من هو اليهودي الذي يكره نفسه؟

تصغير
تكبير
مَن المذنب في النزاع الجديد الناشب مع الولايات المتحدة حول بناء حي جديد في «الشيخ جراح» في القدس؟ رئيس البلدية نير بركات الذي يشجع ويدفع تنفيذ المشروع؟ بالتأكيد لا. رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي وقف من ورائه؟ كلام فارغ. كل طفل يعرف أن كل ذلك يتم بجريرة يهود آخرين: رام عمانويل وديفيد اكسلرود المسؤولان في الإدارة الأميركية اللذان يحرضان الرئيس باراك أوباما ضد أبناء شعبهما.
ليست هذه المرة الأولى التي يقوم فيها «يهود يكرهون أنفسهم» بالتسبب في المشاكل لنا. خلال مفاوضات فصل القوات في السبعينات حظي وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر، وهو ابن لعائلة لاجئين يهود فروا من ألمانيا النازية، بالنعت اللا سامي «جو بوي». في أواخر الثمانينات عندما تجرأت إدارة بوش الأب على الادعاء بأن عملية السلام لا تتساوق مع توسيع المستوطنات، شرعت حكومة شامير في حملة تحريض ضد «ثلاثية اليهود الصغار»: دينيس روس، أهارون ميلر ودان كيرتسير. الآن جاء دور المقربين اليهود من الرئيس أوباما حتى يلعبوا دور القربان.
من السهل تخمين الجلبة التي كانت ستندلع في القدس لو أن زعيماً أو صحيفة عربية تجرأوا على الادعاء بأن الرئيس الأميركي يميل لصالح إسرائيل بسبب تأثير مستشار يهودي. نتنياهو الذي قضى أعواماً كثيرة في الولايات المتحدة يعرف جيداً مدى حساسية المسؤولين الأميركيين اليهود الذين يشغلون مناصب مركزية حساسة لكل تلميح لازدواجية الولاء لبلادهم ولوطنهم التاريخي. يتبين أن السياسة تُخضع عنده إلى القاعدة الحديدية القائلة «أبناء إسرائيل يناصرون بعضهم البعض». من أجل إرضاء المستوطنين يسمح نتنياهو لنفسه بالتعرض لأشخاص كل خطأهم أنهم يحاولون دفع أهداف موجودة في مكان بارز من برنامج شريكه الأكبر... «حزب العمل».
نحن نحب أن يكون يهودنا في الإدارة الأميركية عاجزين عن رؤية المستوطنات، وغير قادرين على الاحساس بشكاوى العرب. مثلاً اليوت ابرامز الذي كان مسؤولاً عن الشرق الأوسط في إدارة بوش، ابرامز المحسوب على اليمين المحافظ الجديد اسهم اسهاماً مهماً في إعداد سلسلة طويلة من الأوبئة التي أنتجت في إسرائيل. هو كان وكيل مبيعات متميز لنظرية «اللا شريك» والروح الحية لسياسة التسامح مع انتشار المستوطنات. في الآونة الأخيرة وجه انتقادات علنية لحل الدولتين الذي طرحه الرئيس الذي استأجر خدماته لأسباب منها دفع هذا الحل.
أوباما كان قد أوضح منذ حملته الانتخابية أنه ليس في حاجة إلى الانضمام لـ «الليكود» حتى يكون صديقاً لإسرائيل. استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة تشير إلى أن أغلبية اليهود ينادون بموقف أقرب لنهج المنظمات الاصلاحية مثل «السلام الآن»، و«غاي استريت» الذين ينادون بحل الدولتين ويرفضون نظرية افيغدور ليبرمان والأكثر من ذلك... أغلبية حاسمة تتحفظ من المستوطنات.
المحادثة التي جرت بين باراك أوباما والممثلين اليهود الذين التقاهم في هذا الأسبوع تؤيد أن نتنياهو يقوم بتجنيدهم بحربه غير الصحيحة. حتى مؤيدوه القدامى لم يهاجموا موقف الرئيس في قضية المستوطنات واكتفوا بالشكوى من مستوى البروز المرتفع الذي تظهر فيه الاختلافات في الرأي في قضية التكاثر الطبيعي.
أحد الضيوف ادعى بأن التاريخ يشير إلى أن كشف الاختلافات في الرأي بين الولايات المتحدة وإسرائيل في وضح النهار لا يسهم في تقدم عملية السلام. «هذا ليس ما تعلمته من تجربتي في الأعوام الثمانية الأخيرة» رد الرئيس عليه. أضف إلى ذلك أنه قال إنه لن يخشى من الضغط على الأطراف بما في ذلك إسرائيل طالما أن الأمر سيخدم مصالح الولايات المتحدة وكذلك مصالح إسرائيل.
أوباما لم يتردد في التصريح أمام اليهود بأن سياسته بصدد الصراع ستكون خالية من ذر الرماد في العيون باستثناء الالتزام الخاص بأمن إسرائيل. ان برزت حاجة، اضاف الرئيس أنه سيتوجه للإسرائيليين كما تحدث مع العرب والمسلمين حتى يساعدهم في اجراء حساب مع أنفسهم. أوباما استوعب ما رفض أسلافه فهمه: المؤيدون التقليديون لليمين الإسرائيلي يفقدون صلتهم بالمجريات. هم يخلون مكانهم لقوى شابة ليبرالية تتماهى مع قيم أوباما. وفي «أحسن» الأحوال تحريض نتنياهو ضد «اليهود الكارهين لأنفسهم».
عكيفا الدار
«هآرتس»
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي