في خبر لافت تناقلته وسائل الإعلام جاء فيه أن تحقيقات القضاء الأميركي بخلاف ما كشفت عنه من تورط شركة «بلاك ووتر» في عمليات قتل وخطف وتعذيب متعمدة في العراق، إلا أن ما جاء على لسان شاهديّ عيان عملا في السابق في الشركة هو الأخطر في كشف هوية الحقد الصليبي.
فقد جاء على لسان أحد اثنين ممن استمعت إليهما محكمة فيديرالية في ولاية فرجينيا الأميركية، بعدما أخفيت هويتهما، أن صاحب الشركة ورئيسها إيريك برنس يعتبر نفسه «مسيحياً صليبياً مهمته القضاء على المسلمين وعلى الدين الإسلامي ومحوه من على سطح الكرة الأرضية».
وشركة «بلاك ووتر»، التي تغير اسمها إلى «xe»، يوجد لديها فروع تعمل في دول كثيرة، وميزانيتها بالمليارات، ولديها مليون جندي مرتزق، وتملك أحدث الأسلحة.
واليوم يحاول إيريك برنس، عبر قدرته المالية والسياسية ونفوذه، الإفلات من العدالة التي تواجهه اليوم في قضيتين رئيستين، بعدد اتهامات شمل 35 اتهاماً في قضية واحدة، منها قيام الشركة بعمليات تهريب للسلاح إلى داخل العراق بشكل غير قانوني، وتعمد تدمير أدلة ووثائق. وكشفت التحقيقات أن عمليات التهريب تلك كانت تتم عبر طائرات تابعة للشركة كانت تحط في البلد المحتل من دون رقابة حقيقية.
إيريك برنس قام بتوكيل مكتب محاماة كبير يفخر بأنه يمثل عشرات من الشركات الأميركية الكبرى، منها على الأقل 89 من أكبر الشركات و35 بنكا، وهو مكتب «ماير براون للمحاماة»، الذي جيَّش محاميه لطمس التحقيقات حول جرائم «بلاك ووتر» إلى الدرجة التي يحاولون بها اقناع المحكمة إسقاط تهم القتل المتعمد من دون سبب لعراقيين، لاعتبارات وثغرات، بل وطالبوا المحكمة برفض القضية قانونياً.
إلا أنه من الملاحظ أن تلك المحاولات، وإن نجحت قليلاً بتأثير حملة العلاقات العامة والنفوذ الضخم لشركة «بلاك ووتر» إلا أنه غير مقدر استمرار نجاحها ذلك أن رائحة جرائم هذه الشركة تزكم الأنوف، ما اضطر العديد من وسائل الإعلام الأميركية إلى نشر بعض من وقائع فضائحها، وإذا كانت وزارة العدل الأميركية بدأت منذ فترة، النظر في تجاوزات «بلاك ووتر» سابقاً و«xe» حالياً، إلا أن المشهد كان من تناقضه مثيراً للسخرية داخل وزارة الخارجية الأميركية، حيث تقوم الشركة بحماية وزيرتها هيلاري لدى زيارتها للعراق. البعض يعلق على المحاكمة قائلاً انه تغيير حقيقي في السياسة الأميركية، والبعض يقول إن إدارة أوباما لم تفتح ملف «بلاك ووتر» إلا لتجميل الشكل القبيح الذي خلفته فترة حكم بوش.
وعندما نتوقف مع مهمة إيريك برنس التي اعترف بها أحد موظفيه (أن هدفه القضاء على الإسلام والمسلمين) نجد أن الشركة سعت لتنفيذ ذلك بالفعل، فهي المسؤولة عن عمليات قتل، وخطف، وحرق، واغتصاب لآلاف من المسلمين في العراق، ولكن هل نجحت في مهمتها؟ بالطبع لا تفوتنا الإشارة إلى أن أهالي الفلوجة في العراق قد كشفوا نشاط الشركة المريب، عندما اعتقلوا أربعة منهم العام 2004 وقتلوهم، وأسقطوا لهم طائرات.
لكن لو قُدر لهذا الهدف الشيطاني أن ينجح لكان نجح فيه أبوجهل وأبولهب وصناديد الكفر في قريش منذ أكثر من ألف وأربعمئة عام، فقد اجتمعوا على قتل النبي الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، والقضاء على الإسلام ولكنهم خابوا وخسروا وخرج النبي أمام أعينهم سالماً، وهاجر إلى المدينة ليؤسس دولة الإسلام وينتشر نور الإسلام والهداية في الأرض.
ولو قُدر لهذا الهدف أن ينجح لنجح يوم أن جمعت الروم جيوشها تحت قيادة هرقل، والفرس تحت قيادة رستم لتقضي على دولة الإسلام الوليدة ولكنهما خابا وخسرا.
ولو قُدر لها الهدف أن ينجح لنجح يوم أن هجمت جحافل التتار الوحشية على بلاد المسلمين تسفك الدماء، ولكن صمد المسلمون وبقي الإسلام وفنيت دولة التتار، واستطاع نور الإسلام أن يحول طائفة من وحوش التتار إلى هداة مهديين مسلمين.
ولو قُدر لهذا الهدف أن ينجح لنجح عندما تجمعت شراذم الصليبيين في أوروبا تحت راية ما سمي بالحملة الصليبية على المسلمين، ولكنهم لم يحققوا هدفهم فخابوا وخسروا وارتدوا على أدبارهم وبقي الإسلام عزيزاً وبقي المسلمون. وفي القرنين الأخيرين احتلوا بلاد المسلمين وسرقوا ثرواتهم ولكنهم فشلوا في محو المسلمين.
ومنذ سنوات أعلنها بوش حرباً صليبية وظل ثمانية أعوام يحارب بلا هوادة ولكنه خرج من الحكم غير مأسوف عليه.
وأخيراً، العجيب أن عقيدة ايريك برنس وهدفه العنصري يصدر من شخصية أميركية في بلد يدعي الحرص على العدالة وحقوق الإنسان والمساواة والوقوف ضد التمييز العنصري ومحاربة الاضطهاد الديني، بل وتوظف أميركا جميع إمكاناتها لفرض هذه الشعارات في العالم في الوقت الذي تتحقق فيه هذه الشعارات عند كثير من الأميركيين داخل أروقة السياسة والحكم في أميركا. إنه تناقض لافت يكشف عن بقايا عقلية صليبية لاتزال تعشش في عقول بعض الأميركيين.
ممدوح إسماعيل
محامٍ وكاتب
[email protected]