عبد الرحمن عبد المولى الصلح /بترول العرب... للعرب؟

تصغير
تكبير

أخيراً، تحققت النبوءة. صدق المنجمون، هذه المرة، ولم يُكذبوا. تخطى سعر برميل النفط الـ 80 دولاراً، لا بل وصل الى المئة دولار. وليس من المتوقع أن تهبط الأسعار في القريب العاجل. فالمثل الفرنسي الشهير، يقول: «الأسعار تصعد بالمصعد، وتهبط على الدرج»! أي على مهل. وحين وصل سعر برميل النفط الى ما فوق الخمسين دولاراً، صعق الناس للوهلة الأولى، ثم، سرعان ما اعتادوا على سعر الخمسين دولاراً، والأمر نفسه قد ينطبق على سعر المئة دولار، والذي قد يضحى سعراً مقبولاً مع مرور الزمن، خصوصاً في ضوء الطلب المتزايد على النفط. وكانت وكالة الطاقة الدولية توقعت قفزة كبيرة في الطلب العالمي على الطاقة بحلول عام 2030 قد تصل الى 55 في المئة بسبب التنامي الهائل في الطلب من الاقتصادات الناشئة مثل الصين والهند. وحسب التقرير السنوي لوكالة «توقعات الطاقة العالمية 2007» فإن المستهلكين يواجهون ارتفاعاً في أسعار النفط في الأعوام المقبلة واحتمال عدم كفاية الإنتاج لتلبية الطلب. وحسب التقرير فإن الصين ستزيح الولايات المتحدة عن موقعها كأكبر مستهلك للطاقة في العالم بعد عام 2010 بقليل، نظراً إلى أن النمو الجامح في الصين والهند يعيد رسم خريطة الطاقة العالمية (صحيفة «عكاظ» 17 نوفمبر 2007).

والاهتمام كان دائماً منصباً ولا يزال على منطقة الخليج العربي لأكثر من سبب، أهمها، انخفاض كلفة إنتاج واستخراج النفط، إضافة الى «تماشي» سياسة الدول النفطية الخليجية مع السياسة الغربية، والتي، لم تتوان عن تسخير النفط العربي بأسعارٍ زهيدة خصوصاً في الخمسينات والستينات من القرن الماضي لإمداد صناعتها المختلفة.

كان لصعود أسعار النفط أربع محطات رئيسية: حرب عام 1973، سقوط الشاه عام 1979 وحلول الإمام الخميني، حرب الخليج الأولى 1991، وأخيراً الاحتلال الأميركي للعراق، أبريل 2003. لقد وصلت العوائد المالية للدول العربية المصدرة للنفط عام 2005 الى 220 مليار دولار. ومن المنتظر أن تصل في نهاية 2007 الى 320 مليار دولار («النهار» 10/12/2007، نقلاً عن رويترز). ويوم الإثنين الماضي أقرّت الحكومة السعودية الميزانية الأعلى في تاريخ المملكة بحجم 230 مليار دولار أميركي (صحيفة «الرياض» 11/12/2007). ما شاء الله! أتمنى مزيداً من الخير للسعودية ودول الخليج التي لم تألُ جهداً في سبيل دعم لبنان على مختلف الصعد.

ولكن في موازاة الطلب المتنامي على النفط، فهنالك اهتمامٌ بالغ للبحث عن بدائل للطاقة، إذ نشرت صحيفة «فورتشن» في عددها الأخير، بحثاً عن الطاقة الشمسية ركزّت فيه على انتعاش الطلب على الطاقة الشمسية وازدياد الاهتمام بها، مشيرةً الى أن مجموع أسهم الشركات العاملة في ذلك المجال في العالم كانت تساوي بليون دولار في عام 2004 بينما بلغت اليوم 71 مليار دولار، مما يعني، أن النوم على «حرير» النفط لا يطمئن إطلاقاً، علماً أنّه من المتوقع ازدياد تلك الاستثمارات نتيجة الضغوط المتعلقة بالبيئة.

ليس النفط مصدر رخاء فقط، بل قد يكون أيضاً مصدر... شقاء! فلولا النفط، لما غزا الأميركيون العراق (أبريل 2003). فالنفط، والنفط فقط، كان الباعث الأساسي «لتحرير» بغداد، وليس إزالة أسلحة الدمار الشامل التي لم تكن متوافرة... في الأساس! وفي هذا الصدد، تكفي الإشارة الى ما ذكره آلان غرينسبان، المحافظ السابق لبنك الاحتياط الفيديرالي (1988 - 2006) في كتابه «عصر الاضطرابات» والذي نشره هذا العام، قائلاً بالحرف: «يحزنني أنه ليس من المريح سياسياً الاعتراف بما يعرفه الجميع بأنّ حرب العراق كانت بالدرجة الأولى على النفط (ص 463). وكان وزير الطاقة الأميركي السابق بيل ريتشاردسون صرّح قائلاً: (أقول، وأعني ما أقول حرفياً، لقد صاغ النفط، وعلى مدى عقود السياسة الخارجية والسياسة الأمنية لأميركا)»!

ولولا النفط ومداخيله لم يستطع الرئيس السابق صدام حسين التحكم برقاب البلاد والعباد ما يزيد على الثلاثين عاماً! ولولا النفط أيضاً، لما غزا صدام حسين الكويت (1990). ولأن مضيق هرمز شريان أساسي، حيث يمر منه يومياً ما يقارب الـ 18 مليون برميل، فلقد سال لعاب إيران للتحكم بالمنطقة... عبر السلاح النووي، الذي أثار ولا يزال ضجيجاً عالمياً، نأمل ألا ينتهي بكوارث على المنطقة! باختصار، وباختصار شديد، فالنفط هو اللاعب الأول في المنطقة، كما وصفه عبد الرحمن الراشد («الشرق الأوسط» 18/11/2007).

لقد لعب النفط العربي، مشكوراً، دوراً إيجابياً في دعم قضايا العرب، وعلى رأسها قضية فلسطين. فكان هناك، على سبيل المثال لا الحصر، فرض حظر النفط أبان حرب تشرين 1973، إضافة الى المساعدات المالية لدول المنطقة، ومنظمة التحرير الفلسطينية، ومنها أيضاً، لبنان، الذي كان - ولا يزال - بأمَس الحاجة لأشكال الدعم كلها. وعلى الصعيد الداخلي، استطاعت دول النفط العربية، تحقيق إنجازات هائلة على صعيد البنى التحتية. لكنّ هذا لا يكفي، خصوصاً وأن منسوب الإرهاب يرتفع بوتيرة مشابهة لمنسوب احتياط النفط (العمليات الإرهابية التي حدثت في الجزائر 11/12/2007، إضافة الى توقيف السلطات السعودية شبكة إرهابية من 208 أشخاص في الأسبوع الأول من ديسمبر 2007). فالمطلوب وبإلحاح أن يحدث النفط تغييراً جذرياً في البنى المجتمعية، لإطلاق القدرات الكامنة، والتعويل على الموارد البشرية، لا بل الاستثمار بها، ومن خلالها. بكلمة أخرى، على النفط، ألا يكون عامل «تجميد» للواقع، بل عامل «تحريك» للإنسان الخليجي (وهنا، نعني المرأة أيضاً قبل الرجل) وحثّه على العمل والإنتاج (استغرب مطالبة مجموعة من النواب الكويتيين للحكومة الكويتية بسداد قروض المواطنين البالغة 13 مليار دولار أميركي!)، بهدف تحقيق استقرار مجتمعي قوامه الدينامية والحراك المتواصل، للوصول الى الأفضل والأحسن. إذ ذاك، إذ ذاك فقط، يصبح بترول العرب... للعرب!


عبد الرحمن عبد المولى الصلح


كاتب لبناني




الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي