج وصرفهم عن واقعهم بل هل يجوز استغلال الحديث عن الفتنة الطائفية لتحويل الخطاب الى أمور بعيدة وأهداف خفية لكاتب الافتتاحية، وبدلا من اطفاء النار والتزام الحياد الذي شكرهم سمو الأمير عليه، بدلا من ذلك تجدها تفتح جرحا اكبر وتصنف الناس بحسب تدينهم وقربهم من كتاب الله تعالى الذي فيه رمز لعزة المسلمين ووحدتهم، والذي لا يجادل مسلم في أهميته ووجوب تربية اجيالنا على التمسك به وحفظه؟! وليت القبس قد اقتبست - على الاقل - بعضا من النقاط التي وضعها تقرير (توني بلير) (الكويت... رؤية عام 2030) والتي قد أفردت صفحات لنشرها، فهل ينجح الاجانب في تحليل واقعنا ووصف العلاج لنا بينما نفشل حتى في تحليل الواقع؟!
أتمنى من القائمين على القبس ان يتراجعوا عن تلك الافتتاحية وأن يعتذروا للشعب الكويتي ولأميره عما ورد فيها من خطأ وذلك حتى يبقى منهج القبس وسطيا ووطنيا وبعيدا عن استعداء فئات كبيرة من ابناء الوطن، وأتمنى ان نمد ايدينا جميعا لدراسة اسباب مشاكلنا وطرق علاجها، وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.
د. وائل الحساوي
[email protected]