فهيد البصيري / في رثاء المغني الضرورة!

تصغير
تكبير
قبل أيام اهتز العالم من أقصاه إلى أقصاه، من مغرب الشمس إلى مشرقها ولم يكن ذلك بسبب استجواب وزير الداخلية الكويتي، بل بسبب انتقال مايكل جاكسون إلى الملكوت الأعلى، وقد ذهب مايكل إلى هناك، بما له وما عليه، وترك في الدنيا ما له وما عليه، فقد ترك أمواله وديونه، وأبناءه الذين بالتبني وأبناءه الذين بالتجني، والقضايا التي له، والرزايا التي عليه، بل وورط، حاشا الله غير عامداً، في آخر لحظات حياته، عدد من متعهدي الحفلات الذين باعوا تذاكر حفلات كان من المقرر أن يحييها لاحقاً ولكنه لم يحيا إلى يوم هذه الحفلات. وأنا (اسم الله عليّ) من جيل مايكل جاكسون. ورغم أنني عاصرت عهده الخشبي ثم لاحقاً عهده الذهبي، إلا أنني لا أتذكر لحناً واحداً، ولا أغنية واحدة من أغانيه التي أرقص بها الملايين من حولي طوال هذه الأعوام، ولا أعتقد أن المشكلة في ذوقي فأنا أتذوق الموسيقى من (الدحه) إلي السيمفونية، ورغم أنني لا أستمع له إلا أنه نجح نجاحاً أسطورياً لم يسبقه إليه أحد، وأصبح كما نقول مالئ الدنيا وشاغل الناس! وحياة هذا الإنسان غريبة فقد أمسى فقيراً، وأصبح ثرياً، وولد اسود ومات أبيض، وبدأ مع فرقة من خمسة أفراد ثم أصبح هو الفرقة وحده، وعمل جاكسون ثلاث عمليات فقط من أجل تجميل أنفه رغم أن الإنسان عندنا (ماله إلا خشمه ولوكان أعوج) فقد كان مصاباً بعقدة من أنفه والسبب أن والده كان يقول له: يا قبيح. وقد يكون أبوه على حق!
والحقيقة أن أسطورة جاكسون الإعلامية جزء منها يعود إلى تصرفاته الغريبة، والقضايا المثيرة التي رفعت ضده، ولكن سلسلة المعجبين لم تتوقف حتى وصلت إلى رؤساء أعظم الدول في العالم، فقد استقبله الرئيس الأميركي ريجان، واستقبلته ملكة بريطانيا، ونال من الجوائز ما لم ينلها عالم الفضاء العربي فاروق الباز. وحصل على ألقاب لم يحلم بها صدام حسين، إلا أن الغرب فاتهم أن يطلقوا عليه الراقص الضرورة، ثم دخل جاكي، اسم الدلع للمرحوم، «موسوعة جينس للأرقام القياسية» دخول الفاتحين ولأكثر من مرة بسبب أرقام مبيعات ألبوماته الخيالية، كل هذا وأنا لم أكلف نفسي سماع أغنية واحدة من أغاني هذا الأسطورة الذي سطع نجمه رغم أنفي ورغم أنوف الكثيرين! وليس هذا فقط بل سيبقى ذكر هذا الفنان الراقص بعد وفاته لأجيال عدة، وستؤلف حوله الروايات، وتصور عنه الأفلام وستلطم عليه مكائن الطباعة لتتحفنا بسيرة حياته العطرة، وبتحليلات عن هذه الظاهرة الكونية العجيبة.
وكنهاية سعيدة لفلم عربي قديم دخل مايكل حظيرة الإسلام، والحمد لله، ولا أحد يجزم بذلك، ومايكل كغيره من أباطرة المال العالميين تبرع بملايين الدولارات لمشاريع خيرية (تصور يا البراك)، وحتى لا نضعه في مصاف أستاذنا في الكرم حاتم الطائي، فإن عملية التبرع التي يقوم بها هؤلاء المشاهير، ليست كلها لله، فهي أسلوب شهم لكبح شهية جامعي الضرائب، والمهم أنه تبرع والسلام.

وخلاصة القول، هو من منا يتوقع بعد وفاته لا سمح الله! أن يكتب أحدهم فيه مقالة بهذه العذوبة من شخص لا يعرفه ولا يمت له بصلة وليس من معجبيه، وتفصله عنه أزمنة وثقافات ومحيطات تقتل أقسى الرجال وحشة؟ لا أحد طبعاً! ولكنها آلة الإعلام الأميركية المتوحشة، هي من تغري بذلك، فهي صانعة الأساطير، وصاحبة المعجزات، وهي كفيلة بتحويل الكلمة إلى رواية تراجيدية، والحجر إلى صرح مهيب، والإنسان إلي إله عاجز! بينما نصب الإعلام في أميركا وفي غيرها نفسه إلها للأحلام البشرية،، يلهث خلفه العالم بأسره، صغاراً وكباراً، دولاً وأفراداً، رؤساء ومجرمين، يضحون في سبيله، ويضحي بهم، ينفقون عليه لينفق عليهم، يعيشون من أجله ويموتون بسببه، وفي كل يوم جديد يثبت الإعلام أنه إله بلا منازع ولكنه إله من الأكاذيب!
فهيد البصيري
كاتب كويتي
[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي