كلما فكرنا في الخروج من الأزمة نجد انفسنا امام طرق مسدودة وأزمات اكبر. الجميع مع الاصلاح. الجميع مع التغيير. الجميع مع التعاون. الجميع مع التطور... صارت اللغة واحدة مشتركة بين السلطة والمعارضة، وبين انصاف السلطة وانصاف المعارضة، وبين شخصيات في الاسرة وشخصيات من خارج الاسرة، وبين ممثلي القبائل والمناطق والطوائف وممثلي التيارات الليبيرالية.
احفظ السطر الاول فقط من الشعار وستراه عند الجميع. اقرأ تصريحات النواب والبيان الحكومي واستمع الى خطابات المسؤولين فلن تجد اي فرق، فهنا دعوة لاحترام القانون وهناك كذلك، وهنا دعوة للتعاون وهناك كذلك، وهنا رفض للتجاوزات وهناك كذلك، وهنا دعوة لاطلاق المشاريع وهناك كذلك، وهنا اتهام للآخر بالعرقلة وهناك اتهام للآخر بالعرقلة.
أين المشكلة؟
ببساطة، المشكلة في غياب البرامج الفعلية عند الجميع وكثرة المشاريع الشفوية عند الجميع. وايضا في غياب آلية المحاسبة، فلا احد يحاسب نائبا او تيارا سياسيا على غياب البرنامج من جهة وعدم تطبيق الوعود من جهة اخرى، ناهيك طبعا عن ضياع الاولويات بين المجلس والحكومة وهو الامر الذي سئم الناس من رصده وسماعه والحديث عنه.
واذا وجدت البرامج (الظرفية واللفظية طبعا) فهي ايضا شعارات. كلمات. واحيانا اشبه بالهتافات في التظاهرات أو بالاناشيد الوطنية. لم تخضع مثلا (ونقول على سبيل المثال لا الحصر) قضية الضريبة للبحث المعمق والدرس المفصل. صحيح ان الموضوع في ظاهره «غير شعبي» وسيكون مادة انفعال انتخابي واسترزاق سياسي، لكننا سنصل اليه منهكين متعبين في ظل الازمات الاقتصادية المتلاحقة بدل ان نخطو في اتجاهه خطوات مدروسة متزنة مستفيدين من عامل الوقت.
وللضريبة على المواطنين وجهان، الاول مالي اقتصادي بحت والثاني سياسي تشاركي بامتياز.
في الوجه الاول تكون الضريبة جزءا من الخروج من حالة الاتكال التي سادت طبيعة قطاع العمل لدينا لعقود. منطقية وتصاعدية، بمعنى انها بسيطة لاصحاب المداخيل البسيطة ومرتفعة لاصحاب الدخول المرتفعة ضمانا للانصاف والعدل والتوازن، فمن كان دخله بالمئات تفرض عليه ضريبة بسيطة ترتفع تدريجيا ونسبيا لمن كان دخله بالآلاف والملايين وهو الامر المعمول به في كل الدول المتقدمة التي تتراوح مستويات الضريبة فيها بين اقل من عشرة في المئة وصولا الى 50 و60 في المئة. هنا، تكون ضرائب اصحاب الدخول العالية والعالية جدا سندا مهما لمن كانت ضرائبهم متواضعة... تحصل الخزينة على مداخيل جديدة ويعلم العادي والمقتدر والثري انه مطالب بالمساهمة في الخدمات العامة مثلما هو مطالب بانتقاد تردي الاوضاع في هذه الخدمات.
وفي الوجه الثاني، يفرض الانتظام في تطبيق نظام الضريبة نوعا من المشاركة الحتمية المفروضة في مختلف المجالات، فالشراكة هنا تحصيل حاصل وليست منة من احد، وتطوير الخدمات واجب وليس اجتهادا. بمعنى آخر، لن يعود المواطن مضطرا الى اللجوء الى صاحب النفوذ شيخا كان او نائبا او وزيرا او وجيها في هذه القبيلة او تلك الطائفة من اجل وظيفة او معاملة او واسطة، فدافع الضرائب يملك حقا ماديا ومعنويا وادبيا وقانونيا في الفرص المتساوية سواء تعلق الامر بالتوظيف او بالحصول على سرير في مستشفى او مقعد في الجامعة. بل هناك ما هو اهم من ذلك بكثير، مساهمة دافع الضرائب بشكل اكبر في تحسين مستوى هذه الخدمات من خلال رصده الدائم لها سواء تعلق الامر بالتعليم والصحة والاتصالات والمواصلات والكهرباء والبنى التحتية فقد اصبح شريكا في موازناتها ولو من باب القيمة الرمزية او الكبيرة التي يساهم فيها.
وما ينطبق على الشراكة في الخدمات ينطبق ايضا على الشراكة السياسية.
بالتأكيد لن تنتفي الواسطات مع اقرار الضريبة ولن تستقيم الامور بسحر ساحر لكن لا بد من بداية مؤسساتية ما للتغيير، وبالتأكيد لن تكون هذه النقطة بندا لا في برنامج اي نائب ولا في برامج الحكومة، وان وجدت فمن باب رفع العتب والتنظير او من باب التهجم الاعمى عليها والتكسب الشعبي منها. لكن تغييبها هو مصلحة للسلطة غير الراغبة في اعطاء المشاركة بعدا مؤسساتيا تنظيميا ومصلحة في الوقت نفسه للمعارضين الذين خدروا الناخبين ايضا بوعود عززت مفاهيم اتكالية من دون حلول واقعية اللهم إلاّ المتاجرة بشعاراتها كل اربع سنوات.
سنسمع بالتأكيد من يقول ان الضريبة «مؤامرة جديدة» على الشعب الذي يعاني اجتماعيا وسياسيا. وسنسمع من يقارن بين مساعدات الكويت للخارج وبين فرض ضرائب على المواطنين الذين سيدافع النواب عنهم «بالروح والدم»... وسنسمع ايضا رفضا حكوميا لفرض الضرائب على اساس التعاون مع المجلس وعدم ترك بعض الاعضاء «يستفيدون وحدهم من الشعبية والنجومية» وربما على اساس صفقة تحول دون مساءلة الوزير او رئيس الوزراء.
الحكومة بنهجها تسد ثغرة فتنفتح امامها عشرات الثغرات، وبعض النواب مقتنع تماما بأهمية الضريبة لاستقامة وتوازن الحياة العامة لكن عينه على صندوق الاقتراع، اما من يتحدث بواقعية وعلمية عن امر يخرج عن اطار الصراخ والهتاف والتكسب و«الشعبوية» الزائفة... فسيدفع «ضريبة» تصنيفه فورا بأنه «متآمر» على الناس وسيسمع ان «الغيورين والمؤتمنين» لن يسمحوا له بتمرير «مؤامرته».
عمار يا كويت!
جاسم بودي