ألا تشعرون بأن فترة الشهرين التي عشناها في متغيرات وترقب وحملات انتخابية وكلام كثير ما هي إلا ابرة مسكنة اخذها الشعب الكويتي في الوريد لتهدئته من نوبة الغضب التي اجتاحته؟! الواقع يدل على ان شيئا لم يتغير في الحياة السياسية، بل نفس الوجوه والاقنعة قد جاءت من جديد، وان مشاكلنا التي توقف الحديث عنها بانتظار نتائج التغيير قد عادت لتطفو على السطح من جديد؟!
المعضلة الاولى التي اطلت بوجهها مباشرة بعد الانتخابات هي «ماكو كهرباء» وقد يبدو ذلك غريبا على بلد مثل الكويت يسبح فوق بحر من النفط والوقود السائل الذي يحتاجه لتوليد الكهرباء، وكل ما يحتاجه هو شراء مولدات وتركيبها على ارض الدولة!!
اذا لم تخني الذاكرة فقد كنت ازور محطة التحكم الرئيسية في منتصف التسعينات واتناقش مع المهندسين حول خطة الحكومة لتوفير الكهرباء للبلد، وقد علقوا جدولا حول الحمل الكهربائي المتوقع في كل عام - حتى العام 2005 - وعدد المحطات المطلوب انشاؤها، وكان المطلوب هو بناء محطة جديدة كل ثلاث سنوات بطاقة 2400 ميغاوات، تصوروا بأن محطة واحدة قد تم بناؤها منذ ذلك الوقت بينما تعثرت بقية المشاريع لأسباب لا نعلمها.
كذلك اتذكر بأن الاخ جاسم العون عندما كان وزيرا للكهرباء قد اقترح نظام الشرائح في تكاليف الكهرباء بحيث يدفع من يستهلك كهرباء اكثر مبالغ مالية اكبر، ولكن لم يؤخذ بهذا الاقتراح ثم جاء الدكتور عادل الصبيح ليعيد طرح نظام الشرائح ولكنه قوبل برفض باهر من مجلس الأمة العتيد! كما اتذكر بأن الاخ طلال العيار عندما كان وزيرا للكهرباء قد حذر من ان تقاعس الحكومة في بناء محطات الكهرباء سيؤدي إلى ان نجد انفسنا يوما نعاني من نقص شديد في الطاقة، لكن لم يسمع له احد، ثم جاء الشيخ احمد الفهد ليقترح اسقاط ألفي دينار من فواتير المواطنين لكي تبدأ عجلة تسديد فواتير الكهرباء من المواطنين، وعلى العكس فقد ازداد المواطن طمعا ولم يكلف نفسه حتى بتسديد ما تبقى من فواتير.
لقد خرج علينا الأخ الفاضل صالح المسلم - الوكيل المساعد بالوزارة - بالأمس ليقرر لنا الحقيقة التي كنا نتوارى خلفها ألا وهي: «نعم سيكون هنالك قطع في الكهرباء هذا الصيف، ولكن الوزارة تبذل جهدها لتوصيل التيار في اسرع وقت» فإذا كان بناء المحطات قد تم اجهاضه مرات عديدة واصبح من الاسرار العسكرية وترشيد الاستهلاك انتهى بمناقصة ربح منها من ربح وبضعة شعارات جميلة، وتسديد الفواتير اصبح من الماضي الجميل لكويتنا الحبيبة فها نحن اليوم نجني ضريبة السياسة القاتلة التي غصنا فيها حتى النخاع دون ان توصلنا إلى شيء.
وكم اضحكني تصريح المسؤولين في وزارة الكهرباء بأننا سنستورد (500 ميغاوات) من قطر، فماذا ستفعل تلك الكهرباء الصغيرة اذا كان انتاجنا (عشرة آلاف لم يفعل شيئا؟) وهل سنضمن ان تستطيع قطر اعطاءنا الكهرباء في وقت هي في اشد الحاجة لها؟! بل هنالك مشكلة اكبر من كل ذلك ألا وهي ان اغلب القطع يحدث بسبب تقادم الشبكة وعدم تجديدها او صيانتها، فمحول الفيحاء الذي احترق قبل اسبوعين عمره 37 سنة بينما عمره الافتراضي 25 سنة.
نصيحتي لأهل الكويت بأن يقدموا التضحيات لبلدهم بأن يسافروا هذا الصيف، فإن لم يتمكنوا فلا أقل من ان يطبقوا شعار (من حبنا لها نوفر لها) بالاستغناء عن كل ما لا يحتاجون تشغيله من الكهرباء.
د. وائل الحساوي
[email protected]