كتب لي الأخ الفاضل (خالد بن صالح الغيص) رسالة طويلة بعنوان (حتى لا تنتخب رغما عن أنفك) يرد فيها على مقالي (ستنتخب رغما عن أنفك) واستخدام فيها أسلوبا راقيا وأدبا جما في تفنيد ما ذكرته عن ضرورة مشاركتنا جميعا في الانتخاب وعدم ترك المجال للمفسدين ليفوزوا في الانتخابات بسبب تقاعس الصالحين، وأُلخص النقاط التي ذكرها الأخ خالد في مقاله كالتالي:
أولا: مسألة الديموقراطية والبرلمانات والانتخابات هي نتاج للفكر الغربي العلماني، وهي في اصل وضعها وفكرتها تخالف تعاليم ديننا الاسلامي.
ثانيا: أهل العلم الذين أجازوا المشاركة في الانتخابات والدخول في البرلمانات كان من باب دفع أعظم المفسدتين، والوضع قد تبدل الآن وتبين بان المفسدة فاقت المصلحة المرجوة.
ثالثا: المشاركة في البرلمانات والانتخابات فيها خير قليل مضمون في شر كثير، ولن يتغير واقع الناس إلا بسلوك سبيل النبي صلى الله عليه وسلم، ولن تتغير حياة الناس الا بثبات العلماء والصالحين على دينهم وعدم تنازلهم عن مبادئهم (ضرب مثلا بثبات الناس على تحريم الربا فظهرت المصارف الإسلامية).
رابعا: نحن لا نرفض الذهاب إلى صناديق الاقتراع ثم نجلس في بيوتنا، بل نتحرك كما تحرك النبي صلى الله عليه وسلم للانتشار بين الناس وتعليمهم ونصحهم وأعتذر لعدم القدرة على التوسع في شرح ما ذكره الاخ خالد في رسالته خشية الإطالة، لكني أود ان اذكر بعض النقاط ردا على ما ذكره في رسالته:
أولا: لعل الاخ خالد قد هاله ما وقع من انحرافات لبعض الدعاة الذين دخلوا المجال السياسي ومجالس الامة، وهذه نتألم منها جميعا، ولكن الانحراف في التطبيق وفي الاشخاص لا يعني ابدا تحريم المقاصد والوسائل الشريفة، فقد ينحرف العالم الديني بسبب المال او الوجاهة ولكننا لا نحرّم العلم الديني.
ثانيا: لم يقل أحد بأن المجالس والانتخابات هي الوسيلة الوحيدة لنشر الدين والاخلاق في المجتمع، بل هي وسيلة من الوسائل متى ما قام بها البعض سقطت عن الآخرين ولا شك ان ما ذكره الاخ خالد من اتباع منهج الرسول صلى الله عليه وسلم في الاختلاط بالناس وتوصيل الدعوة اليهم من اهم الامور كذلك، وما الذي يمنع من ان يتفرغ اناس لكل وسيلة من الوسائل لكي يحدث التكامل، بل ان النائب في البرلمان يستطيع ان يحقق اعظم الاحتكاك بالناس ونفعهم وكسب مودتهم مالا يستطيعه غيره.
ثالثا: لا شك ان المجالس النيابية من الولايات العامة التي تحقق التشريع للناس والرقابة على المجتمع من موقع سلطة وهي من اهم الوسائل لنشر الدين، وهذا يوسف عليه السلام قد طلب وشارك في حكومة كافرة، وكان وزيرا للمالية، ولم يمنعه ذلك من الدعوة الفردية، فكيف ونحن في بلد مسلم اهله محبون لله ولو جلس الصالحون في بيوتهم وتركوا الناس وشأنهم لتسلط عليهم من لا يخاف الله تعالى فيهم، وقد يشرع لهم في ايام ما يهدم جميع ما يبنيه الصالحون في اعوام.
وما طالبنا به في المقال كان فقط ان نعطي صوتنا لمن نراه الأكفأ والأصلح لنقطع الطريق على من هو أسوأ منه لكننا لا نمنع من أراد الدخول في المجالس لتحقيق تلك المصالح، او ليس ذلك هو عين ما استدل به الاخ خالد بقوله (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).
رابعا: نحن لا نخالف الأخ خالد من أن الديموقراطية والانتخابات هي نتاج للفكر الغربي، ونحن لا ندعو إلى اعتناقها على حساب الشريعة الاسلامية وثوابت الامة بل ندعو إلى الاستفادة من الخير الذي فيها لتحقيق الخير الذي ننشده جميعا، وهل لو اعتزلنا هذا النظام سنكون بمنأى عن تشريعاته ونتائجه على مجتمعنا من خير أو شر؟!
خامسا: لا أدري لماذا يغض الاخ خالد النظر عن الخير الكثير الذي تحقق لمجتمعنا من دخول الدعاة إلى المجلس، حتى البنوك الاسلامية التي استدل بها قد كانت بعد فضل الله من تشريعات المجلس، وكذلك شركات التأمين الاسلامية وبيت الزكاة والجمعيات الخيرية، وتجريم الخمور واعدام تجار المخدرات وتحريم عقوق الوالدين وأسلمة القانون المدني، واقرار قانون الاحوال الشخصية على نهج اسلامي، وغيرها الكثير، فلماذا نمنع الخير عن الناس بحجة الخوف من بعض الانحرافات المتوقعة في تلك المجالس واتمنى ان يقرأ الاخ خالد ماكتبه شيخ الاسلام ابن تيمية في تولي الولايات العامة والسعي لتكثير الخير حتى وان وقع من الداعية بعض المخالفات التي لا يستطيع ردها.
سادسا: العلماء الكبار الذين اجازوا الدخول إلى المجالس والانتخابات والمشاركة فيها امثال الشيخ بن باز والشيخ بن عثيمين رحمهما الله لم يكونوا غافلين عن تلك الامور وفوائدها العظيمة على المسلمين التي ترجح مفاسدها، وغير صحيح ان الوضع قد تبدل وان المفاسد قد فاقت المصالح، واين هم اهل العلم المعتبرون الذين افتوا بان الوضع قد تبدل؟!
لقد شاهدنا كيف ساهم عزوف كثير من اهل الخير عن المشاركة في انتخابات 2009 كيف انقلبت موازين الانتخابات، فأرجو ان اكون قد اوضحت بعضا مما طرحه الاخ خالد، وان يكون سعينا جميعا نحو التكامل والتعاون لتحقيق غايتنا في ارضاء الله تعالى وتطبيق شرعه في مجتمعنا.
د. وائل الحساوي
[email protected]