د. عبداللطيف الصريخ / الأفق... زاوية مستقيمة!

تصغير
تكبير
تعتبر حصة الرياضيات بالنسبة إلي من أفضل الحصص الدراسية على الإطلاق، وهو ما يعارضني فيه كثير من الناس، إذ كنت أعشق الرياضيات، ولعل البعض يشاطرني هذا العشق، فقد كنت أحصد فيها أعلى الدرجات، وكانت بالنسبة إلي مثل «شربة ماي».
درست ما يسمى بالهندسة الفراغية، إذ تعلمت الأشكال الهندسية، ومكوناتها من خطوط مستقيمة وزوايا، حيث يتكون المربع من أربعة خطوط مستقيمة متساوية الأضلاع بينها زوايا قائمة، أما المثلث فيتكون من ثلاثة أضلاع تختلف قيمة الزوايا بينها، ولكن مجموع الزوايا هو 180 درجة، وهلم جرا.
تعلمت كذلك في الهندسة الفراغية أن هناك أسماء خاصة للزوايا بين الأضلاع، فإن كانت الزاوية أقل من 90 درجة تسمى «زاوية حادة»، وإن كانت 90 درجة بالضبط تسمى «زاوية قائمة»، وإن كانت 180 بالضبط درجة تسمى «زاوية مستقيمة»، عدا هذه القيم للزوايا تُسمى «زاوية منفرجة».

أعلم أن البعض «لاعت جبودهم من هالسالفة!»، ولكن أعدكم أنني لن أتطرق لهذا الموضوع مرة أخرى، دعوني فقط أسترسل قليلاً في «الزاوية المستقيمة»...
«الأفق» كزاوية مستقيمة يمتد من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، على امتداد ما يصل إليه النظر، البعض من الناس يركز عن نقطة معينة في الأفق الواسع ويتأمل فيها، والبعض يوسع هذه النظرة قليلاً لتكون زاوية النظر لديه «زاوية حادة»، فإذا ازدادت أكثر تطورت حتى تصل زاوية النظر عنده إلى «زاوية منفرجة» فتزداد مجالات الرؤية وتشمل نطاقات مختلفة، حتى تصل إلى أقصاها ومنتهاها حيث «الزاوية المستقيمة» على امتداد الأفق.
الذي ينظر إلى الحياة بأفق متسع، و«زاوية مستقيمة» فإنه ينظر إلى الفضاء الرحب الذي حبانا الله إياه، ينظر إلى البدائل والخيارات كلها في المواقف المختلفة في الحياة، ولعل البعض من الناس يضيّق على نفسه الخناق فلا يرى من الحياة إلا أفقاً ضيقاً «يحشر» فيه نفسه، فيحيا مكتئباً ويعيش قلقاً، مع أن التأمل في «الأفق» المترامي الأطراف وتلمس الحلول، يقلب «المحنة» إلى «منحة»، وما نراه شراً إلى خير.
التفكير الإيجابي في الحياة أسلوب يجب أن نحياه لنعيش بسلام وطمأنينة، وهو لا يتأتى من دون فتح باب الاحتمالات جميعها، فعلى سبيل المثال إن من يموت له ولد في عمر الزهور نجده يحزن على ذلك، والبعض من الناس يطول به الحزن، مع أن لله ما أعطى ولله ما أخذ، ولو نظرنا إلى الأفق الأوسع فإننا نجد أن هذا الولد سيكون من طيور الجنة بإذن الله وسيشفع لوالديه، وهذا كله يخفف المصيبة على أهله لو تأملوا وتفكروا.
كثيرة هي القضايا والحوادث التي مررنا بها ونمر بها دائماً، سواء على المستوى الفردي أو على مستوى المجتمع والأمة، عشناها بتفصيلاتها وأحداثها كلها، وعلمنا بعد فواتها أن الخير كله كان في رحم ما يبدو أنه مشكلة وطامة، والتاريخ يشهد على ما أقول، ففي حين كان «صلح الحديبية» فتحاً للمسلمين وانتصاراً كان يراه بعض الصحابة استسلاماً وخضوعاً لكفار قريش!
المتعصبون من «حزبيين» و«طائفيين» و«فئويين» و«نخبويين» و«قبليين» و«مناطقيين»... يرون الحياة والأمور من زاوياهم الضيقة و«الحادة»، فلا يرون حقاً إلا ما يعتقدون، ولا يسمعون الآخر، ولو كان على الحق، وبالمقابل فكل ما يقوله أصحابهم - المتعصبون لهم - صحيح ولو كان خطأ واضحاً وضوح الشمس في رابعة النهار!
نحتاج دائماً أن نوسع من نظرتنا للحياة والأحداث لتشمل الخيارات والبدائل والأفكار المتاحة كلها، فقد منحنا الله العقل حتى نفتحه على مصراعيه ونستخدمه للوصول إلى الأفضل دائماً، أما الكسالى فإنهم يستأجرون عقول غيرهم ليفكروا لهم ويستنتجوا لهم ويستنبطوا لهم، ليكونوا «إمعة» يتبعون الآخرين في الخير والشر!
في الأفق:
كل أفق تضيق فيه أسيرا
سعة الأفق أن تكون طليقا
د. عبداللطيف الصريخ
مستشار في التنمية البشرية
www.alsuraikh.net
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي