رسائل المشاهير... في الحب والغرام
المازني إلى حبيبة لم يرها يوما: كيف أحببتني وأنا حمار / 9
غلاف «الشعر»
في شبابه
ابراهيم عبدالقادر المازني
| القاهرة - من خالد زكي |
الحب هو ذلك الشعور الخفي الذي يتجول في كل مكان، ويطوف الدنيا بحثا عن فرصته المنتظرة ليداعب الإحساس ويغازله، ويسحر العيون، ويتسلل بهدوء، ويستقر في غفلة من العقل، داخل تجاويف القلب، ليمتلك الروح والوجدان، ويسيطر على كيان الإنسان، ويزلزله زلزالا ويهزه بقوة.
الحب كالموت، لا يفرق بين صغير وكبير، وغني وفقير، الحب جمرة من نار، تنشر شظاياها في قلوب المحبين، فتكويهم بلوعة الشوق وألم الفراق... الحب هو تلاقي الأنفاس وتشابك النظرات. وتحليقها في سماء تخلو من الأحقاد والأضغان.
وقديما قال الشاعر:
إذا أنت لم تعشق ولم تدر ما الهوى... فكن حجرا من يابس الصخر جلمدا
قاصدا بذلك أن القلب الذي لا ينبض بالحب يشبه الصخر الذي لا حياة فيه ولا روح، والقلب الذي لا تحرقه لوعة الحب هو مجرد حجر أملس لا يعرف لغة المشاعر، والتاريخ يؤكد دائما وأيد أن الحب لم يفرق يوما بين شاب لاه وشيخ معمم، أو بين قائد عسكري يقود الجيوش وآخر يعيش في أبراج من الخيال والوهم.
والحب يخلق في القلوب رغما عن أصحابها... كما قال نزار قباني:
تلومني الدنيا إذا أحببته... كأنني أنا خلقت الحب واخترعته
وفي هذه الحلقات... نعرض جانبا من رسائل مشاهير السياسة والحرب والأدب والشعر لمن أحبوهم وتعلقوا بهم، وبادلوهم الغرام، لنرى كيف كان القائد الفرنسي نابليون بونابرت يكتب أجمل رسائل الحب إلى محبوباته، وكيف كان الرئيس جمال عبدالناصر يخاطب زوجته من ميدان القتال، وكيف امتلك قيادي إخواني متشدد قلبا كقلوب العاشقين الحيارى. وهذه الرسائل تكشف الوجه الآخر لهؤلاء المشاهير الذين لم يتمكنوا من إغلاق قلوبهم أمام أنواء الحب التي لا تبقي ولا تذر.
ما إن يُذكر الأديب والشاعر المصري الكبير إبراهيم عبدالقادر المازني... 1890 - 1949 حتى تتبادر إلى الذهن صورة حية عن الحياة التي عاشها كما شاء. حوّل ألمها وحزنها وفرحها إلى إحساس أطلق عليه البعض اسم «الضحك الأسود». وانها لتسمية تكاد تكون مفتاح شخصيته وحياته.
المازني الشاعر والأديب والناقد والروائي والصحافي. ترك بصماته في الأدب العربي ومع ذلك ظل يحتفظ بصفحات مطويّة، قليلون فقط هم من يعرفونها، ومن هذه الصفحات المنسية أنه أحب واحترف الحب منذ طفولته، وكان المجتمع القيد الذي حاول أن يحطم هذا الحب، ومن السنوات الأولى كانت الأم تمثل المجتمع وتقود معركة التحطيم تحت اسم «العيب» كما ذكر المازني ذاته، الذي عاش تجارب فيها شيء من العمق وبعضها كان هزليا وهميا، ولكنه سبر أغوار نفسه وكاد يزلزلها.
تزوج المازني وله آراؤه الطريفة في الزواج وكان محبا لزوجته ولابنتيه، ولكنه آثر أن يكمل مشوار الحب الذي حرم منه صغيرا، فكان أن عاد إليه كبيرا، وتمنى لو أنه يشكل محور حياته.
شجاعة طفولية
منذ طفولته كان المازني يهفو إلى عالم الحب والعاطفة، وطرق الحب باب قلبه للمرة الأولى - كما يقول الأستاذ نصري عطا الله - وهو في الثالثة عشرة من عمره، وكانت محبوبته في مثل عمره وتسكن منزلا ملاصقا لمنزله وتبدأ الحكاية في حارة بالسيدة زينب بالقاهرة إذ كان يلعب كعادته مع الغلمان، ورأى فتاة ذعرت وارتاعت لأن قطتها تسلقت شجرة عالية ولم تستطع النزول، ووقف الغلمان كلهم صامتين إلا المازني الذي أبدى شهامة لم يدر أنها ستلاحقه خيالا عاطفيا إلى نهاية عمره، تسلق الشجرة وأمسك بالقطة وألقى بها في حجر الفتاة، وحين أراد النزول وجد أن الأمر ليس سهلا، حاول لكنه لم يستطع، تمزقت ثيابه، وأصابت وجهه ويديه وساقيه الكثير من الجروح ورأت الفتاة في الغلام بطلا من الأبطال فأمسكته من يده، وأدخلته البيت وغسلت له جروحه وهي في غاية الامتنان والإعجاب بهذا الفتى الشهم الشجاع الذي يملك مروءة لا يملكها غيره. ومن أجل هذه الفتاة كان ينزل من سطح بيتهم إلى بيتها لينعم بحديثها ويتملى بالنظر إلى حسن وجهها قائلا: «كنت لا أكتم حبي لها، بل أشعر أني جذلان مسرور وأحدث الغلمان عن حبي فيستغربون، وخادمنا يشاركهم الاستغراب لكنه كان يدعو لي بطول العمر والسعادة أما الشيوخ الوقورون من أصدقاء أبي فيضحكون ويتسلون ويربتون على كتفي ويقولون: «عال عال، ما شاء الله.... ما شاء الله» ووصل الخبر إلى أمه فزجرته ولكنه لم يدر لفعلها سببا وسألها: لماذا... عيب؟ أي عيب في حبي لها؟ إني لا أصنع شيئا سوى أني أحبها أهذا هو العيب؟
ويسأل أمه ألست تحبيني؟ إنني أعرف أنك تحبيني وأنا أحبك وليس حبك لي عيبا، ولا حبي لك فلماذا يكون ذلك عيبا؟
حاضرة في خياله
وعن ذكرياتهما معا يقول المازني: «لم تبهت ولن تبهت صورة الفتاة، وإني لأراها الآن كما كنت أراها في ذلك العصر الخالي... تجري في الحارة وراء دجاجة لها شاردة على حين أقف أنا في ناحية أخرى لنحصر الدجاجة بيننا ونزحف ونضيق على الدجاجة المارقة وهي تصيح وتضرب بجناحها تحاول الإفلات فتنحني الفتاة عليها بغية أن تمسكها فيدور رأسي وأذهل من الدجاجة، ولا أعود أدري أفلتت أم وقعت فتصيح بي وقد اعتدلت : مالك وقعت وسكت؟ ألا تساعدني، فأفوق وكأني عدت من عالم آخر ولا نزال بالدجاجة حتى نمسكها».
أحب ابنتها!
وفي مقال نشره بجريدة أخبار اليوم تحت عنوان: «أحببت حواء وابنتها» قال المازني.
إنه بعد 17 عاما من فراقه محبوبته الأولى وملاعب صباه، عادت به الذكريات إلى الحب الأول، عصف به الشوق من جديد، وكان أمام هول مفاجأة جعلته يعود إلى سنوات الطفولة ويتمنى لو لم تمر، لقد شاهد في إحدى الحفلات فتاة كأنها هي حبيبته الأولى.
فالملامح واحدة والتطابق بينهما كبير، وسعى ليعرف الأمر فاكتشف أنها ابنتها فأحبها كما يقول، ولا ندري إن كان الحب من جانب واحد، وهل علمت بهذا الحب أمها؟ لكنه صرّح أنه أحبها وتمنى لو يمتد به العمر ليحب الحفيدة.
حب مريض
الحب الثاني كما سنطلق عليه اسم حب اصطلاحا وليس حقيقة لأنه انتهى إلى نتيجة تكاد تكون مأسوية وكان من الأفضل أن نطلق عليه اسم وهم الحب أو كما سمّاه الأستاذ رجاء النقاش «نوعاً مريضاً من الحب».
يبدأ هذا الحب، أو المأساة المضحكة المبكية والمفجعة والتي تبين جدب الحياة العاطفية في مجتمعنا. يبدأ عندما التقى المازني شابا، اسمه «عبد الحميد رضا» قام الأخير بتسليمه رسالة قال له: إنها من إحدى السيدات وأنه يعمل عندها خادما لها، وقدّم له بطاقة شخصية تثبت أنه خادم.
وكان المازني قد كتب رواية بعنوان: «غريزة امرأة»، ويبدو أنها حولت إلى فيلم سينمائي وقد شاهدت السيدة هذه الرواية فكتبت للمازني الرسالة التي حملها الخادم إليه، وقرأها المازني فإذا بها رسالة إعجاب وتشجيع، وكانت الرسالة موقّعة باسم «فاخرة» وتقول صاحبتها إنها أرسلتها مع تابعها، وكما تشير فإنها كتبت رواية عن الموضوع نفسه ولم تنشرها على الناس وتبغي من رسالتها أن يأذن لها بنسخة من روايته، وبعض الكتب من كتبه كي تأنس بها في تربية مادة الأدب الذي تعشقه.
ثم تقول في ختام رسالتها «فهل تأذن وآية إذنك أن تبعث لي بشيء من آثارك مع تابعي وقد يكون كتابي هذا ركيكا وغير معبر تماماً عن روح الإعجاب الذي ملأ نفسي وأخذ بتلابيب قلبي وقد يكون لي خير من هذا يوم أن نتعرّف أجسادا وأرجو أن أوفّق إلى ما يتناسب وقدرك السامي» وأنهت الرسالة بقولها: إحداهن واسمها فاخرة.
وسقط في الفخ
ورد المازني على الرسالة قائلا: «سيدتي الفاضلة: تحياتي إليك وشكري على رسالتك الرقيقة الكريمة، واعتذاري عن الكتابة بالقلم الرصاص فإني أولاً مريض، وثانيا ليس في بيتي حبر!! وثقي أني أقدّر نبل الإحساس الذي دفعك إلى كتابة هذه الرسالة ولولا أني مريض متعب ويدي ترتعش قليلاً من الضعف لحاولت أن أوفيها حقّها من الشكر، فهل تقبلين عذري وتغفرين لي كل هذه الزلات ؟ أرجو ذلك، ويسرني أن أبعث إليك بنسخة من كتاب توجد منه نسخة في البيت، إجابة لطلبك، ومن بواعث أسفي أنّ نسخ الرواية في مكتبي نفدت، فإذا سمحت لي بإرسال تابعك يوم السبت إلى المكتب فإني أكون سعيداً بأن أقدم لك نسخة منها، ولقد شوقتني إلى روايتك، ولكني لا أجرؤ أن أطمح في الاطلاع عليها قبل نشرها إلا إذا شئت أن تغمريني بفضلكِ».
وعن أسلوبها يقول لها: «كلا، ليس في لغتك ركاكة، وإنها لسليمة جدا، ومن أرقى ما عرفت من أساليب الرسائل النسوية، أرقى من رسالتي هذه مثلا، وسلامي إليك وشكري الجزيل وأسفي الشديد... المازني».
حمار لا يعجبه إلا البرسيم
يرى الناقد رجاء النقاش أن الرسائل التي كتبها المازني هي من نوع التعرية النفسية الكاملة لحقيقة مشاعر المازني ولحقيقة ما كان يعانيه من جفاف عاطفي مفروض عليه، وعلى زملائه بسبب ذلك المجتمع المغلق الذي كانوا يعيشون فيه، والذي لم تكن تهب فيه نسمة من نسمات الوجدان الصادق، أو المشاعر الإنسانية التي كان لا بد منها كغذاء أساسي لوجدان هؤلاء الأدباء الحساسين.
ومن هنا فقد عاش هؤلاء الأدباء في حياتهم فراغا عاطفيا أليما. لذا شك المازني في الرسائل التي كانت تأتيه، ومع ذلك عاد ليصدقها فكتب إليها يقول « عزيزتي الآنسة فاخرة هانم... أظن أنك حيرتني، حيرتني جدا إلى حد لا تضحكي من فضلك إلى حد أني بدأت أظن أن الذي يراسلني ليست آنسة ذكية القلب نافذة البصيرة، بل هي شاب داهية يكاتبني باسم آنسة ليتفكه بي ويسخر مني، فما رأيك في هذا الخاطر. أعترف لك أنه خاطر جرى ببالي من أول يوم وهذا هو السبب في التحرز الشديد الذي بدا مني في رسائلي الأولى على الأقل رسائلي الأولى ولكني تساهلت قليلاً مع نفسي وأرسلتها على سجيتها إلى حدّ محدود، فهل تدرين السبب في نشوء خاطر كهذا في رأسي».
لا أعجب أي امرأة
جوابا على سؤاله لها حول شكه بأنها شاب يقدم الجواب في الرسالة نفسها قائلاً: «السبب أنني كنت ولا أزال أعتقد أنه ليس في هذه الدنيا امرأة يمكن بأي حال من الأحوال أن يعجبها إبراهيم المازني ولست أقول هذا تواضعاً أو على سبيل المزاح، ولكنني أقوله لأنه عقيدة راسخة مخامرة لنفسي مع الأسف، وقد كانت نتيجة هذه العقيدة أني كما أخبرتك في رسالتي الماضية تحاشيت في حياتي أن أحاول التحبب إلى امرأة ولو كانت روحي ستزهق من فرط حبي لها، ذلك لاعتقادي في نفسي، أخشى أن أتلقّى صدمة فتكون النتيجة أن تجرح نفسي فتثور فأتعذب وأعذبها معي».
وسألها قائلاً: «كيف يكون رأيك في رجل هذه حالته النفسية بلا مبالغة، وإني أقسم لك بكل ما يحلف به الأبرار أني لست كاذبا، ولا متخيلا. وأن هذه هي حقيقة اعتقادي في نفسي وحقيقة الواقع ولا شك أنها حالة شاذة - ولكن ما حيلتي؟ وأنا أخسر بسببها كثيراً ما يفوز به الرجال، وأرى مفاتن الحياة تتخطاني وتقع على سواي بغير سعي منه لها، فلا أتحسر لأني رضيت وروضت نفسي على الحرمان ووطنتها على ألا تأسف على شيء، وما أكثر ما يفوتني وأحرمه في دنياي في كل باب حتى باب المعيشة العادية ولكن ماذا أصنع؟
وبحزن عميق ينم عما في داخله من قهر وعذاب يتابع في رسالته شرح فلسفته في الحياة، فكل مُتع الدنيا تفوته وماذا يفعل وتكون إجابته «صرت أتفلسف وأقول إن رياضة النفس على الزهد تتطلب قوة نفسية أكبر وأعظم من القوة التي يحتاج إليها الإقدام على التمتع بلذات الحياة ونعم العيش، فهل هذا صحيح؟ لا أدري، ولكني أدري أنني لم أطق باريس. أكثر من ربع الساعة ولا لندن أكثر من أسبوع. وأحببت الريف والبساطة وكنت في رحلتي أفضل أن أجوب الريف بسيارة صديق أحمل فيها طعامي وأبيت أحياناً كثيرة فيها بعد إغلاق نوافذها، لقد قلت مرة لصاحبة اجتمعت بها على ظهر السفينة : يا سيدتي إنك جميلة وحرام عليك أن تلقي بجمالك بين يدي حمار مثلي لا يعجبه إلا البرسيم... هي حرارة نفسي تطفح أحياناً وتقطر من اللسان أو من القلم، ولكن ربما كنت معذوراً، أو لعلي كنت أكون أسعد في حياتي لو عشت في كهف بعيداً عن الناس. أي نعم، وقد حاولت هذا مرة وقضيت بضعة أسابيع في جبل المقطم على إثر صدمة قوية تلقيتها من يد القدر وكنت أشرب الماء بكفّي وآكل من شبه ماجور من الطين فهل تصدقين؟!
«أبلد البلداء»
ويستمر المازني في تعذيب نفسه وتصغيرها إرضاء للمحبوبة فيكتب إليها يقول: «إني رجل أحفظ الجميل ولا أكفره، ولا أجحد فضل الله وفضلك علىّ، فإذا كنت قد وجدت في ردي ما يشعرك أني تألمت فإني آسف جدا وأرجو أن تحملي هذا على محمل المرارة التي في نفسي، وهي مرارة طبيعية لا تتأثر بشيء من الخارج أبداً فسامحيني بالله واعفي عني واغفري لي زلاتي وكوني معي على الدنيا ألم أقل لك إني جاهل؟ بلى. وإني لأجهل الجهلاء وأبلد البلداء فهل صح عزمك على أن تتفرجي على هذا الجاهل الغبي وترينه بعينيك يوم الأحد؟ وسلامي وتحياتي وأشواقي وشكري العميق وما هو فوق الشكر والتحيات والأشواق وأبلغ من كل ذلك».
ليتني كنت زفرة
تابعت السيدة فاخرة كتابة رسائلها وأرسلت إليه هذه المرة صورتها وقالت له إنها أرسلتها هدية وستردها بناء على طلبها فكتب إليها يقول: «أنا أكتب الآن على عجل كأني أخاف أن لا... لا... لا أخاف شيئا بل أتمنى أن أنقلب زفرة... تنهيدة تطير إليك على جناح النسيم وتشعرك بما في قلبي... وليت لزفراتي روحاً تكشف عن حقيقة أمري».
ويتابع تعليقه على الصورة قائلاً: «فاخرة أسأل الله السلامة من كل هذا الحسن والسلامة وأي أمل فيها، لقد كانت ما خفت أن يكون وانتهى الأمر، أحببتك خيالاً، وها أنذا اليوم أبصرك إنسانة حقيقية... لا بل رفعني الله إلى سماء كنت أتخيلها.
إن مثل هذا الحب نعمة يا فاخرة، ومثل حبي لك مفخرة لي ورفعة لنفسي وسمو أنت ما زلتِ معنى سامياً لم تتجسدي على الرغم من الصورة. كل ما أريتنه من الصورة أن ظني لم يخب... إن الحقيقة أكبر وأفتن وأسحر من الخيال».
عقلي ليس معي
بعد أن استعاد المازني الصورة كتب إليها «إني مسكين، وإني محتاج إليك، وإني معذور إذا جننت، ولكني سأحتفظ ببقية عقلي من أجلكِ لتطيريه لي حين تقابليني، سامحيني... فإن عقلي ليس معي. عقلي مع الصورة التي أعيدها إليك وقلبي يتمزق... لي رجاء صغير أعيدي إلىّ الصورة مع كل رسالة منك لأنظر إليها وأتزود ثم أعيدها إذا كنت لا تريدين أن أبقيها عندي، أعيديها إلىّ أستحلفك بأعز عزيز عليك بأن تعيديها إليّ لأراها مرة أخرى».
دون جوان
قال المازني يوما: عشقت مراراً وقال فيّ صديقي الأستاذ عباس محمود العقاد قصيدة منها:
أنتَ في مصرَ دائم التمهيد.... بين حبّ عفيف وحب جديد
بين ماضٍ لم يذبل الحسنُ منه.... وطريف كاليانع الأملود
أنت كالطير ربما شالت.... عن الأيك وهو جمّ الورود
الحب هو ذلك الشعور الخفي الذي يتجول في كل مكان، ويطوف الدنيا بحثا عن فرصته المنتظرة ليداعب الإحساس ويغازله، ويسحر العيون، ويتسلل بهدوء، ويستقر في غفلة من العقل، داخل تجاويف القلب، ليمتلك الروح والوجدان، ويسيطر على كيان الإنسان، ويزلزله زلزالا ويهزه بقوة.
الحب كالموت، لا يفرق بين صغير وكبير، وغني وفقير، الحب جمرة من نار، تنشر شظاياها في قلوب المحبين، فتكويهم بلوعة الشوق وألم الفراق... الحب هو تلاقي الأنفاس وتشابك النظرات. وتحليقها في سماء تخلو من الأحقاد والأضغان.
وقديما قال الشاعر:
إذا أنت لم تعشق ولم تدر ما الهوى... فكن حجرا من يابس الصخر جلمدا
قاصدا بذلك أن القلب الذي لا ينبض بالحب يشبه الصخر الذي لا حياة فيه ولا روح، والقلب الذي لا تحرقه لوعة الحب هو مجرد حجر أملس لا يعرف لغة المشاعر، والتاريخ يؤكد دائما وأيد أن الحب لم يفرق يوما بين شاب لاه وشيخ معمم، أو بين قائد عسكري يقود الجيوش وآخر يعيش في أبراج من الخيال والوهم.
والحب يخلق في القلوب رغما عن أصحابها... كما قال نزار قباني:
تلومني الدنيا إذا أحببته... كأنني أنا خلقت الحب واخترعته
وفي هذه الحلقات... نعرض جانبا من رسائل مشاهير السياسة والحرب والأدب والشعر لمن أحبوهم وتعلقوا بهم، وبادلوهم الغرام، لنرى كيف كان القائد الفرنسي نابليون بونابرت يكتب أجمل رسائل الحب إلى محبوباته، وكيف كان الرئيس جمال عبدالناصر يخاطب زوجته من ميدان القتال، وكيف امتلك قيادي إخواني متشدد قلبا كقلوب العاشقين الحيارى. وهذه الرسائل تكشف الوجه الآخر لهؤلاء المشاهير الذين لم يتمكنوا من إغلاق قلوبهم أمام أنواء الحب التي لا تبقي ولا تذر.
ما إن يُذكر الأديب والشاعر المصري الكبير إبراهيم عبدالقادر المازني... 1890 - 1949 حتى تتبادر إلى الذهن صورة حية عن الحياة التي عاشها كما شاء. حوّل ألمها وحزنها وفرحها إلى إحساس أطلق عليه البعض اسم «الضحك الأسود». وانها لتسمية تكاد تكون مفتاح شخصيته وحياته.
المازني الشاعر والأديب والناقد والروائي والصحافي. ترك بصماته في الأدب العربي ومع ذلك ظل يحتفظ بصفحات مطويّة، قليلون فقط هم من يعرفونها، ومن هذه الصفحات المنسية أنه أحب واحترف الحب منذ طفولته، وكان المجتمع القيد الذي حاول أن يحطم هذا الحب، ومن السنوات الأولى كانت الأم تمثل المجتمع وتقود معركة التحطيم تحت اسم «العيب» كما ذكر المازني ذاته، الذي عاش تجارب فيها شيء من العمق وبعضها كان هزليا وهميا، ولكنه سبر أغوار نفسه وكاد يزلزلها.
تزوج المازني وله آراؤه الطريفة في الزواج وكان محبا لزوجته ولابنتيه، ولكنه آثر أن يكمل مشوار الحب الذي حرم منه صغيرا، فكان أن عاد إليه كبيرا، وتمنى لو أنه يشكل محور حياته.
شجاعة طفولية
منذ طفولته كان المازني يهفو إلى عالم الحب والعاطفة، وطرق الحب باب قلبه للمرة الأولى - كما يقول الأستاذ نصري عطا الله - وهو في الثالثة عشرة من عمره، وكانت محبوبته في مثل عمره وتسكن منزلا ملاصقا لمنزله وتبدأ الحكاية في حارة بالسيدة زينب بالقاهرة إذ كان يلعب كعادته مع الغلمان، ورأى فتاة ذعرت وارتاعت لأن قطتها تسلقت شجرة عالية ولم تستطع النزول، ووقف الغلمان كلهم صامتين إلا المازني الذي أبدى شهامة لم يدر أنها ستلاحقه خيالا عاطفيا إلى نهاية عمره، تسلق الشجرة وأمسك بالقطة وألقى بها في حجر الفتاة، وحين أراد النزول وجد أن الأمر ليس سهلا، حاول لكنه لم يستطع، تمزقت ثيابه، وأصابت وجهه ويديه وساقيه الكثير من الجروح ورأت الفتاة في الغلام بطلا من الأبطال فأمسكته من يده، وأدخلته البيت وغسلت له جروحه وهي في غاية الامتنان والإعجاب بهذا الفتى الشهم الشجاع الذي يملك مروءة لا يملكها غيره. ومن أجل هذه الفتاة كان ينزل من سطح بيتهم إلى بيتها لينعم بحديثها ويتملى بالنظر إلى حسن وجهها قائلا: «كنت لا أكتم حبي لها، بل أشعر أني جذلان مسرور وأحدث الغلمان عن حبي فيستغربون، وخادمنا يشاركهم الاستغراب لكنه كان يدعو لي بطول العمر والسعادة أما الشيوخ الوقورون من أصدقاء أبي فيضحكون ويتسلون ويربتون على كتفي ويقولون: «عال عال، ما شاء الله.... ما شاء الله» ووصل الخبر إلى أمه فزجرته ولكنه لم يدر لفعلها سببا وسألها: لماذا... عيب؟ أي عيب في حبي لها؟ إني لا أصنع شيئا سوى أني أحبها أهذا هو العيب؟
ويسأل أمه ألست تحبيني؟ إنني أعرف أنك تحبيني وأنا أحبك وليس حبك لي عيبا، ولا حبي لك فلماذا يكون ذلك عيبا؟
حاضرة في خياله
وعن ذكرياتهما معا يقول المازني: «لم تبهت ولن تبهت صورة الفتاة، وإني لأراها الآن كما كنت أراها في ذلك العصر الخالي... تجري في الحارة وراء دجاجة لها شاردة على حين أقف أنا في ناحية أخرى لنحصر الدجاجة بيننا ونزحف ونضيق على الدجاجة المارقة وهي تصيح وتضرب بجناحها تحاول الإفلات فتنحني الفتاة عليها بغية أن تمسكها فيدور رأسي وأذهل من الدجاجة، ولا أعود أدري أفلتت أم وقعت فتصيح بي وقد اعتدلت : مالك وقعت وسكت؟ ألا تساعدني، فأفوق وكأني عدت من عالم آخر ولا نزال بالدجاجة حتى نمسكها».
أحب ابنتها!
وفي مقال نشره بجريدة أخبار اليوم تحت عنوان: «أحببت حواء وابنتها» قال المازني.
إنه بعد 17 عاما من فراقه محبوبته الأولى وملاعب صباه، عادت به الذكريات إلى الحب الأول، عصف به الشوق من جديد، وكان أمام هول مفاجأة جعلته يعود إلى سنوات الطفولة ويتمنى لو لم تمر، لقد شاهد في إحدى الحفلات فتاة كأنها هي حبيبته الأولى.
فالملامح واحدة والتطابق بينهما كبير، وسعى ليعرف الأمر فاكتشف أنها ابنتها فأحبها كما يقول، ولا ندري إن كان الحب من جانب واحد، وهل علمت بهذا الحب أمها؟ لكنه صرّح أنه أحبها وتمنى لو يمتد به العمر ليحب الحفيدة.
حب مريض
الحب الثاني كما سنطلق عليه اسم حب اصطلاحا وليس حقيقة لأنه انتهى إلى نتيجة تكاد تكون مأسوية وكان من الأفضل أن نطلق عليه اسم وهم الحب أو كما سمّاه الأستاذ رجاء النقاش «نوعاً مريضاً من الحب».
يبدأ هذا الحب، أو المأساة المضحكة المبكية والمفجعة والتي تبين جدب الحياة العاطفية في مجتمعنا. يبدأ عندما التقى المازني شابا، اسمه «عبد الحميد رضا» قام الأخير بتسليمه رسالة قال له: إنها من إحدى السيدات وأنه يعمل عندها خادما لها، وقدّم له بطاقة شخصية تثبت أنه خادم.
وكان المازني قد كتب رواية بعنوان: «غريزة امرأة»، ويبدو أنها حولت إلى فيلم سينمائي وقد شاهدت السيدة هذه الرواية فكتبت للمازني الرسالة التي حملها الخادم إليه، وقرأها المازني فإذا بها رسالة إعجاب وتشجيع، وكانت الرسالة موقّعة باسم «فاخرة» وتقول صاحبتها إنها أرسلتها مع تابعها، وكما تشير فإنها كتبت رواية عن الموضوع نفسه ولم تنشرها على الناس وتبغي من رسالتها أن يأذن لها بنسخة من روايته، وبعض الكتب من كتبه كي تأنس بها في تربية مادة الأدب الذي تعشقه.
ثم تقول في ختام رسالتها «فهل تأذن وآية إذنك أن تبعث لي بشيء من آثارك مع تابعي وقد يكون كتابي هذا ركيكا وغير معبر تماماً عن روح الإعجاب الذي ملأ نفسي وأخذ بتلابيب قلبي وقد يكون لي خير من هذا يوم أن نتعرّف أجسادا وأرجو أن أوفّق إلى ما يتناسب وقدرك السامي» وأنهت الرسالة بقولها: إحداهن واسمها فاخرة.
وسقط في الفخ
ورد المازني على الرسالة قائلا: «سيدتي الفاضلة: تحياتي إليك وشكري على رسالتك الرقيقة الكريمة، واعتذاري عن الكتابة بالقلم الرصاص فإني أولاً مريض، وثانيا ليس في بيتي حبر!! وثقي أني أقدّر نبل الإحساس الذي دفعك إلى كتابة هذه الرسالة ولولا أني مريض متعب ويدي ترتعش قليلاً من الضعف لحاولت أن أوفيها حقّها من الشكر، فهل تقبلين عذري وتغفرين لي كل هذه الزلات ؟ أرجو ذلك، ويسرني أن أبعث إليك بنسخة من كتاب توجد منه نسخة في البيت، إجابة لطلبك، ومن بواعث أسفي أنّ نسخ الرواية في مكتبي نفدت، فإذا سمحت لي بإرسال تابعك يوم السبت إلى المكتب فإني أكون سعيداً بأن أقدم لك نسخة منها، ولقد شوقتني إلى روايتك، ولكني لا أجرؤ أن أطمح في الاطلاع عليها قبل نشرها إلا إذا شئت أن تغمريني بفضلكِ».
وعن أسلوبها يقول لها: «كلا، ليس في لغتك ركاكة، وإنها لسليمة جدا، ومن أرقى ما عرفت من أساليب الرسائل النسوية، أرقى من رسالتي هذه مثلا، وسلامي إليك وشكري الجزيل وأسفي الشديد... المازني».
حمار لا يعجبه إلا البرسيم
يرى الناقد رجاء النقاش أن الرسائل التي كتبها المازني هي من نوع التعرية النفسية الكاملة لحقيقة مشاعر المازني ولحقيقة ما كان يعانيه من جفاف عاطفي مفروض عليه، وعلى زملائه بسبب ذلك المجتمع المغلق الذي كانوا يعيشون فيه، والذي لم تكن تهب فيه نسمة من نسمات الوجدان الصادق، أو المشاعر الإنسانية التي كان لا بد منها كغذاء أساسي لوجدان هؤلاء الأدباء الحساسين.
ومن هنا فقد عاش هؤلاء الأدباء في حياتهم فراغا عاطفيا أليما. لذا شك المازني في الرسائل التي كانت تأتيه، ومع ذلك عاد ليصدقها فكتب إليها يقول « عزيزتي الآنسة فاخرة هانم... أظن أنك حيرتني، حيرتني جدا إلى حد لا تضحكي من فضلك إلى حد أني بدأت أظن أن الذي يراسلني ليست آنسة ذكية القلب نافذة البصيرة، بل هي شاب داهية يكاتبني باسم آنسة ليتفكه بي ويسخر مني، فما رأيك في هذا الخاطر. أعترف لك أنه خاطر جرى ببالي من أول يوم وهذا هو السبب في التحرز الشديد الذي بدا مني في رسائلي الأولى على الأقل رسائلي الأولى ولكني تساهلت قليلاً مع نفسي وأرسلتها على سجيتها إلى حدّ محدود، فهل تدرين السبب في نشوء خاطر كهذا في رأسي».
لا أعجب أي امرأة
جوابا على سؤاله لها حول شكه بأنها شاب يقدم الجواب في الرسالة نفسها قائلاً: «السبب أنني كنت ولا أزال أعتقد أنه ليس في هذه الدنيا امرأة يمكن بأي حال من الأحوال أن يعجبها إبراهيم المازني ولست أقول هذا تواضعاً أو على سبيل المزاح، ولكنني أقوله لأنه عقيدة راسخة مخامرة لنفسي مع الأسف، وقد كانت نتيجة هذه العقيدة أني كما أخبرتك في رسالتي الماضية تحاشيت في حياتي أن أحاول التحبب إلى امرأة ولو كانت روحي ستزهق من فرط حبي لها، ذلك لاعتقادي في نفسي، أخشى أن أتلقّى صدمة فتكون النتيجة أن تجرح نفسي فتثور فأتعذب وأعذبها معي».
وسألها قائلاً: «كيف يكون رأيك في رجل هذه حالته النفسية بلا مبالغة، وإني أقسم لك بكل ما يحلف به الأبرار أني لست كاذبا، ولا متخيلا. وأن هذه هي حقيقة اعتقادي في نفسي وحقيقة الواقع ولا شك أنها حالة شاذة - ولكن ما حيلتي؟ وأنا أخسر بسببها كثيراً ما يفوز به الرجال، وأرى مفاتن الحياة تتخطاني وتقع على سواي بغير سعي منه لها، فلا أتحسر لأني رضيت وروضت نفسي على الحرمان ووطنتها على ألا تأسف على شيء، وما أكثر ما يفوتني وأحرمه في دنياي في كل باب حتى باب المعيشة العادية ولكن ماذا أصنع؟
وبحزن عميق ينم عما في داخله من قهر وعذاب يتابع في رسالته شرح فلسفته في الحياة، فكل مُتع الدنيا تفوته وماذا يفعل وتكون إجابته «صرت أتفلسف وأقول إن رياضة النفس على الزهد تتطلب قوة نفسية أكبر وأعظم من القوة التي يحتاج إليها الإقدام على التمتع بلذات الحياة ونعم العيش، فهل هذا صحيح؟ لا أدري، ولكني أدري أنني لم أطق باريس. أكثر من ربع الساعة ولا لندن أكثر من أسبوع. وأحببت الريف والبساطة وكنت في رحلتي أفضل أن أجوب الريف بسيارة صديق أحمل فيها طعامي وأبيت أحياناً كثيرة فيها بعد إغلاق نوافذها، لقد قلت مرة لصاحبة اجتمعت بها على ظهر السفينة : يا سيدتي إنك جميلة وحرام عليك أن تلقي بجمالك بين يدي حمار مثلي لا يعجبه إلا البرسيم... هي حرارة نفسي تطفح أحياناً وتقطر من اللسان أو من القلم، ولكن ربما كنت معذوراً، أو لعلي كنت أكون أسعد في حياتي لو عشت في كهف بعيداً عن الناس. أي نعم، وقد حاولت هذا مرة وقضيت بضعة أسابيع في جبل المقطم على إثر صدمة قوية تلقيتها من يد القدر وكنت أشرب الماء بكفّي وآكل من شبه ماجور من الطين فهل تصدقين؟!
«أبلد البلداء»
ويستمر المازني في تعذيب نفسه وتصغيرها إرضاء للمحبوبة فيكتب إليها يقول: «إني رجل أحفظ الجميل ولا أكفره، ولا أجحد فضل الله وفضلك علىّ، فإذا كنت قد وجدت في ردي ما يشعرك أني تألمت فإني آسف جدا وأرجو أن تحملي هذا على محمل المرارة التي في نفسي، وهي مرارة طبيعية لا تتأثر بشيء من الخارج أبداً فسامحيني بالله واعفي عني واغفري لي زلاتي وكوني معي على الدنيا ألم أقل لك إني جاهل؟ بلى. وإني لأجهل الجهلاء وأبلد البلداء فهل صح عزمك على أن تتفرجي على هذا الجاهل الغبي وترينه بعينيك يوم الأحد؟ وسلامي وتحياتي وأشواقي وشكري العميق وما هو فوق الشكر والتحيات والأشواق وأبلغ من كل ذلك».
ليتني كنت زفرة
تابعت السيدة فاخرة كتابة رسائلها وأرسلت إليه هذه المرة صورتها وقالت له إنها أرسلتها هدية وستردها بناء على طلبها فكتب إليها يقول: «أنا أكتب الآن على عجل كأني أخاف أن لا... لا... لا أخاف شيئا بل أتمنى أن أنقلب زفرة... تنهيدة تطير إليك على جناح النسيم وتشعرك بما في قلبي... وليت لزفراتي روحاً تكشف عن حقيقة أمري».
ويتابع تعليقه على الصورة قائلاً: «فاخرة أسأل الله السلامة من كل هذا الحسن والسلامة وأي أمل فيها، لقد كانت ما خفت أن يكون وانتهى الأمر، أحببتك خيالاً، وها أنذا اليوم أبصرك إنسانة حقيقية... لا بل رفعني الله إلى سماء كنت أتخيلها.
إن مثل هذا الحب نعمة يا فاخرة، ومثل حبي لك مفخرة لي ورفعة لنفسي وسمو أنت ما زلتِ معنى سامياً لم تتجسدي على الرغم من الصورة. كل ما أريتنه من الصورة أن ظني لم يخب... إن الحقيقة أكبر وأفتن وأسحر من الخيال».
عقلي ليس معي
بعد أن استعاد المازني الصورة كتب إليها «إني مسكين، وإني محتاج إليك، وإني معذور إذا جننت، ولكني سأحتفظ ببقية عقلي من أجلكِ لتطيريه لي حين تقابليني، سامحيني... فإن عقلي ليس معي. عقلي مع الصورة التي أعيدها إليك وقلبي يتمزق... لي رجاء صغير أعيدي إلىّ الصورة مع كل رسالة منك لأنظر إليها وأتزود ثم أعيدها إذا كنت لا تريدين أن أبقيها عندي، أعيديها إلىّ أستحلفك بأعز عزيز عليك بأن تعيديها إليّ لأراها مرة أخرى».
دون جوان
قال المازني يوما: عشقت مراراً وقال فيّ صديقي الأستاذ عباس محمود العقاد قصيدة منها:
أنتَ في مصرَ دائم التمهيد.... بين حبّ عفيف وحب جديد
بين ماضٍ لم يذبل الحسنُ منه.... وطريف كاليانع الأملود
أنت كالطير ربما شالت.... عن الأيك وهو جمّ الورود