نادين البدير / مَنْ يفرض ثقافته على الآخر؟

تصغير
تكبير
| نادين البدير |
الهوية...
الجميع يجري لاهثاً لئلا تسحق هويته وتختفي. العولمة تخيف الجميع. وتعتقد الشعوب أن العصرنة سبب للابتذال أو طمس لتاريخ وتنكر للأجداد.

هذا التداخل المفاجئ الذي غطست به البلدان أفاق الشعوب على قلق اسمه الاختلاط بالغريب. يعتقد كل شعب أن المهاجرين سيؤذونه بطريقة أو بأخرى إن آنياً أو مستقبلاً.
ومهما بلغ انفتاح الأفراد، فإنهم لا يتوقفون عن مناقشة أمر الدخلاء...
معظمهم لا يعلم عماذا يتحدث ولا يعلم ما الذي يقصده بالضبط. ومعظمهم لا يدري إن كان فعلا خائفا على تقاليده، أم أنه كان يتمنى سرا لو اختفى جزء كبير منها. فئة كثيرة من المواطنين تصادق الغرباء وتفخر بتعارفها على الأجانب. لكنها في المجالس تتعمد إظهار وطنيتها، إظهار مقتها لما تفعله الحكومة وهي تجلب وتستقبل الغرباء يوماً بعد يوم.
الخوف على الهوية في أقصى درجاته بدولة كالإمارات، وعلى الأخص مدينة كدبي... حتى المثقفون والكتاب والكاتبات لا يخشون التصريح علناً بقلقهم من هذا الوجود الذي تسببته رغبة الحكومة في الريادة. لم يحدث اندماج اجتماعي بين الأجنبي والمواطن. فالأخير يخشى أن يمحى ذكره. يقلق من أن يأتي يوم يتسلم به الأجنبي استحقاقات ومقاعد سياسية.
في ألمانيا كما في انكلترا وهولندا وغيرها من دول أوروبا.. يشعرون أن الأجنبي وخاصة المهاجر من بلدان أفريقيا سيحول البلد في المستقبل إلى موطن بديل مليء بأقرانه... لكن لا مفر، فالاقتصاد يتوقف على الانفتاح بنظر الحكومات. هكذا غيّر توني بلير المعادلة ببريطانيا.
نسبة تكاثر المسلمين تفوق غير المسلمين، هناك خوف من أن تطغى الديانة الإسلامية..
لكن الخوف من المهاجرين لن يمنع من استقبال المزيد من الوفود وعلى الأخص العمالة، فالأوروبي كما الخليجي الذي يتنزه عن تنظيف دورات المياه، يقابله آلاف يتمنون المجيء لتنظيف أي شيء... حلمهم تنظيف الصحون أو المراحيض في بلد أوروبي ديموقراطي...
تدور عددا من العواصم فلا تجد مواطنين أصليين، هربوا إلى المدن الأخرى أو انتقلوا لبلداتهم، وتركوا العاصمة للسكان الجدد. العاصمة كوزموبوليتية بامتياز ومتعددة الجنسيات تماما كالشركات متعددة الجنسيات صانعة النظام الانفتاحي الجديد.
والسؤال هل يمكن لهؤلاء الأجانب تشكيل هوية كوزموبوليتية جديدة لها ثقافتها الخاصة. والتي ربما تخلق في المستقبل قواعد وقانونا جديداً... لكان هذا الأمر حدث في الولايات المتحدة لكنه لم يحدث. فالقوانين هي التي فرضت على القادمين لا ثقافاتهم المتجمعة. كما أنه ليس أمرا بديهيا حدوث اندماج اجتماعي بين الهويات المتجمعة العديدة لمجرد وجودهم في مكان واحد. في دبي لم يحدث ذلك. حيث كل جالية متقوقعة على ذاتها. ولا أعلم إن كان السبب عدم امتلاك الروح الاجتماعية أم السبب هو الخوف على الهوية.
علاقة المهاجرين القادمين مع العولمة متناقضة.
يحلمون بفيزا لإيطاليا أو انكلترا ثم يتحدثون عن خوفهم من فقدان هويتهم وسط أخلاق المجتمع الأوروبي التي يصفونها بالتفسخ... الدخلاء يخشون على ثقافتهم المحافظة من المواطنين... كل يرى الآخر دخيلاً...
يخاف الدخيل على ابنته ويعتقد أنها ستنحرف وسط هذا الانفتاح المهول. سيصبح لها صديق ربما تأتي به إلى المنزل يوماً. لماذا يأتي بها إلى أوروبا إذاً؟ ولما لا يضحي لأجل المحافظة والتدين بالجنسية والهجرة؟
يريد الهندي أو العربي أن ينشأ أبناؤه وبناته في أجواء الحريات بتقاليد رادعة مزمجرة. مستحيل تحقيق الأمر..
في ألمانيا حدث العديد من جرائم الشرف بين المهاجرين الأتراك. وتم إنزال عقوبات رادعة بمرتكبيها.
فمن سينتصر على الآخر، الهمجية أم الديموقراطية؟
إنزال العقوبات يعني أن المهاجر يخضع لقانون الوطن الذي حل عليه، والقانون تصنعه الثقافة. أي خضوعه في النهاية لثقافة الوطن الجديد.. وجود القانون يمنعه من نشر ثقافته الأجنبية أياً كانت.
يعتقد البعض أن لا وجود لشيء اسمه طمس للهوية المحلية، فالهوية التي تطمس لم تكن موجودة في الأصل. أكبر دليل على ذلك تطبع المهاجرين بعادات البلدان التي يذهبون إليها، دون حدوث العكس.
أخيرا بالنسبة للجيل الناشئ في بلدان تسود بها ثقافة القانون قبل أن يسود القانون. فلا يجد أهمية لشيء اسمه هوية. ما دام يحيا معاصرا للتقنيات ويجد حوله قانونا يحميه ويعيش حرية تكفلها الدولة المضيفة، ولماذا سيحافظ على تقاليد سمع عنها ولم يعشها قط؟
هل ثمة دخيل؟ وثمة داع للحديث عن هوية إن كان بإمكان الجميع تحقيق الأحلام والعيش بسعادة؟
في إحدى رحلاتنا السياحية سمعت أبي يقول شيئا ظريفا لأمي. تجادلت معهما لأني أردت الخروج ولم يسمحا لي.. فجأة قال لها: أين تحسبين نفسك.. أنت الآن في أوروبا.. والقانون معها لا معنا. ببساطة يمكنها الخروج والشكوى وسيوقفوننا عند حدنا أنت وأنا..
وخافت أمي وقلقت..
ولم أخرج. ولم أكن أخطط لشيء مطلقاً. لكني كنت أتبسم سعيدة بينهما لأني شعرت للمرة الأولى أنهما يحسبان لي حسابا. وأني ببلد يعتبرني إنسانة لها حقوق..
كاتبة وإعلامية سعودية
[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي