عندما وضع «داروين» نظرية «النشوء والارتقاء» التي تقضي بأن كل عضو يستخدمه الإنسان يتطور، ثم خلص إلى أن الإنسان قد تطور إلى ما هو عليه من خلال سلسلة طويلة من تطور المخلوقات الأقل منه درجة ومنها القرود، أخذت نظرية داروين أبعاداً كبيرة وشهرة واسعة، واستطاع البعض أن يروج بين الناس إلى حيوانية الإنسان وبالتالي ينسف كل ما أثبتته الديانات السماوية من تميز الإنسان وبأنه خلق فريد.
لكن نظرية داروين سريعاً ما سقطت بعدما أثبت العلماء فشلها وأن الفرق ما بين الإنسان وبين من هم تحته مباشرة من الحيوانات يمثل هوة ساحقة لا يمكن ربطها بالتطور، وأهم ما يميز الإنسان عن غيره من الحيوانات هو العقل والتمييز والإدراك والمشاعر والقدرة على اتخاذ القرار.
لم يقف العلماء عند مغامرة «داروين» وإنما واصلوا تحديهم لأساسيات الخلق، فقد خرج علينا قبل شهرين فريق من العلماء البريطانيين بقيادة (هنري ماركرام) من أكسفورد ليؤكد بأنه من الممكن تخليق مخ بشري خلال عشر سنوات من الآن.
وقد ركز فريق ماركرام على تخليق الطبقات العصبية التي توجد في جذع المخ باستخدام خلايا متعددة من حيوانات ثديية (الفأر) لتخليق مخ شبيه بالمخ البشري، وذلك بتكرار الثنيات العصبية وعدد الوحدات من أجل التوصل إلى هذا «العضو المخيف».
في تصوري أن هذه المغامرة الجديدة وإن كانت لها دلالات علمية من بعض النجاحات المحدودة لكن الحديث عن تخليق مخ بشري هو ضرب من الخيال ومحاولة لإثبات أن الإنسان قادر على قهر عالمه وتسخير الكون له، فالعلماء يزدادون كل يوم حيرة وإعجاباً بما يكتشفونه من قدرات العقل الإنساني العجيب الذي لا يعلم أسراره إلا خالقه سبحانه، والذي يشكل 2-2.5 في المئة من وزن الجسم وفيه خلايا عصبية تزيد على مئة مليار خلية تجري بينها اتصالات لا مثيل لها، ويتعلم الإنسان خلال حياته القصيرة ملايين المهارات والخبرات وقد درس العلماء الأدوار التي يقوم بها كل جزء من المخ واختلافها عن الجزء الآخر، وتوصلوا إلى أن المشاعر الإنسانية لها جانب في المخ وهو ما يميزه عن بقية الحيوانات، كما يتميز الإنسان بالقدرة على اتخاذ القرار في الأمور المعقدة، وأمور كثيرة لا مجال لشرحها.
مليارا شخص بحاجة إلى مخ
أجمل ما أعجبني في تصريح الدكتور ماركرام هو أن المخ الموعود سيكون خطوة مهمة في علاج الأمراض العقلية التي يعتقد بأن مليارين من البشر يعانون من خلل في المخ (ثلث سكان العالم)، وأستطيع الآن أن أفسر السر في ما نشاهده يومياً في شوارعنا من فوضى واضطراب، وأقترح أن تقوم إدارة المرور بحجز مئة ألف مخ صناعي لتركيبها على المخالفين من سائقي السيارات.
د. وائل الحساوي
[email protected]