وقفة / الموهبة وحدها لا تكفي

تصغير
تكبير
|بقلم: عبد الرحمن ناهي|
لموهبة إحدى أركان النجاح الأساسية للشاعر ولكن لابد لها من المقومات المساعدة لها مثل سعة الاطلاع والخيال الواسع واختيار المواضيع التي تلامس الواقع والمجتمع والابتعاد عن التعقيد المتعمد في القصيدة وأقول المتعمد لأن كل شيء متصنع لا يقارن بالتلقائية فالمسألة ليست موهبة فقط بقدر ما هو ذكاء يبعده عن القصيدة العادية وينقله إلى القصيدة المميزة فالشعراء في العصور التي سبقتنا لم يكن يعرفون التجانس والطباق والمحسنات البديعية كمسميات وإنما لا مسوها بذكائهم الفطري الذي يفترض أن يصاحب كل شاعر ولو عملنا إحصائية للشعر لقدر العدد بمئات الألوف من القصائد ولكن كم قصيدة وصلت إلى القلوب وحفظت لجمالها وكم قصيدة رفضتها الخواطر ولم تتقبلها ؟ أكيد لا يوجد مقارنة لأن الطيب من الشعر كالطيبين من الرجال دائما عددهم قليل . فنحن عندما نقرأ شعر مثل (( الأرض أرض والسماء سماء والأرض قالوا إنها صفراء )) ماذا نستفيد وماذا أضاف الشاعر فالكل يعرف أن الأرض اسمها ارض والسماء اسمها سماء والأرض حسب لون التربة إما حمراء أو صفراء وهذا لا يسمى شعراً وكذلك سوء اختيار الوصف كقول أحدهم
وبطيخة خضراء في كف أغيدي
أتــى بــهـــا فـــأرتــاح ذو الهم وابتهــج
وأقـــبــــل يفـــريـــهــا بمـــديــتـــه
فرى طرفي الساجي القلوب مع المهج
فالشاعر أساء اختيار الموصوف وكذلك التشبيه في قوله يفريها بمديته أي شبهها كالقصاب لأن قوله مديته صفه ملازمة على طول وهنا نلاحظ سوء الاختيار بينما يحسن الأخر الوصف في قوله في الريحان .
وغصن من الريحان أخضر ناضر
نما بين غصن نرجس وشقائــق
يريـك إذا كـف الصبا عـبـثـت بـه
شمائل مـعشـوق وذلة عاشــق
طبعاً الفرق واضح بين الوصفين أما استخدام الشاعر لثقافته في قصيدته فيجب أن يكون ضمن المعقول فالغوص في أعماق التاريخ المندثر ليس كالمعلومة العامة التي تؤخذ من المجتمع أو القرآن والسنة والتي تضيف للشاعر وتفيد المتلقي إذا المسألة ليست موهبة فقط إنما تحتاج إلى ذكاء في اختيارمواضيع متجددة تلامس الواقع بحيث لو قراها المتلقي يحس بها ينفس شعور قائلها وطبعاً الكلام سهل والمشكلة في التطبيق ومن هنا يأتي الإبداع والتميز ليتفاوت الشعراء في المستويات ويختلف الجمهور في الذوق والاختيار واعتقد كل شاعر مع الوقت راح يأخذ جمهور فاللي رزق كاتب (بحبك ياح...) وأنت الذي في السما فوق فوق) أكيد راح يرزق بقية الشعراء بعدد لا بأس به من الجمهور يستطيع أن يمشي الخيلاء ويركب التيه لمدة يوم وليلة ثم يفيق بعد ذلك ليجد نفسه منفرداً في صحراء النسيان ويلحق بمن سبقه ، بينما يلتقط التاريخ من بين هؤلاء المبدعين ويرتقي بهم إلى عنان السماء ليصبحوا نجوماً .
ولكن السؤال هنا هل يتجاوز هؤلاء عدد أصابع اليد رغم اعتقاد كثير من شعراء (انا الذي) بأنهم نجوم ؟ هذا ما سيخبرنا به التاريخ لاحقا.
[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي