ممدوح إسماعيل / تمثيلية حضور أبو قردة المحكمة الدولية

تصغير
تكبير
في خبر لافت ومثير تداولته جميع وسائل الإعلام في العالم أعلن عن حضور أبو قردة أمام المحكمة الدولية يوم الإثنين 18 مايو. وأبو قردة هو بحر إدريس أبو قردة، أحد قادة التمرد في دارفور، والمتهم بقتل جنود من قوات حفظ السلام في دارفور.
وقد بدا واضحاً أن حضور أبو قردة أمام المحكمة تمثيلية تم إعدادها بإتقان من لوريس مورينو أوكامبو مدعي المحكمة الدولية لتحسين صورة قراراته واتهاماته ومحكمته أمام العالم، وذلك واضح من تصريح أبو قردة الذي تداولته وسائل الإعلام، إذ قال بالنص إنه يشكر المحكمة خصوصاً إدارة السجلات التابعة لها «على جميع الترتيبات التي قاموا بها من أجله حتى يحضر إلى قاعة المحكمة».
فما هي الترتيبات والاتفاقيات التي عقدت مع أبو قردة كي يطمئن ويذهب بنفسه طواعية إلى المحكمة؟ وهل يعقل أن متهماً بجناية قتل يذهب إلى محكمة في بلد آخر كي يحاكم، وهو يستطيع ألا يذهب وألا يتعرض إلى عقاب إذا جلس في مكانه ومخبئه إلا إذا اطمأن تماماً أنه لن يُسجن وأخذ على ذلك تعهدات من أطراف قوية لها حيثيتها في العالم؟

والطريف أن المحكمة قالت إن أبو قردة مثل طواعية أمام المحكمة استجابة لأمر استدعاء.
ويزداد الأمر وضوحاً في قضية حضور أبو قردة عندما نقلب أوراق القضية فنجد أن المدعي العام أوكامبو قد طلب في نوفمبر العام 2008 إصدار أوامر اعتقال ضد ثلاثة من متمردي دارفور بينهم أبو قردة، لكن المحكمة استدعت الأخير لأنه أبدى رغبته في حضور المحاكمة.
واتهم أوكامبو المتمردين بتنسيق الهجوم على معسكر للاتحاد الأفريقي في سبتمبر العام 2007 وقتل 12 جندياً من جنود حفظ السلام ولم تعلن هوية المتهمين الاثنين الآخرين من زعماء المتمردين. فمن هما المتهمان؟ ولماذا لم تعلن هويتهما؟ ولماذا لم يحضرا؟ ولماذا تترك المحكمة قضية قتل دولية من دون تحديد متهمين؟ تلك أسئلة ليست لها إجابة، لأنه مقصود أن يتم إضعاف قضية المتمردين، ووجودهم أمام المحكمة محاولة الظهور بمظهر الحياد فقط لا غير.
وكان أبرز ما يؤكد أن حضور أبو قردة تمثيلية مدبرة تصريح مسؤول بالمحكمة بأن المتمرد أبو قردة ليس ملزماً بحضور الجلسة وبأنه يمكن عقدها في غيابه. ويستطيع أبو قردة - الذي وصل إلى هولندا الأحد على متن طائرة ركاب عادية - مغادرة البلاد بعد جلسة الإثنين.
ويمضي سيناريو تحسين الصورة في مخططه بتصريح القاضي تارفوسر: «إن المحكمة سوف تعقد جلسة استماع يوم 12 أكتوبر لتحديد ما إذا كانت هناك أدلة كافية لتقديم أبو قردة إلى المحاكمة».
الشاهد مما سبق أن المحكمة الجنائية الدولية، خصوصاً مدعي المحكمة أوكامبو أيقن أن اتهاماته للرئيس السوداني عمر البشير فضحت انحياز المحكمة وعدم حياديتها في ظل وجود اتهامات ووقائع جرائم إبادة واضحة للعالم أجمع في قضايا أخرى، خصوصاً ضد الإسرائيليين في مذبحة غزة التي كانت تذاع على العالم كله مباشرة (أون لاين)، بعكس ما حدث في دارفور، الذي لم يشاهده أحد في العالم وضاعت معرفة الحقيقة فيه بسبب التقارير المخابراتية التي لبست ثوب التحقيق والعدالة للنيل من وحدة السودان ومن نظام الحكم فيه.
ويبدو أن ثبات موقف الرئيس البشير والنظام السوداني والتفاف الشعب السوداني حول حكومته أثار غيظ أوكامبو، وزاد من إثارته الشخصية التصريحات والكتابات في السودان والعالم التي اتهمت أوكامبو بالانحياز وعدم الحيدة القضائية، وأيضاً الرحلات المكوكية التي قام بها الرئيس البشير للدول المجاورة للسودان، وكانت أهم رحلاته المثيرة التي كانت بمثابة إعلان تحدٍ للمحكمة الجنائية الدولية، وأوكامبو خصوصاً، حضور الرئيس البشير مؤتمر القمة العربية في قطر وحصوله على دعم عربي غير مسبوق.
ويبقى أن مثول أبو قردة أمام المحكمة الدولية تمثيلية صنعت في الظلام لإظهار وجه قضائي معتدل للمحكمة التي تعامت عمداً عن مقتل أكثر من 1400 فلسطيني في مذبحة وحرب إبادة علنية أمام العالم، بخلاف جرائم قتل المدنيين التي تقوم بها القوات الأميركية في أفغانستان، وآخرها جريمة مقتل 150 مدنياً أفغانياً، ما أدى إلى إقالة قائد القوات الأميركية في أفغانستان، ولكن عيون المحكمة لا ترى جرائم الأميركيين ولا الصهاينة.
وأخيراً فإن حضور أبو قردة أمام المحكمة مقدمة لقرارات خطيرة سوف تصدر لاحقاً ضد الرئيس البشير. ولكن مهما حدث، حضر أبو قردة أم حضر غيره، فلن تتغير القناعة العالمية من أن المحكمة الجنائية الدولية ومدعيها أوكامبو منحازون ولا يحققون بانحيازهم عدالة مطلقاً.
ممدوح إسماعيل
محامٍ وكاتب مصري
[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي