يقول الله تعالى (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون).
فالآية واضحة في تفسير الكلمة السواء بيننا وبين أهل الكتاب وهي عبادة الله تعالى وحده وعدم الشرك به، ولا شك أن العلماء الـ 138 الموقعين على وثيقة «كلمة سواء» في سبتمبر الماضي يدركون ذلك المعنى، وهو ما جاء واضحا في وثيقتهم التي أرسلوها رداً على تحية بابا الفاتيكان.
إذا، فالمشكلة تكمن في محاولة الإعلام دق إسفين في العلاقة بين العلماء وتصوير بعضهم بالمتسامح مع أهل الكتاب والآخر بالمتشدد الذي يحرض عليهم ويطالب بالتضييق عليهم ويستخدم لذلك فتوى منع تهنئة أهل الكتاب بعيد ميلاد المسيح عليه السلام.
قرأت ما كتبه الدكتور عبدالغفار الشريف في جريدة «الوطن» بتاريخ 28/12/2007 حول تهنئة أهل الكتاب عامة فقال: «لا بأس بتهنئة غير المسلمين بأعيادهم الاجتماعية ومناسباتهم السارة واستدرك بأنه لا تجوز مشاركتهم في شعائرهم التعبدية» وما قاله الشريف هو ما يقول به الدعاة في كل مكان، لكن تبقى قضية الاحتفال بعيد ميلاد المسيح التي قال عنها الشيخ عبدالله بن بيه بأنها مسألة اجتهادية لم يرد فيها نص قاطع أو اجماع على التحريم، والصحيح انها من الشعائر التعبدية لدى النصارى، وليست من المناسبات الاجتماعية، كما ان لها دلالات مختلفة عند المسلمين عنها عند النصارى، فهم يرونها مولدا لابن الله تعالى الذي جاء ليخلص العالم بموته وانه ثالث ثلاثة وقد صلبه اليهود. بينما اعتقاد المسلمين بأنه عبدالله ورسوله وانه ولد من غير أب وانه لم يصلب ولم يمت، فهل يجرؤ أحد على ان يهنئ النصارى بعيد ميلاد المسيح ثم يقول لهم بأنكم كاذبون في دعواكم ومشركون إذ تنسبون إلى الله الولد؟! وهل نشارك النصارى بالتهنئة في عيد الايستر (الفصح) الذي يدّعون بأن الله تعالى قد ضحى بابنه من أجل إنقاذ البشرية؟!
وعجيب من فرّق بين التهنئة بعيدهم وبين مشاركتهم في الاحتفال فما الفرق؟! وهل سيرضى عنا النصارى إن قمنا بتهنئتهم ثم قلنا لهم بأننا لا نشاركهم في عيدهم الباطل؟!
ولماذا ننسى في خضم الجدل الدائر أو المفتعل بيننا حول قضية لفظية بأننا متفقون على حسن معاملة أهل الكتاب والبر بهم والعدل معهم وتجنب الاساءة إليهم، والتي تشهد عليها قرون طويلة من تاريخنا المجيد شهد به الغرب ومنظمات حقوق الإنسان بل وقياداتهم الدينية مقابل الإهانات الكثيرة التي نتلقاها من كثير من قياداتهم الدينية والسياسية وتحريضهم الدائم على المسلمين؟! ولماذا التشنيع على من يفتي من العلماء بعدم جواز التهنئة استدلالا بمئات الأدلة والاحاديث، وننزع عنه ثوب الوسطية الذي يراد تفصيله على من نشاء، ألسنا بحاجة فعلية إلى كلمة سواء بيننا لإقرار الحق ومنع الجور على بعضنا البعض.
شاركناهم ونسينا احتفالاتنا
من يرى احتفالات اعياد الميلاد في بلادنا وطغيانها على كل شيء حتى ضاهت ما يفعله النصارى في بلدانهم يستشعر حجم انسياق كثير من المسلمين وراء الغرب في كل شيء، حتى ما يجري في تلك الحفلات من منكرات لا يقرها عقل ولا دين، ولو قارنت كل ذلك بأعيادنا اليتيمة التي لا تجد من يفرح بها أو يحييها كما يجب، لشعرت بحجم ظلمنا لأنفسنا وهواننا على أنفسنا، فهلاّ اتفق العلماء المسلمون على كلمة سواء بالحد من الركض والانجراف وراء تلك المظاهر الخادعة والاحتفالات الباطلة تحت مسمى مشاركة العالم بأفراحه؟!
د. وائل الحساوي
[email protected]