آرنولد كلينغ / هل هناك عدم مساواة في أميركا؟

تصغير
تكبير

إن اليسار الأميركي يحشد قواه لانتخابات 2008 بتقديم اقتراحات للتدخل الحكومي «لإصلاح» توزيع الدخل. على سبيل المثال، مركز التقدّم لأميركا، اقترح أخيراً رفع الحد الأدنى للأجور، وإعطاء اتحادات العمال صلاحيات أكبر في مواقع العمل، وزيادة دور الحكومة في رعاية الطفل، بالإضافة إلى سياسات أخرى ستكون ضارّة بالنمو الاقتصادي، الذي هو الطريقة الوحيدة المثبتة لرفع مستوى المعيشة.

ولضمان الدعم لجدول أعمالهم، يقوم الدعاة «لدور أكبر للدولة» وسياسيون متعاونون ومثقفون آخرون بنشر مجموعة من المفاهيم الخاطئة عن عدم المساواة. فنحن نسمع بأن دخول الطبقة الوسطى في أميركا راكدة، وأن قابلية الحراك لتلك الطبقة تختفي، وأن اللعبة السياسية منحازة للأغنياء. فلتفحص المفاهيم التالية:

1 - العامل متوسط الأجر: ما أعنيه بالعامل متوسط الأجر هو الشخص الذي يتراوح دخله السنوي بين 30.000 و50.000 دولار تقريباً. موقع العمل ذو أهمية هنا؛ إذ ان الـ 30.000 دولار قد يكون مبلغاً ممتازاً في توبيكا (بلدة صغيرة في كانزاس) لكنه ليس مناسباً لمانهاتن (احد أحياء نيويورك).

من ناحية الغذاء والملبس والسكن، فإن وضع العمال متوسطي الأجر لا بأس به. فالمساحات التي يسكنونها بشكل خاص أوسع. وكلهم تقريباً لديهم تكييف وتدفئة مركزيان، بينما البعض من نظرائهم الأجانب لا يملكون هذا. أما في مجال الرعاية الصحية، فالخدمات الطبية ممتازة (وهي خدمات يقوم بتزويدها مختصون يستخدمون أجهزةً متقدمة). وهم على الأرجح أكثر قدرة على التغلب على السرطان وأمراض القلب والكآبة، أو حالات الحمل الخطرة.

2 - أرستقراطية أم جدارة؟ الأرستقراطية بمعناها المبسّط جداً تعني أن فرص الفرد الاجتماعية وفرص دخله محددة عند الولادة. ومعنى نظام الجدارة، بشكل مبسط جداً أيضاً، أن أي فرد يمكن أن يكبر ليصبح غنياً وناجحاً.

الأرستقراطية على الأرجح كان لها فرصة أكبر في الوجود في القرون السابقة، لأن التغيير الاقتصادي كان بطيئاً. لكن المعرفة اليوم هي المصدر الرئيسي للثروة. والخطى الأسرع لوسائل النمو الاقتصادية جعلت القيمة الحقيقية للثروة الموروثة تهبط مقارنة مع الثروة التي تم تحقيقها أخيراً. هذان العاملان الأخيران جعلا الأهمية الملموسة للثروة الموروثة أقل من الماضي. وقد يكون الميراث الأكثر أهمية اليوم هو الصفات البيولوجية الوراثية. فالأطفال الذين يتمتعون بقدرات إدراكية طبيعية وقوية من المحتمل أن يكون لديهم إمكانية تحقيق مداخيل عالية.

إن توزيع العوائد في أميركا اليوم مازال قائماً نسبياً على نظام الجدارة. لكن من الصعب تقييم مدى قدرة الحراك الاقتصادي والاجتماعي. أحد المؤشرات المتفائلة للحراك ان اختلافات الثروة بين الأقران مازالت عالية نسبياً. والمؤشر المتفائل الآخر أن التحصيل العلمي يستمر بالارتفاع جيلاً بعد جيل خصوصاً بين المهاجرين. وعلى الجانب المتشائم، فإن الاتجاه نحو العوائل الأصغر يميل إلى التقليل من اختلاف الأقران، وأظن أنه يقلل انحراف موقف الأطفال الاجتماعي مقارنة بآبائهم.

الاتجاه المتشائم الآخر هو أن عادات الزواج ستصبح أكثر تركيزاً. فقبل خمسين عاماً كان الاحتمال أن يقوم خريج جامعة بالزواج بأنثى متوسطة الإدراك أو دون مستوى القدرة الإدراكية التي يتمتع بها هو، أكبر مما هو عليه اليوم.

وعموماً من غير المحتمل أن نرى نوع المجتمع الذي يكون فيه لأطفال الأغنياء وأطفال الفقراء فرصاً متساوية للوصول لشرائح الدخل العالية. أفضل ما يمكننا أن نتمناه أن قدراً معيناً من القدرات الموروثة ستجعل فرص الأطفال الفقراء مساوية على الأقل لفرص أولاد الأغنياء.

ومن الممكن أن تكون الأمور أسوأ. إلا أن أميركا محصنة إلى حدّ ما من الشكل الأسوأ للأرستقراطية، الذي يستند على الثروة الموروثة من دون اعتبار كبير للجدارة، كما هي الحال في دولة رفاه أوروبية الطراز لا تعطي حافزاً كافياً للعمل والادخار أو العمل الحر خصوصاً.

3 ـ السلطة السياسية: عدم المساواة في النتائج الاقتصادية يبرز قضية احتمال عدم المساواة في السلطة السياسية. والسيناريو المخيف هنا أن تتركز السلطة السياسية في كفة الأغنياء بشكل واضح بحيث يصبحون هم الممسكون بعتلات القوة.

تقترح بعض المؤشرات أن مثل ذلك التركيز في السلطة السياسية ليس ذا تهديد الآن. فالانتخابات عادلة، وليس لأي من الحزبين احتكار للسلطة. وحريتا التجمع والصحافة مازالتا عاليتين. وأجهزة الإعلام، خصوصاً ما هو منها على الإنترنت، تبدو أنها أكثر استفاضة وتنوعاً مما كان عليه الحال في الجيل الماضي.

لكن المؤشرات الأخرى الأكثر مدعاة للإزعاج هي أن نسبة إعادة انتخاب الذين يشغلون المناصب المرتفعة. والسلالات السياسية (كعائلة بوش وكينيدي وديلي، وغيرهم) تزدهر، مما يقترح أن النظام أقل انفتاحاً مما نظن.

حصة الحكومة في الاقتصاد تتصاعد باستمرار. فالقطاع الأسرع نمواً في اقتصادنا، وهو الرعاية الصحية، يتوجّه نحو الهيمنة الحكومية، سواء  تم «إصلاح» الرعاية الصحية أو لا.

العديد من السياسيين يقومون بحملتهم كما لو أنهم يعتقدون أن تركيز السلطة السياسية شيء حسن، طالما أن القوة بيدهم هم. و«الشعبويون» منهم يعدون باستعمال تلك القوة لمحاربة الأغنياء وأصحاب الامتيازات. ويبدو أن الشركات الرئيسية والمصالح المتخندقة يتم تفضيلها بتركيز أكبر من قبل السلطة السياسية. أما المنافسة المفتوحة والحكومة الصغيرة فهما صديق الرجل الضعيف!

إن اليسار السياسي سيوثّق بشكل مؤكد تقريباً العلاقة بين القوى السياسية والقوى الاقتصادية. إلا أن فهم أهمية نتائج «التضخم السياسي» أكثر أهمية الآن من الجدل على طريقة قراءة الإحصاءات التي تقيس الخلل في العدالة الاقتصادية.


آرنولد كلينغ


 خبير اقتصادي في معهد كيتو بواشنطن العاصمة، وهذا المقال برعاية «مصباح الحرية»، www.misbahalhurriyya.org

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي