لقد بينت بوضوح في مقال سابق بأن المسلم يحسن الظن بإخوانه المسلمين ولا يكفرهم ولا يخرجهم من الإسلام بأمور قد يجهلونها ولم تقم عليهم الحجة بها، فكلمة لا إله إلا الله حصن حصين لا يجوز تجاوزه أو إخراج المسلم منه دون ادلة قاطعة واقامة الحجة وانتفاء الموانع.
لكن هل يعني كلامنا هذا الا نتناصح فيما بيننا ويرشد بعضنا بعضا إلى ما نعتقده الحق وننصح به اخواننا؟! وهل نقول بأن كل رأي قال به مسلم هو من الإسلام حتى ولو تصادمت الآراء وتناقضت؟! العقل الصحيح يمنع ذلك ويدل على ان الحق لا يتعدد، والله تعالى يأمرنا بان نسير في الارض ونتدبر في الخلق لنعرف الحق من الباطل وكذلك الدين الصحيح الذي دلت عليه الآيات الواضحة البينة.
ان من اهم مقتضيات كلمة (لا إله إلا الله) هو إفراد الله تعالى بالتوحيد الخالص والعبودية وتنزيهه عن جميع الشركاء، وهو ما يميز الدين الإسلامي عن جميع الاديان والعقائد في العالم التي لابد وأن تشرك المخلوقين في صفات الخالق.
لقد حرص الاسلام على صيانة كلمة التوحيد إحاطتها بسياج قوي لا يمكن اختراقه، فلم يترك صفة من صفات الكمال الا ووصف بها الرب سبحانه نفسه، ونزهه عن خلقه، وحذرهم من إعطاء البشر اي صفة لا تنبغي إلا لله تعالى مثل علم الغيب وصنع المعجزات الا ما يسمح به لرسله من أجل تبليغ الرسالة، حتى رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم وهو أكرم الخلق على الله امره ان يكرر عليهم في كل مناسبة (ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء)، و(قل لا يعلم من في السماوات والارض الغيب الا الله)، وقد نهى صحبه الكرام عن اطرائه كما فعلت النصارى بعيسى ابن مريم عليه السلام، ونهاهم عن اتخاذ قبره عيداً كما فعلت اليهود والنصارى، وقال لأهل بيته: (سلوني ما شئتم- في حياتي- فاني لا اغني عنكم من الله شيئا)، ووجه سبحانه الدعاء له وحده سبحانه دون واسطة (وقال ربكم ادعوني استجب لكم)، ونفى العلم والقدرة عن الأموات مهما علت منزلتهم «والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون».
ولم يكن ذلك التشديد من الرب سبحانه دون مبرر إذ ان الله تعالى قد بين في كتابه الكريم بان منشأ الشرك في العالم هو من تقديس الصالحين ودعاء الاموات والاستعانة بهم وطلب كشف الكربات منهم، وقص علينا قصص قوم نوح عليه السلام الذين شيدوا الاصنام تعظيما لمن مات من الصالحين، ثم مالبثوا ان عبدوهم، وقوم موسى ومشركي العرب وغيرهم، ونحن لا نقول بان كل من يتقرب إلى الأموات أو يدعوهم فهو يعبدهم، ولكن تظل هذه ذريعة إلى عبادتها لسنا بحاجة إلى الاستدلال بروايات شاذة لنفي ما قرره القرآن الكريم ودلت عليه الادلة العقلية والنقلية الصحيحة، بل ان هذه الامور تعتبر من البديهيات التي لا تحتاج إلى اثبات او ادلة (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء).
لقد عانت الامة الإسلامية اشد المعاناة عندما تحول الاحياء فيها إلى الاموات يطلبون منهم البركة وكشف الكربة، ويقدمون لهم القرابين والنذور ويشيدون على قبورهم ويتبركون بها ويطوفون عليها كما قال الشاعر:
احياؤنا لا يرزقون بدرهم
وأمواتنا يرزقون بألف ألف درهم
ولك ان تذهب إلى المزارات والقبور والاضرحة المنتشرة في بلدان العالم الاسلامي مثل الهند وتركيا ومصر وإيران وغيرها لتشهد كيف تحول الاحياء إلى أموات وامواتنا إلى احياء، وعندما هاجمهم الاستعمار الغربي فزعوا إلى الاولياء المزعومين ليحرروهم وينقذوهم.
نحن في أشد الحاجة اليوم إلى تنشئة ابنائنا على التوحيد الصحيح والتوكل على الله وحده ونبذ الخرافات والبدع التي دمرت امتنا ونشرت الجهل والضعف بيننا «أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه».
د. وائل الحساوي
[email protected]