لقد كان الاعتقاد السائد لدينا أن الـــــدول الديمــــــوقراطية الكبرى هي دول مؤســــسات وليست افرادا، وان رأي رئيس الدولة واعتقاده لا دخل له بسياسات الدولة، ولكن ما حـــــدث في الولايات المتـــــــحدة الأميركية خـــلال ثــــلاثة أشــــهر جعلني اعيد التفكير في تلك القناعات واعقـــد مقارنة ما بين الرئيس السابق جورج بوش الذي صرح بوضوح بأن الحرب الصليبية قد ابتدأت ومن ليــــس معنا فهو ضدنا، وبين الخطاب التاريخي لأوباما قــبل أيام وكلماته التي اوضح فيها بأنه قد جاء للبحث عن بداية جديدة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي دون تعارض أو تنافس.
ويتساءل الإنسان: هل لجذور أوباما المسلمة ونشأته دور في ذلك الخطاب التسامحي؟! وإذا كان الجواب بنعم فكيف يسمح الحزب الديموقراطي الذي يهيمن على الولايات المتحدة ويحكمها والذي فيه نسبة كبيرة من اليهود، كيف يسمح لأوباما بأن يسخّر الولايات المتحدة لخدمة أهداف رئيسه؟!
كما يتساءل المرء: هل شعرت الولايات المتحدة فعلا بالعزلة والكراهية الشديدة من جميع شعوب العالم وكانت بحاجة إلى من يخرجها من عزلتها لا سيما مع العالم الاسلامي الذي اساءت اليه أيما إساءة؟!
في اعتقادي ان هذا هو التفسير الأنسب لما يحدث من تغير في سياساتها والتي يقودها اليوم انسان مفوه جريء وصاحب رؤية كبيرة مثل أوباما.
نحن لا نخالف الذين يقولون بان ما رفعه اوباما مجرد شعارات تحتاج إلى تطبيق عملي، وان عملية التغيير أكبر بكثير من مجرد خطابات او شعارات لا سيما وان هنالك قضايا شائكة ومعقدة اكبر من قدرة أوباما وادارته على تجاوزها وأهمها القضية الفلسطينية، فمن الواضح ان اوباما لا يقدر على الضغط على الكيان الصهيوني لتحقيق حل الدولتين ولا بتوقيف الاستيطان، وقد يفقد رئاسته اذا تجرأ على تخطي الخطوط الحمراء كما حدث لجورج بوش (الأب) عندما تحدى اسرائيل، كما ان مساواة العنف الفلسطيني بالعنف الاسرائيلي ظلم لذلك الشعب المنكوب الذي فقد كل شيء وتتم معاقبته حتى على تأوهاته وهو يرزح تحت ثقــــل الاغــــلال التي تكبــله وتقضي على حريته.
اما مشكلة العراق وأفغانستان، فقد فرحنا عندما بين اوباما بانه لا يريد البقاء فيهما ولا بناء قواعد عسكرية- وان كان هذا الكلام يصعب تصديقه- لكن الواجب على الولايات المتحدة ان تعترف بانها هي التي فاقمت من معاناة هذين البلدين بسياساتها الخاطئة وهي التي اعطت الجماعات الارهابية جميع المبررات لحشد التأييد لها من بعض الشباب المسلم لا سيما عندما لم تفرق الولايات المتحدة بين الدعوات الاسلامية السلمية والمعتدلة التي تحرص على مصلحة بلادها وتحارب الارهاب وبين جماعة القاعدة ومن سار على دربها، بل طالبت بتغيير مناهج الدين وانتقدت دولا حليفة مثل السعودية، فهل يستطيع اوباما ان يقلب المعادلة وان يرجع الامور إلى وضعها الصحيح؟!
كم نتمنى للرئيس اوباما ان ينجح في مسعاه وان تكون مبادرته بداية خير للعالم كله.
د. وائل الحساوي
[email protected]