ممدوح إسماعيل / تفجيرات الجزائر ولغز الرقم 11

تصغير
تكبير

لم يهنأ الشعب الجزائري بالأمن منذ خمسة عشر عاماً تقريباً، فالأحداث لا تتوقف وشلال الدماء الجزائري لا يتوقف ودماء الأبرياء لا تجف على أرض الجزائر الشقيقة، وكان آخرها يوم 11 ديسمبر، عندما انفجرت شاحنتان قرب مبنيين أحدهما للأمم المتحدة والآخر للمحكمة الدستورية الجزائرية، وقد تركا وراءهما أعداداً من القتلى والجرحى.

ومع استنكاري وإدانتي لقتل الأبرياء والعنف في الجزائر الشقيقة «بلد المليون شهيد» من أجل الحرية والكرامة، إلا أن لي وقفات عدة مهمة.

أولاً: ذلك التوافق العجيب مع الرقم 11 فأخيراً تفجير في 11 ديسمبر، ومنذ شهور وقعت ثلاثة تفجيرات أيضاً يوم 11 أبريل الماضي في الجزائر، راح ضحيتها كثير من الأبرياء. والتنظيم الذي يتبنى العملية أعلن عن نفسه باسم «قاعدة المغرب»، والعملية الشهيرة للقاعدة تمت في 11 سبتمبر، عندما استهدف مركز التجارة العالمي والبنتاغون في الولايات المتحدة الأميركية. الحقيقة أن السر غامض في الرقم 11، هل هو نوع من التفاؤل من المنفذين أم يحمل دلالات أخرى؟ إنه سر لا يعلمه غير القائمين على تلك العمليات، حقاً إنه لغز.

ثانياً: تبنى العملية تنظيم ملتحق بـ «القاعدة»، وأطلق على نفسه «قاعدة المغرب العربي»، وأصبح العالم مقسماً بين تنظيمات «القاعدة» والقواعد الأميركية.

لكن السؤال المحير: كيف تسنى لهذا التنظيم الذي يختبئ في غابات الجزائر ـ كما ذكرت الأخبار والتقارير ـ أن يتصل بتنظيم «القاعدة» الذي هو أيضاً مختبئ لا يعلم مكانه أحد؟ التقارير تذكر أنه ربما في أفغانستان وباكستان، المهم أنه في آسيا. كيف التقى تنظيمان أحدهما في آسيا والآخر في شمال أفريقيا وكل منهما يبعد آلاف الكيلومترات عن الآخر، وبينهما آلاف المعوقات ووراءهما جيوش من الأمن والمخابرات تلاحقهما، كيف التقيا واتحدا؟ ثم يعلن زعيم تنظيم «القاعدة» عن انضمام «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» إلى تنظيمه تحت اسم «قاعدة المغرب العربي». إنه لغز آخر؟

ثالثاً: كان مردود تلك العملية عجيباً فقد افتخر منفذو العملية، واعتبروا منفذي العملية شهداء! واعتبروا أن المقصودين مرتدون! وهو ما قابله على الجهة الأخرى، إنكار واستنكار وإدانة، سواء من إسلاميين «جماعات وأفراد» أو هيئات رسمية.

ولكن الدكتور عباس مدني رئيس «جبهة الإنقاذ» ـ التي كان لها دور مهم وحيوي في العقدين الأخيرين في تاريخ الجزائر ـ ذهب إلى اتجاه آخر تماماً، إذ حمل مدني الغرب المسؤولية عن الأحداث التي تشهدها الجزائر، مشيراً إلى أن فرنسا والغرب لا يريدان الاستقرار للجزائر.

وقال مدني: «إن مرتكبي هذه الأحداث «أرادوا مزيداً من الانتقام من الشعب الأبيّ الذي رفض الاستعمار، وبالتالي كلما دنت الجزائر نحو المخرج حاول أعداؤها ردها إلى الوضعية التي كانت عليها».

وأضاف مدني: «نحن - الجزائريين - مسؤولون أمام الله والشعب وأنفسنا ولقد تخلينا عن واجبنا وأمتنا».

وفي سؤال عن الربط بين وقوع أحد هذه الانفجارات أمام المحكمة العليا - والتي من المنتظر أن تنظر مناقشة بعض التعديلات الدستورية والتي تتيح للرئيس عبد العزيز بوتفليقة الترشح لولاية ثالثة - لم يستبعد مدني هذا الاحتمال، مشيراً إلى أن هذا يعد من أبعاد المشكلة منذ مرحلة الاستقلال كل رئيس يعين، ثم ينتخب. وتابع مدني: «منفذو التفجيرات لا صلة لهم بجزائر المجد والحريات والتضحية والشهادة والتمكين لدين الله، بلد الحق والعدل والحرية، هذا خلط لنعد إلى قواعد التاريخ». وختم كلامه متسائلاً: من المستفيد من هذا الوضع؟

هذا هو نص تعليق الشيخ عباس مدني الذي نشره موقع «الإسلام اليوم »، وهو يثير الغموض عن الحادث البشع، ويزيد من الألغاز في فهم الواقع الجزائري الذي هو أعلم الناس به؟

رابعاً: جاءت تلك العملية في توقيت عجيب، لا أظنه مقصوداً من منفذي العملية وإلا أشاروا إليه في بيانهم، الا وهو حالة المراجعات الجهادية التي قام بها الدكتور سيد إمام في كتابه «وثيقة ترشيد العمل الجهادي» ونشرته معظم وسائل الإعلام العربية والعالمية.

ومن المعلوم أن سيد إمام المشهور باسم عبد القادر عبد العزيز  معروف عند الشباب الجزائري. فلماذا لم يهتموا بمراجعاته، خصوصاً أنها تواكبت مع خطاب الإصلاح الذي دعا إليه بن لادن للمقاومة في العراق إلى معالجة أخطائها؟ لا شك أن هناك حلقة مفقودة خصوصاً أن الكثيرين من العلماء انتقدوا هذا الفكر العنيف الذي يزهق أرواح الأبرياء، فلماذا انقطعت حلقة الاتصال بين المصلحين وهؤلاء الثائرين بغير روية؟ لا شك أنه يوجد لغز،  وهذا يحتاج وقفة من العلماء.

ويبقى تساؤلان. الأول: أليس من العجيب أن تستمر هذه العمليات رغم مبادرة المصالحة التي يتبناها الرئيس الجزائري شخصياً وأفرج بمقتضاها عن الكثيرين من المعتقلين الإسلاميين في السجون الجزائرية، فلماذا الاستمرار في العنف؟

الثاني: لماذا هذا الغضب كله؟ لقد حملت كل شاحنة في العملية الأخيرة، حسب البيانات المنشورة 800 كيلوغرام من المتفجرات وقتل منفذو العملية، وقد نُشر أن أحد منفذي العملية يبلغ من العمر 60 عاماً، وهو شيء لافت جداً؟

أخيراً، إن العالم العربي والإسلامي يموج بتصادم أمني وفكري عنيف، فمتى يصل إلى شاطئ الأمان؟ اللهم سلّم الجزائر وبلاد المسلمين من كل شر.


ممدوح إسماعيل


محام وكاتب مصري

[email protected]

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي