البعض يذهب إلى المأذون مرتين ... أو أكثر
رشدي أباظة... فنان بدرجة «دونجوان» / 4
فنان بدرجة دونجوان
في أحد ادواره
رشدي أباظة
|القاهرة - من علا بدوي|
ما أسرع الزواج في أوساط المشاهير، وخاصة الوسط الفني، وما أسرع الطلاق أيضا، حالات الزواج والطلاق في هذا الوسط، الذي يختلف جذريا عن غيره من الأوساط الأخرى، دائما ما يكتنفها الغموض، وتحيط بها الاشاعات، فتصبح مادة دسمة للاجتهادات التي تتسم غالبا بسوء النية.
ولكن بعيدا عن سوء النية وحسنها... فإن الأمر الذي لا خلاف عليه أن هناك فنانات وفنانين كثيرين، وعبر عقود متعاقبة، مروا بتجارب زواج فاشلة، فكان زواجهم على ورقة طلاق، وهو ما يعد ظاهرة تكاد تكون محصورة.
وربما يكون السبب الذي يقف وراء التعجيل بالطلاق في زواج الفنانين، أن زواجهم لا يكون مبنيا على الحد الأدنى من الأسس والعناصر التي توفر الاستقرار الأسري والعائلي، ولكنه يكون مجرد نزوة عابرة، ربما أراد أصحابها أن يحيطوها بسياج من الشرعية والحلال.
وما أكثر الفنانات والفنانين، الذين مروا بتجارب عدة من الزواج والطلاق، من دون أن تكون هناك أسباب مقنعة للارتباط أو الانفصال.
ويفسر البعض تلك الظاهرة، بأن الفنانة أو الفنان يكون في حال مزاجية ونفسية متقلبة ترفض الاستقرار، وهذه الحال من الصعب استيعابها، واحتواؤها، الأمر الذي يعجل بإسدال الستار مبكرا في حالات زواج فنية عديدة.
وفي هذه السلسلة... نستعرض جانبا من تلك الحالات، التي دأب أصحابها على التردد على المأذون، فلم يكتفوا بمرة واحدة، مثل الكثيرين من الناس، ولكنهم أدمنوا الزواج والانفصال مثل الفنانة الراحلة تحية كاريوكا التي تزوجت وانفصلت نحو 14 مرة - والشحرورة صباح، وغيرها ممن تتضمنهم هذه الحلقات، التي تلقي الضوء على بعض الفنانين الذين ذهبوا للمأذون مرتين... أو أكثر.
استطاع الممثل المصري رشدي أباظة عن جدارة لقب «دونجوان السينما المصرية»، فقد كان له من الوسامة وقوة البنية نصيب وافر، ما جعله معشوقا للجميلات في مصر وخارجها، حتى أن ابنته الوحيدة قسْمت لم تخجل من وصفه بأنه كان «زير نساء»، تزوج أباظة مرات عدة، ولكن الزيجة الوحيدة التي دامت طويلا كانت من الراقصة سامية جمال التي اعتزلت الفن من أجله.
ورشدي أباظة... يتحدر من الأسرة الأباظية المعروفة في مصر، وهي أسرة شركسية الأصل والجذور، ولد في 27 أغسطس العام 1929، يرجع تاريخ هذه الأسرة إلى بلاد القوقاذ والده سعيد بغدادي أباظة كان ضابطا في البوليس، وأمه كانت تقيم بالقاهرة. حصل على الشهادة الابتدائية من المدرسة المارونية بالظاهر، وهي المدرسة ذاتها التي تخرج فيها فريد الأطرش، وأخته أسمهان، وحصل على التوجيهية من مدرسة سان مارك بالإسكندرية، كان يعشق لعبة البلياردو، وهي اللعبة التي كانت سببا في دخوله السينما، عندما شاهده المخرج كمال بركات العام 1948 في صالة البلياردو وعرض عليه العمل بالسينما، لأنه كان وسيما لدرجة كبيرة.
كان يهوى الكرة الطائرة، وكمال الأجسام. له من والده «3» شقيقات «رجاء ومنيرة وزينب» وشقيق واحد، وهو فكري أباظة، الذي التحق بالفن في سن التاسعة عشرة.
الدراسة والتجارة
قرر رشدي أباظة ترك الدراسة، واتجه إلى إنشاء متجر لقطع غيار السيارات، ولكن المشروع فشل. كانت شلة أصدقائه تضم في ذلك الوقت عادل أدهم، وعلي رضا، اللذين جاءا إلى القاهرة بحثا عن العمل في مجال الفن.
بعد حصوله على التوجيهية التحق رشدي أباظة بكلية الطيران، ولكنه لم يحتمل حياة العسكرية الصعية فانتقل بعد 3 سنوات إلى كلية التجارة، التي لم يستمر فيها طويلا.
كان رشدي شابا مشاغبا، ولم يكن ذلك التلميذ الصالح، الذي يمكن الرهان على نجاحه في الدراسة، بالرغم من أنه كان يتقن اللغة الإيطالية التي تعلمها من والدته الإيطالية، واللغات الإنكليزية والفرنسية، والألمانية، والإسبانية، فضلا عن العربية.
أمضى رشدي أباظة طفولته وصباه بين الريف والمدينة بين قرية كفر أباظة في الزقازيق «85 كيلو مترا شرق العاصمة المصرية»، وبين حيّ شبرا في القاهرة فشب متحليا بأخلاق أقاربه من أبناء الريف، وأهل البلد المشهورين بـ «الفتونة والجدعنة»، وكان يلعب مع رفاقه الكرة الشراب والمصارعة، والملاكمة، وكثيرا ما كانت تلك الألعاب تنتهي بالمشاجرات والخناقات، التي يصول فيها ويجول بالبطش باللاعبين.
عندما كان صبيا أحب فتاتين في وقت واحد. الأولى ريفية ساذجة. والثانية بنت بلد مصرية، وكان كلما تشاجر مع أبناء الجيران يلفت نظرهما إليه بقوة عضلاته فيكيل اللكمات بكل قوته في وجه خصمه فينتزع بذلك إعجاب الفتاتين.
الأمير الصغير
كان رشدي أباظة كالأمير الصغير. جذاب الملامح، وسيم القسمات. رشيق القوام. أنيق الهندام. يثير الشغب في كل مكان يذهب إليه فلم يكن فتى كفر أباظة، وحي شبرا فحسب وإنما كان أيضا فتى مدرسة الفرير وسان مارك. حيث كان يثير اهتمام زميلاته في المدرسة اللواتي كن في مثل سنّه من الشقراوات والسمراوات.
وفي المدرستين. استوعب المشرفون على النشاط الرياضي فيهما قدراته الفنية فمارس الكثير من الألعاب الخفيفة والثقيلة كالجمباز والسباحة والملاكمة والمصارعة، ورفع الأثقال.
أما كرة القدم فكان فيها كابتن الفريق في المدرستين، ويكفي أن تقول إنه أحرز المركز الثاني في بطولة مصر لكمال الأجسام العام 1953 فهل كان هذا كله في سبيل إشباع هواياته الرياضية، واستغلال طاقاته البدنية. أم كان في سبيل تحقيق ذاته من أجل الشهرة كفارس في الملاعب لينال تصفيق الجماهير، ومن بينهم طبعا الجنس اللطيف، الذي شغف به، وكان شغله الشاغل في الحياة؟
لم يكن رشدي أباظة يعرف الحب الروحي في علاقاته النسائية، وكانت تسيطر عليه الرغبة في الامتلاك، كانت المرأة هي ميدانه الذي يصول ويجول فيه، وكان يهيئ نفسه منذ حداثته لحمل لقب «الدونجوان». حيث قرأ كل ما كتب عن مغامرات دون جوان، ومذكرات كازانوفا ومعبود النساء، فالنتينو، وشاهد كل ما قدم عن حياتهم من مسرحيات وأفلام، وتابع أخبار مغامرات الدون جوان المصري أحمد سالم، الذي تأثر به كثيرا وتتلمذ على يديه في ميدان المغامرات النسائية، وكان خليفة له في هذا المجال.
إبداعه الفني
لم يكن رشدي أباظة من مشاريعه. أن يصبح نجما يوما ما، وكان أول أعماله فيلم «المليونيرة الصغيرة» العام 1949 مع سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، وغيره من الأفلام ثم انصرف عن ذلك إلى أمور أخرى. ثم عاد، ومثل أدوارا صغيرة في أفلام «دليلة» و«رد قلبي» و«موعد غرام» و «جعلوني مجرما»، وغيرها من الأفلام، مثّل «الأشقياء الثلاثة»، الذي شاركه البطولة فيه أحمد رمزي وحسن يوسف، برلنتي عبدالحميد، ولعل هذا العمل من أجمل الأعمال التي قدمها الفنان رشدي أباظة. حتى استرد نجوميته في فيلم «امرأة على الطريق» العام 1958 مع شكري سرحان وزكي رستم وهدى سلطان، والذي أخرجه الراحل عز الدين ذوالفقار.
ثم قدم بعد ذلك أفلاما ذات قيمة عالية وهي «جميلة الجزائرية»، «في بيتنا رجل»، «الطريق» «لا وقت للحب»، «الشياطين الثلاثة»، «الزوجة رقم 13»، «الساحرة الصغيرة»، «صغيرة على الحب»، «صراع في النيل»، «عروس النيل»، وغيرها من الأفلام.
كان يجيد لغات مختلفة، وكان مرشحا للسينما العالمية، وكان من الممكن أن يسبق عمر الشريف إلى هوليود، ويغزو السينما العالمية، لولا أنه أضاع جميع هذه العروض.
اشترك كدوبلير للنجم العالمي روبرت تايلور في فيلم «وادي الملوك»، واشترك في فيلم «الوصايا العشر» للمخرج العالمي سسبيل ديميل، وغيرها من الأعمال.
مغامراته العاطفية
تزوج رشدي أباظة من الفنانة كاميليا، التي كانت على علاقة بالملك فاروق ما تسبب في ابتعاد كثير من المنتجين والمخرجين عنه خوفا من بطش الملك فاروق، وعندما قدم دور دوبلير للنجم روبرت تايلور في فيلم «وادي الملوك»، وقعت البطلة في حبه، وهي إليانور باركر، وقدمت له دعوة لزيارة هوليوود، وهو الحلم الذي كان يراوده دائما لكنه اقتحم هذا العالم، عن طريق علاقته بامرأة، وإن اضطر للقبول بعد ذلك في ظل الضغوط المستمرة عليه من الملك وحاشيته.
فطار إلى إيطاليا بحثا عن النجومية العالمية. حيث تعرف على المخرج الإيطالي جومزيدوا ألسنديين. الذي تصادف وجوده معه في إحدى حفلات الجالية الإيطالية، وعرض عليه إسناد بطولة سينمائية، وقع رشدي على بطولة فيلم «أمينة» مقابل أجر 500 جنيه، وهو أجر يمثل 3 أضعاف الأجر الذي تقاضاه رشدي في فيلمه الأول. ثم رشحه المخرج وليّ الدين سامح دور في فيلم «ذو الوجهين».
الزواج الأول
كانت أولى زيجات رشدي أباظة المغنية الفرنسية آني برييه. لم يستمر الزواج كثيرا، وحدث الطلاق في هدوء تام فقد تعرض لضغوط كبيرة... حيث إن العروض كانت تتهافت على أني زوجته، بينما خفي نجمه، ولم يطلبه أحد ثم تعرف على فلورنس رئيسة فرقة الباليه التي تعمل في الأوبرا، نشأ بينهما علاقاته بالرغم من فارق السن بينهما. حيث كانت تكبره سنوات بعدة، ونشأت بينهما قصة حب، ثم التقى كاميليا الفنانة الشهيرة، التي سرعان ما خفق قلبه. وتنبهت فلورنس لذلك الغزو، وحين عرضت عليه بطولة فيلم مع كاميليا. طلبت فلورنس منه الاعتذار، ولكنه رفض، وانتهت العلاقة لتبدأ أخرى مع كاميليا، التي لم يمهلها القدر طويلا. حيث ماتت في حادثة طائرة.
وذهبت تحية كاريوكا لزيارته للتخفيف عنه من أثر ذلك الحادث، الذي أودى بحياة كاميليا، وبدأت قصة حب أخرى كانت أكثر عنفا، وسرعان ما تم الزواج، ووقع رشدي في نزوة مع إحدى قريبات تحية كاريوكا، وحينما تأكدت تحية كاريوكا من صحة هذه الخيانة وقع الطلاق.
أطول زواج
لم تكن الفترة التي قضاها رشدي أباظة مع سامية جمال، تخلو من الشوائب، فكانت هناك ابنته «قسمت» ومشاكلها، بالإضافة إلى نزوات رشدي العاطفية، التي لم تقف عند حد النزوة، بل تجاوزتها. حيث تناسى خبر زواج رشدي بصباح، تلك الزيجة التي لم تستمر طويلا، تلتها نزوات أخرى بنجمات كبار في ذلك الوقت، بالإضافة إلى عادة الشرب التي دأب عليها. كل ذلك أدى إلى تراكم المشاكل الزوجية.
سامية جمال كانت بالرغم من كل ذلك مؤمنة بأن رشدي فنان كبير، وناجح وأنه يحب أن يبقى دائما محل رعاية الزوجة واهتمامها، لذا قررت اعتزال الرقص والتمثيل، وتتفرغ لرجل واحد في حياتها هو رشدي أباظة.
الزواج الأخير
ثم تزوج بعد ذلك من ابنة عمه نبيلة سليمان أباظة التي طلقها وهو على فراش المرض، وعرض على الفنانة يسرا الزواج وهو يعمل معها في فيلم «بياضة»، لكنها اعتذرت لفارق السن، وهكذا كان رشدي أباظة معشوق النساء، واستطاع أن يصل إلى مكانة لم يصل إليها نجم آخر حتى اليوم في قلوب النساء.
تواضعه
لم تكن وسامة رشدي أباظة في جمال ملامحه ولا خفة ظله فحسب، إنما في رجولة متكاملة، وجمال في كل تفاصيله، وحتى اليوم يتذكره عمال الإضاءة في الاستديوهات حيث كان دائم الجلوس معهم، وكان يتميز بتأليف الأسماء التي تليق بهم، ولايزال كثير منهم معروفا باسمه الذي أطلقه عليهم رشدي أباظة، بالرغم من أنه ينتمي لأسرة عريقة في تاريخها هي الأسرة الأباظية، إلا أنه كان متواضعا بسيطا محبوبا بين كل من عرفه، وتعامل معه، واقترب منه.
زير نساء
واعترفت الابنة الوحيدة للفنان رشدي أباظة من زوجته الأميركية. بأن والدته كانت قاسية معه، ما عجل بموته، وتصفه بأنه كان زير نساء، كما تؤكد أن زواج والدها من الفنانة صباح لم يستمر طويلا وجاء نتيجة مزحة. سرعان ما استوعبها لينفصلا، ويبقيا أصدقاء.
وأن ارتباط الفنانة سامية جمال بوالدها... كان بسبب رغبتها في الانتقام لكرامتها، بعد أن رفض فريد الأطرش الاقتران بها، وعن سبب انفصال والدها عن والدتها الأميركية ليتزوج سامية جمال، أكدت أن أمها كانت أجنبية جامدة لا تملك دهاء أبناء الشرق.
كانت سامية تصور مع رشدي أباظة فيلم «الرجل الثاني»، وكانت تحضر له الطعام، الذي طبخته في منزلها، وتطعمه بيدها، وعلى العكس فأمها لم تكن ناعمة مثل سامية جمال، لذلك مال إليها لأنها كانت تهتم به بطريقة غير عادية، كما وصفت قسمت والدها بأنها كان «زير نساء».
صداقات رشدي أباظة
الصداقات عند رشدي أباظة كان لها أثر كبير في حياته فقد جمعته الصداقة والأخوة مع ابن عمه وجيه أباظة، الذي كان كاتما لأسراره، كذلك النجم الكبير أحمد رمزي، كما جمعته الصداقة مع ليدي السينما المصرية نادية الجندي، كان رشدي يطلق عليها «الواد الشقي»، بينما كانت هي تطلق عليه «الطفل المتهور».
كانت الثقة بينهما كبيرة حتى أن نادية كانت تمثل الأخت المعتمدة لرشدي أباظة في العائلة الأباظية.
الطريف أن «رشدي أباظة وفريد شوقي ونادية لطفي» أسسوا شركة جديدة أطلقوا عليها النجوم الثلاثة لإنتاج فيلم يجمع بينهم، وقاموا بتوقيع عقود الشركة التي بلغ رأسمالها 12 ألف جنيه، ومرت أيام والنجوم الثلاثة يجتمعون ويسهرون ويقيمون الحفلات، دون أن تقدم شركتهم فيلما واحدا ثم اكتشفوا أن المتبقي من رأس المال 6 آلاف جنيه فقط. فاقتسموه، وكانت نهاية الشركة، وليست نهاية الصداقة.
طابع العنف
سيطرت أدوار رشدي أباظة السينمائية. طابع العنف، فقد استغل المخرجون ضخامة جسمه ومظهره القوي الذي يتميز به فاختاروا له ثيابا يبرز شعر صدره وأساور من الجلود حول رسغيه تبرز عضلات ذراعيه، وبدا في هذ الأفلام يضرب أكثر مما يمثل، ولكنها كانت مرحلة ضرورية من أجل الانتشار، وكسب الشعبية اللازمة لنجم السينما، أما المخرج عزالدين ذو الفقار فقد أثبت للجميع أن رشدي أباظة يمتلك قدرات هائلة في الأداء، وذلك من خلال دوره في فيلم «امرأة في الطريق».
وفاته
توفي رشدي أباظة في 27 أغسطس 1980 عن عمر يناهز 51 عاما بعد معاناة شديدة مع مرض السرطان، الذي آلمه كثيرا، وعانى منه لفترة طويلة، واشترك في آخر أعماله «الأقوياء»، الذي مات أثناء تصويره ولم يستطع إنهاءه، فأكمله الفنان صلاح نظمي بدلا عنه.
وكانت آخر كلمة نطقها الراحل المبدع المتألق «يارب» ولن تنسى ذاكرة السينما المصرية أبدا أسطورة الفن الذي قدم أروع أعمالها وأسهم في إثرائها واستطاع أن يرتقي إلى مصاف نجوم الصف الأول، في زمن عبدالحليم حافظ والوسيم أحمد رمزي، والمتألق أحمد مظهر، وصباح وهدى سلطان وشكري سرحان، وغيرهم من نجوم الزمن الجميل، الذي يعد بصمة رائعة في تاريخ الفن في مصر.
ما أسرع الزواج في أوساط المشاهير، وخاصة الوسط الفني، وما أسرع الطلاق أيضا، حالات الزواج والطلاق في هذا الوسط، الذي يختلف جذريا عن غيره من الأوساط الأخرى، دائما ما يكتنفها الغموض، وتحيط بها الاشاعات، فتصبح مادة دسمة للاجتهادات التي تتسم غالبا بسوء النية.
ولكن بعيدا عن سوء النية وحسنها... فإن الأمر الذي لا خلاف عليه أن هناك فنانات وفنانين كثيرين، وعبر عقود متعاقبة، مروا بتجارب زواج فاشلة، فكان زواجهم على ورقة طلاق، وهو ما يعد ظاهرة تكاد تكون محصورة.
وربما يكون السبب الذي يقف وراء التعجيل بالطلاق في زواج الفنانين، أن زواجهم لا يكون مبنيا على الحد الأدنى من الأسس والعناصر التي توفر الاستقرار الأسري والعائلي، ولكنه يكون مجرد نزوة عابرة، ربما أراد أصحابها أن يحيطوها بسياج من الشرعية والحلال.
وما أكثر الفنانات والفنانين، الذين مروا بتجارب عدة من الزواج والطلاق، من دون أن تكون هناك أسباب مقنعة للارتباط أو الانفصال.
ويفسر البعض تلك الظاهرة، بأن الفنانة أو الفنان يكون في حال مزاجية ونفسية متقلبة ترفض الاستقرار، وهذه الحال من الصعب استيعابها، واحتواؤها، الأمر الذي يعجل بإسدال الستار مبكرا في حالات زواج فنية عديدة.
وفي هذه السلسلة... نستعرض جانبا من تلك الحالات، التي دأب أصحابها على التردد على المأذون، فلم يكتفوا بمرة واحدة، مثل الكثيرين من الناس، ولكنهم أدمنوا الزواج والانفصال مثل الفنانة الراحلة تحية كاريوكا التي تزوجت وانفصلت نحو 14 مرة - والشحرورة صباح، وغيرها ممن تتضمنهم هذه الحلقات، التي تلقي الضوء على بعض الفنانين الذين ذهبوا للمأذون مرتين... أو أكثر.
استطاع الممثل المصري رشدي أباظة عن جدارة لقب «دونجوان السينما المصرية»، فقد كان له من الوسامة وقوة البنية نصيب وافر، ما جعله معشوقا للجميلات في مصر وخارجها، حتى أن ابنته الوحيدة قسْمت لم تخجل من وصفه بأنه كان «زير نساء»، تزوج أباظة مرات عدة، ولكن الزيجة الوحيدة التي دامت طويلا كانت من الراقصة سامية جمال التي اعتزلت الفن من أجله.
ورشدي أباظة... يتحدر من الأسرة الأباظية المعروفة في مصر، وهي أسرة شركسية الأصل والجذور، ولد في 27 أغسطس العام 1929، يرجع تاريخ هذه الأسرة إلى بلاد القوقاذ والده سعيد بغدادي أباظة كان ضابطا في البوليس، وأمه كانت تقيم بالقاهرة. حصل على الشهادة الابتدائية من المدرسة المارونية بالظاهر، وهي المدرسة ذاتها التي تخرج فيها فريد الأطرش، وأخته أسمهان، وحصل على التوجيهية من مدرسة سان مارك بالإسكندرية، كان يعشق لعبة البلياردو، وهي اللعبة التي كانت سببا في دخوله السينما، عندما شاهده المخرج كمال بركات العام 1948 في صالة البلياردو وعرض عليه العمل بالسينما، لأنه كان وسيما لدرجة كبيرة.
كان يهوى الكرة الطائرة، وكمال الأجسام. له من والده «3» شقيقات «رجاء ومنيرة وزينب» وشقيق واحد، وهو فكري أباظة، الذي التحق بالفن في سن التاسعة عشرة.
الدراسة والتجارة
قرر رشدي أباظة ترك الدراسة، واتجه إلى إنشاء متجر لقطع غيار السيارات، ولكن المشروع فشل. كانت شلة أصدقائه تضم في ذلك الوقت عادل أدهم، وعلي رضا، اللذين جاءا إلى القاهرة بحثا عن العمل في مجال الفن.
بعد حصوله على التوجيهية التحق رشدي أباظة بكلية الطيران، ولكنه لم يحتمل حياة العسكرية الصعية فانتقل بعد 3 سنوات إلى كلية التجارة، التي لم يستمر فيها طويلا.
كان رشدي شابا مشاغبا، ولم يكن ذلك التلميذ الصالح، الذي يمكن الرهان على نجاحه في الدراسة، بالرغم من أنه كان يتقن اللغة الإيطالية التي تعلمها من والدته الإيطالية، واللغات الإنكليزية والفرنسية، والألمانية، والإسبانية، فضلا عن العربية.
أمضى رشدي أباظة طفولته وصباه بين الريف والمدينة بين قرية كفر أباظة في الزقازيق «85 كيلو مترا شرق العاصمة المصرية»، وبين حيّ شبرا في القاهرة فشب متحليا بأخلاق أقاربه من أبناء الريف، وأهل البلد المشهورين بـ «الفتونة والجدعنة»، وكان يلعب مع رفاقه الكرة الشراب والمصارعة، والملاكمة، وكثيرا ما كانت تلك الألعاب تنتهي بالمشاجرات والخناقات، التي يصول فيها ويجول بالبطش باللاعبين.
عندما كان صبيا أحب فتاتين في وقت واحد. الأولى ريفية ساذجة. والثانية بنت بلد مصرية، وكان كلما تشاجر مع أبناء الجيران يلفت نظرهما إليه بقوة عضلاته فيكيل اللكمات بكل قوته في وجه خصمه فينتزع بذلك إعجاب الفتاتين.
الأمير الصغير
كان رشدي أباظة كالأمير الصغير. جذاب الملامح، وسيم القسمات. رشيق القوام. أنيق الهندام. يثير الشغب في كل مكان يذهب إليه فلم يكن فتى كفر أباظة، وحي شبرا فحسب وإنما كان أيضا فتى مدرسة الفرير وسان مارك. حيث كان يثير اهتمام زميلاته في المدرسة اللواتي كن في مثل سنّه من الشقراوات والسمراوات.
وفي المدرستين. استوعب المشرفون على النشاط الرياضي فيهما قدراته الفنية فمارس الكثير من الألعاب الخفيفة والثقيلة كالجمباز والسباحة والملاكمة والمصارعة، ورفع الأثقال.
أما كرة القدم فكان فيها كابتن الفريق في المدرستين، ويكفي أن تقول إنه أحرز المركز الثاني في بطولة مصر لكمال الأجسام العام 1953 فهل كان هذا كله في سبيل إشباع هواياته الرياضية، واستغلال طاقاته البدنية. أم كان في سبيل تحقيق ذاته من أجل الشهرة كفارس في الملاعب لينال تصفيق الجماهير، ومن بينهم طبعا الجنس اللطيف، الذي شغف به، وكان شغله الشاغل في الحياة؟
لم يكن رشدي أباظة يعرف الحب الروحي في علاقاته النسائية، وكانت تسيطر عليه الرغبة في الامتلاك، كانت المرأة هي ميدانه الذي يصول ويجول فيه، وكان يهيئ نفسه منذ حداثته لحمل لقب «الدونجوان». حيث قرأ كل ما كتب عن مغامرات دون جوان، ومذكرات كازانوفا ومعبود النساء، فالنتينو، وشاهد كل ما قدم عن حياتهم من مسرحيات وأفلام، وتابع أخبار مغامرات الدون جوان المصري أحمد سالم، الذي تأثر به كثيرا وتتلمذ على يديه في ميدان المغامرات النسائية، وكان خليفة له في هذا المجال.
إبداعه الفني
لم يكن رشدي أباظة من مشاريعه. أن يصبح نجما يوما ما، وكان أول أعماله فيلم «المليونيرة الصغيرة» العام 1949 مع سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، وغيره من الأفلام ثم انصرف عن ذلك إلى أمور أخرى. ثم عاد، ومثل أدوارا صغيرة في أفلام «دليلة» و«رد قلبي» و«موعد غرام» و «جعلوني مجرما»، وغيرها من الأفلام، مثّل «الأشقياء الثلاثة»، الذي شاركه البطولة فيه أحمد رمزي وحسن يوسف، برلنتي عبدالحميد، ولعل هذا العمل من أجمل الأعمال التي قدمها الفنان رشدي أباظة. حتى استرد نجوميته في فيلم «امرأة على الطريق» العام 1958 مع شكري سرحان وزكي رستم وهدى سلطان، والذي أخرجه الراحل عز الدين ذوالفقار.
ثم قدم بعد ذلك أفلاما ذات قيمة عالية وهي «جميلة الجزائرية»، «في بيتنا رجل»، «الطريق» «لا وقت للحب»، «الشياطين الثلاثة»، «الزوجة رقم 13»، «الساحرة الصغيرة»، «صغيرة على الحب»، «صراع في النيل»، «عروس النيل»، وغيرها من الأفلام.
كان يجيد لغات مختلفة، وكان مرشحا للسينما العالمية، وكان من الممكن أن يسبق عمر الشريف إلى هوليود، ويغزو السينما العالمية، لولا أنه أضاع جميع هذه العروض.
اشترك كدوبلير للنجم العالمي روبرت تايلور في فيلم «وادي الملوك»، واشترك في فيلم «الوصايا العشر» للمخرج العالمي سسبيل ديميل، وغيرها من الأعمال.
مغامراته العاطفية
تزوج رشدي أباظة من الفنانة كاميليا، التي كانت على علاقة بالملك فاروق ما تسبب في ابتعاد كثير من المنتجين والمخرجين عنه خوفا من بطش الملك فاروق، وعندما قدم دور دوبلير للنجم روبرت تايلور في فيلم «وادي الملوك»، وقعت البطلة في حبه، وهي إليانور باركر، وقدمت له دعوة لزيارة هوليوود، وهو الحلم الذي كان يراوده دائما لكنه اقتحم هذا العالم، عن طريق علاقته بامرأة، وإن اضطر للقبول بعد ذلك في ظل الضغوط المستمرة عليه من الملك وحاشيته.
فطار إلى إيطاليا بحثا عن النجومية العالمية. حيث تعرف على المخرج الإيطالي جومزيدوا ألسنديين. الذي تصادف وجوده معه في إحدى حفلات الجالية الإيطالية، وعرض عليه إسناد بطولة سينمائية، وقع رشدي على بطولة فيلم «أمينة» مقابل أجر 500 جنيه، وهو أجر يمثل 3 أضعاف الأجر الذي تقاضاه رشدي في فيلمه الأول. ثم رشحه المخرج وليّ الدين سامح دور في فيلم «ذو الوجهين».
الزواج الأول
كانت أولى زيجات رشدي أباظة المغنية الفرنسية آني برييه. لم يستمر الزواج كثيرا، وحدث الطلاق في هدوء تام فقد تعرض لضغوط كبيرة... حيث إن العروض كانت تتهافت على أني زوجته، بينما خفي نجمه، ولم يطلبه أحد ثم تعرف على فلورنس رئيسة فرقة الباليه التي تعمل في الأوبرا، نشأ بينهما علاقاته بالرغم من فارق السن بينهما. حيث كانت تكبره سنوات بعدة، ونشأت بينهما قصة حب، ثم التقى كاميليا الفنانة الشهيرة، التي سرعان ما خفق قلبه. وتنبهت فلورنس لذلك الغزو، وحين عرضت عليه بطولة فيلم مع كاميليا. طلبت فلورنس منه الاعتذار، ولكنه رفض، وانتهت العلاقة لتبدأ أخرى مع كاميليا، التي لم يمهلها القدر طويلا. حيث ماتت في حادثة طائرة.
وذهبت تحية كاريوكا لزيارته للتخفيف عنه من أثر ذلك الحادث، الذي أودى بحياة كاميليا، وبدأت قصة حب أخرى كانت أكثر عنفا، وسرعان ما تم الزواج، ووقع رشدي في نزوة مع إحدى قريبات تحية كاريوكا، وحينما تأكدت تحية كاريوكا من صحة هذه الخيانة وقع الطلاق.
أطول زواج
لم تكن الفترة التي قضاها رشدي أباظة مع سامية جمال، تخلو من الشوائب، فكانت هناك ابنته «قسمت» ومشاكلها، بالإضافة إلى نزوات رشدي العاطفية، التي لم تقف عند حد النزوة، بل تجاوزتها. حيث تناسى خبر زواج رشدي بصباح، تلك الزيجة التي لم تستمر طويلا، تلتها نزوات أخرى بنجمات كبار في ذلك الوقت، بالإضافة إلى عادة الشرب التي دأب عليها. كل ذلك أدى إلى تراكم المشاكل الزوجية.
سامية جمال كانت بالرغم من كل ذلك مؤمنة بأن رشدي فنان كبير، وناجح وأنه يحب أن يبقى دائما محل رعاية الزوجة واهتمامها، لذا قررت اعتزال الرقص والتمثيل، وتتفرغ لرجل واحد في حياتها هو رشدي أباظة.
الزواج الأخير
ثم تزوج بعد ذلك من ابنة عمه نبيلة سليمان أباظة التي طلقها وهو على فراش المرض، وعرض على الفنانة يسرا الزواج وهو يعمل معها في فيلم «بياضة»، لكنها اعتذرت لفارق السن، وهكذا كان رشدي أباظة معشوق النساء، واستطاع أن يصل إلى مكانة لم يصل إليها نجم آخر حتى اليوم في قلوب النساء.
تواضعه
لم تكن وسامة رشدي أباظة في جمال ملامحه ولا خفة ظله فحسب، إنما في رجولة متكاملة، وجمال في كل تفاصيله، وحتى اليوم يتذكره عمال الإضاءة في الاستديوهات حيث كان دائم الجلوس معهم، وكان يتميز بتأليف الأسماء التي تليق بهم، ولايزال كثير منهم معروفا باسمه الذي أطلقه عليهم رشدي أباظة، بالرغم من أنه ينتمي لأسرة عريقة في تاريخها هي الأسرة الأباظية، إلا أنه كان متواضعا بسيطا محبوبا بين كل من عرفه، وتعامل معه، واقترب منه.
زير نساء
واعترفت الابنة الوحيدة للفنان رشدي أباظة من زوجته الأميركية. بأن والدته كانت قاسية معه، ما عجل بموته، وتصفه بأنه كان زير نساء، كما تؤكد أن زواج والدها من الفنانة صباح لم يستمر طويلا وجاء نتيجة مزحة. سرعان ما استوعبها لينفصلا، ويبقيا أصدقاء.
وأن ارتباط الفنانة سامية جمال بوالدها... كان بسبب رغبتها في الانتقام لكرامتها، بعد أن رفض فريد الأطرش الاقتران بها، وعن سبب انفصال والدها عن والدتها الأميركية ليتزوج سامية جمال، أكدت أن أمها كانت أجنبية جامدة لا تملك دهاء أبناء الشرق.
كانت سامية تصور مع رشدي أباظة فيلم «الرجل الثاني»، وكانت تحضر له الطعام، الذي طبخته في منزلها، وتطعمه بيدها، وعلى العكس فأمها لم تكن ناعمة مثل سامية جمال، لذلك مال إليها لأنها كانت تهتم به بطريقة غير عادية، كما وصفت قسمت والدها بأنها كان «زير نساء».
صداقات رشدي أباظة
الصداقات عند رشدي أباظة كان لها أثر كبير في حياته فقد جمعته الصداقة والأخوة مع ابن عمه وجيه أباظة، الذي كان كاتما لأسراره، كذلك النجم الكبير أحمد رمزي، كما جمعته الصداقة مع ليدي السينما المصرية نادية الجندي، كان رشدي يطلق عليها «الواد الشقي»، بينما كانت هي تطلق عليه «الطفل المتهور».
كانت الثقة بينهما كبيرة حتى أن نادية كانت تمثل الأخت المعتمدة لرشدي أباظة في العائلة الأباظية.
الطريف أن «رشدي أباظة وفريد شوقي ونادية لطفي» أسسوا شركة جديدة أطلقوا عليها النجوم الثلاثة لإنتاج فيلم يجمع بينهم، وقاموا بتوقيع عقود الشركة التي بلغ رأسمالها 12 ألف جنيه، ومرت أيام والنجوم الثلاثة يجتمعون ويسهرون ويقيمون الحفلات، دون أن تقدم شركتهم فيلما واحدا ثم اكتشفوا أن المتبقي من رأس المال 6 آلاف جنيه فقط. فاقتسموه، وكانت نهاية الشركة، وليست نهاية الصداقة.
طابع العنف
سيطرت أدوار رشدي أباظة السينمائية. طابع العنف، فقد استغل المخرجون ضخامة جسمه ومظهره القوي الذي يتميز به فاختاروا له ثيابا يبرز شعر صدره وأساور من الجلود حول رسغيه تبرز عضلات ذراعيه، وبدا في هذ الأفلام يضرب أكثر مما يمثل، ولكنها كانت مرحلة ضرورية من أجل الانتشار، وكسب الشعبية اللازمة لنجم السينما، أما المخرج عزالدين ذو الفقار فقد أثبت للجميع أن رشدي أباظة يمتلك قدرات هائلة في الأداء، وذلك من خلال دوره في فيلم «امرأة في الطريق».
وفاته
توفي رشدي أباظة في 27 أغسطس 1980 عن عمر يناهز 51 عاما بعد معاناة شديدة مع مرض السرطان، الذي آلمه كثيرا، وعانى منه لفترة طويلة، واشترك في آخر أعماله «الأقوياء»، الذي مات أثناء تصويره ولم يستطع إنهاءه، فأكمله الفنان صلاح نظمي بدلا عنه.
وكانت آخر كلمة نطقها الراحل المبدع المتألق «يارب» ولن تنسى ذاكرة السينما المصرية أبدا أسطورة الفن الذي قدم أروع أعمالها وأسهم في إثرائها واستطاع أن يرتقي إلى مصاف نجوم الصف الأول، في زمن عبدالحليم حافظ والوسيم أحمد رمزي، والمتألق أحمد مظهر، وصباح وهدى سلطان وشكري سرحان، وغيرهم من نجوم الزمن الجميل، الذي يعد بصمة رائعة في تاريخ الفن في مصر.