د. محمد جبر الحامد الشريف / سياسة التوظيف في الكويت إلى أين... ثانياً؟

تصغير
تكبير
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كنا قد تطرقنا في مقال سابق عن سياسة التوظيف في الكويت وأنها كانت ومازالت تسير من دون خطط واضحة ما نتج عن ذلك تركز أكثر من 95 في المئة من قوة العمل المواطنة في القطاع الحكومي، بينما لا تشكل في القطاع الخاص نسبة 5 في المئة من إجمالي قوة العمل في هذا القطاع. وبينا حجم هذه المشكلة وأنها في تزايد مستمر يمكن أن تؤدي إلى أزمة بكل ما تحمل الكلمة من معنى.
لن نتوسع في عرض المشكلة لأننا أعطيناها حقها من العرض والشرح في المقال السابق. لذلك سوف نتطرق إلى بعض مداخل الحلول من وجهة نظرنا الخاصة.

بما أن هذه المشكلة مركبة الجوانب عناصرها هي الدولة والقطاع الخاص والمواطن الباحث عن عمل فإنه يمكن أن تشارك هذه العناصر في حل هذه المشكلة من خلال الآتي:
أولاً دور الدولة في حل المشكلة
1 - يجب أن تدرك الدولة أهمية القطاع الخاص، وأنه شريك رئيس في الاقتصاد الوطني وأنه الجناح الثاني لهذا الاقتصاد من خلال تفعيل دوره ليصبح مساهما فعالا في التنمية الاقتصادية ويكون قادرا على المشاركة في حل هذه المشكلة، وقادرا على توفير وظائف للعمالة الوطنية الباحثة عن عمل وهذا هو سمة الاقتصاد الحر في جميع دول العالم، إذ يكون القطاع الخاص هو المسؤول عن توفير على الأقل ما نسبته 70 في المئة من الوظائف، وبذلك يخفف العبء عن كاهل الدولة.
2 - على الدولة متمثلة في المجلس الأعلى للتخطيط والجهات المسؤولة عن التوظيف وضع استراتيجية متكاملة لمدة 15 عاماً على الأقل تتعلق بسياسة التوظيف، وما يترتب عليها من تغيير في نظام مناهج التعليم ونظام التدريب، تشارك في وضع هذه الاستراتيجية المؤسسات التعليمية (جامعة الكويت - الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب - وزارة التربية والتعليم العالي) وجهاز إعادة الهيكلة وغرفة تجارة وصناعة الكويت ممثلة عن القطاع الخاص وأطراف أخرى لها علاقة في هذا الموضوع تحدد من خلال هذه الاستراتيجية أهداف قصيرة (من سنة إلى خمس سنوات) يعمل على تحقيقها بأسرع وقت وأهداف طويلة الأجل (من 10 إلى 15 سنة) يحدد لها آلية تنفيذ مخطط لها بشكل جيد.
3 - إعادة النظر في التشريعات والقوانين السابقة المتعلقة بسياسة التوظيف وتغييرها بما يتناسب مع المرحلة الحالية والمقبلة مثل «نظام التقاعد الحالي» الذي يطيل مدة بقاء الموظف في الخدمة قد تصل إلى 30 سنة خدمة فعلية ومحاولة التشجيع على التقاعد المبكر لبعض شاغلي الوظائف غير المنتجة لإتاحة الفرصة لموظفين جدد.
4 - إلزام القطاع الخاص بتدريب وتوظيف نسبة من العمالة الوطنية الباحثة عن عمل من خلال حوافز مشجعة وقوانين ملزمة بذلك. ويمكن الاستفادة من مشروع الاستقرار الاقتصادي، إذا أقر بأن تلزم الدولة شركات القطاع الخاص المستفيدة من المشروع بتوظيف نسبة من العمالة الوطنية أو تدريبها على الأقل.
5 - دعم الدولة للمشروعات الصغيرة لمن يرغب من العمالة الوطنية للعمل الحر.
6 - إنشاء جهة للرقابة الإدارية على القطاع الخاص للتأكد من تنفيذ سياسة توظيف وتدريب العمالة الوطنية في هذا القطاع.
ثانياً دور القطاع الخاص في حل المشكلة
1 - تقوم الدولة بدور مهم وفعال في دعم القطاع الخاص الكويتي في كثير من المجالات فهي توفر له الحرية الاقتصادية وحرية حركة الأموال من دون التزامات وأعباء مالية مثل الضرائب وغيرها، بل إنها الداعم الرئيس والمنقذ الوحيد له (بعد الله) من أزمات اقتصادية عدة، ومن أمثلة ذلك أزمة المناخ وأزمة الغزو العراقي وما بعد التحرير، وأخيراً الأزمة الاقتصادية العالمية الأخيرة. لذلك يجب على القطاع الخاص أن يدرك حجم هذه المشكلة التي تواجهها الدولة، وأن يعي أصحاب الأعمال دورهم الوطني ومسؤوليتهم الاجتماعية بأن يردوا الجميل، وأن يساهموا في حل هذه المشكلة.
2 - على أصحاب المؤسسات الخاصة التفاعل مع خطط التنمية التي تركز على بناء المواطن الكويتي وعلى استقطابه واعتباره استثمارا بعيد المدى، وذلك بتدريبه وتأهيله ومنحه الفرص الوظيفية والاعتماد عليه وتقليل الاعتماد على العمالة الوافدة التي سوف تغادر البلاد عاجلاً أم آجلاً في أي لحظة، وأكبر مثال على ذلك ما نتج عنه الغزو العراقي على دولة الكويت حيث غادرت العمالة الوافدة البلاد وتوقفت الكثير من الأعمال.
3 - تفعيل دور غرفة التجارة والصناعة كلاعب رئيس في هذا المجال لوضع آليات تواصل بين الجهات الحكومية المعنية بالتوظيف وأعضاء الغرفة من مؤسسات القطاع الخاص للمناقشة وتبادل الآراء لمعالجة المشكلات التي تعيق توظيف العمالة الوطنية في القطاع الخاص، كما يمكن العمل على زيادة اشتراكات أعضاء الغرفة لبناء مراكز تدريب وتأهيل العمالة الوطنية على التخصصات المطلوبة في سوق العمل.
4 - إيجاد المزيد من مكاتب التوظيف الخاصة لحصر العمالة الوطنية الباحثة عن العمل بالتنسيق مع جهاز إعادة الهيكلة والاتصال بمؤسسات القطاع الخاص لتوفير احتياجاتهم بالسرعة الممكنة، لأن عامل السرعة هو أحد العوامل التي تصب في مصلحة العمالة الوافدة وذلك لسهولة الحصول عليهم.
5 - إنشاء مراكز تدريب نوعية تشارك فيها شركات القطاع الخاص المتشابهة في النشاط مثل (شركات السيارات - شركات الجملة والتجزئة - الأسواق - المصانع - المستشفيات الخاصة...) لتدريب الخريجين الجدد على المهارات المطلوبة في سوق العمل.
ثالثاً دور المواطن في حل المشكلة
1 - يتحمل المواطن جزءا من هذه المشكلة كما لديه القدرة على المساهمة في حلها من خلال تغيير مفهومه عن حياة الرفاه، وأنه يمكن أن يحصل على وظيفة بشكل سهل (وظيفة حكومية مضمونة). هذه العقلية يجب أن تتغير ويجب التخلص من التعلق بالوظيفة الحكومية، خصوصاً في مثل هذه الظروف التي لن تستطيع الدولة استيعاب مخرجات التعليم إلى ما لا نهاية، ويجب على المواطن أن يدرك أن الأوضاع الاقتصادية لن تستمر بهذا الشكل من وفرة في الإيرادات والوظائف. لذلك لابد أن تكون هناك جدية وواقعية في الرغبة بالعمل الجاد وإثبات الذات وتحمل طبيعة العمل مهما كانت قسوته.
2 - على العمالة المواطنة الباحثة عن عمل أن تستزيد من التدريب الخاص والنوعي الذي يحتاجه سوق العمل حتى تصبح عمالة ماهرة ومنافسة ومطلوبة في سوق العمل.
3 - على المجتمع دور كبير في حل هذه المشكلة من خلال إزالة النظرة الدونية لبعض المهن والإيمان بأهمية العمل وأنه واجب مقدس مهما كانت صعوبته، وأن الإنسان مأجور من الله على كل ما يعمله في خدمة بلده في مجالات مختلفة، لذلك على الأسرة كنواة لهذا المجتمع أن تشجع أبناءها على أي عمل شريف.
الخاتمة
تلك كانت بعض مداخل الحلول لمشكلة واقعة فعلاً، وفي طريقها للتفاقم إن لم يتدخل الشركاء من مؤسسات حكومية ومؤسسات القطاع الخاص ومجتمع بأن يولوا اهتماما كبيرا لهذه المشكلة والمساهمة في حلها.
ونتوسم في مجلس الأمة الجديد إعطاء هذه المشكلة اهتماماً كبيراً لما لها من أهمية قصوى في حياة المواطن من الناحية الاقتصادية والاجتماعية. والله الموفق.
د. محمد جبر الحامد الشريف
أكاديمي وباحث في تنمية الموارد البشرية
Email: [email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي