د. وائل الحساوي / نسمات / معذرة يا ولدي

تصغير
تكبير
لم اجد شاعرا كويتيا يعبر عن حزنه على اهل زمانه وابناء وطنه مثل الشاعر فهد العسكر - رحمه الله - الذي يقول في شعره:
وطني وما ساءت بغير بنيك، يا وطني ظنوني
انا لم اجد فيهم خدينا *** اه من لي بالخدين

واضيعة الامل الشريد وخيبة القلب الحنون
رقصوا على نوحي واعوالي واطربهم انيني
وتحاملوا ظلما وعدوانا علي وارهقوني
فعرفتهم ونبذتهم لكنهم لم يعرفوني
لا در درهم فلو حزت النضار لالهوني
او بعت وجداني بأسواق النفاق لاكرموني
او رحت احرق في الدواوين البخور لانصفوني
فعرفت ذنبي ان كبشي ليس بالكبش السمين
معذرة يا ولدي، فقد ربيتك على الفضيلة ومكارم الاخلاق وصورت لك وطنك بأنه المجتمع المثالي الذي تعيش فيه، لكنك اكتشفت ان هنالك من يهدرون كرامة ذلك المجتمع ويعيثون فيه الفساد.
معذرة ولدي، فقد قلت لك بأننا مجتمع مسلم لا يعرف الصفات القبيحة، ولا المنكرات الفاحشة ولا يكره بعضه بعضا، لكنك اكتشفت ان هنالك من يتفنن في اكل لحم اخيه ميتا وفي تمزيق كل من يقف امامه ويعترض سبيله.
معذرة ولدي، فقد صورت لك بأننا افضل مجتمع في العالم من حيث النظام البرلماني والحريات والقدرة على اختيار الافضل لبلادنا، لكنك توصلت إلى ان تلك الحرية الشكلية ما هي الا شعارات يحملها اكبر اعداء الحرية ويسخرونها لتدمير المجتمع وبث الفرقة فيه، تارة باسم الطائفية، وتارة باسم القبلية وتارة باسم الحزبية، وانظارهم مصوبة تجاه تلك الكعكة الكبيرة، والكل يريد ابتلاعها وطرد الآخرين عنها.
معذرة يا ولدي، فقد صورت لك ان اعلامنا هو الافضل في العالم، وان الكل يحسدنا على ما نحن فيه، فاذا بالاعلام يحرقنا وينقل معاركنا الدامية إلى العالم كله ويخلع عن اجسادنا الهزيلة اخر ورقة توت نتستر بها.
معذرة يا ولدي، فقد اخبرتك بان البلد فيه خير كثير وانّ ما قصرنا عن انجازه في الماضي سننجزه قريبا بإذن الله وسنلحق بركب الحضارة والتقدم، فاذا بك ترانا ندور في حلقة مفرغة لا نقوى على الخروج منها وقد سبقنا العالم كله، بل قد بكى علينا من كنا في السابق نشفق عليه.
يقول الشاعر محمد مصطفى حمام في وصف زمانه:
أكثر الناس يحكمون على الناس وهيهات ان يكونوا عدولا
فلكم لقبوا البخيل كريما ولكم لقبوا الكريم بخيلا
ولكن اعطوا الملح فأغنوا ولكم اهملوا العفيف الخجولا
رب عذراء حرة وصموها وبغي قد صوروها بتولا
وقطيع اليدين ظلما ولص اشبع الناس كفه تقبيلا
وسجين صبوا عليه نكالا وسجين مدلل تدليلا
ونشيد السلام يتلوه سفاحون سنوا الخراب والتقتيلا
وحقوق الانسان لوحة رسام اجاد التزوير والتضليلا
لكن الشاعر يستدرك ليبين ان الخير باق في بلادنا مهما طغى الشر:
ان تر الشر مستفيضا فهون لا يحب الله اليؤوس الملولا
ويطول الصراع بين النقيضين ويطوي الزمان جيلا فجيلا
لست ارضى لامة انبتتني خلقا شائها وقدرا ضئيلا
لست ارضى تحاسدا او شقاقا لست ارضى تخاذلا او حمولا
علمتني الحياة اني ان عشت لنفسي اعش حقيرا هزيلا
وهذا ما اتمنى ان تتيقنه يا ولدي، وألا تيأس من زمانك ومن امتك ومن وطنك.
د. وائل الحساوي
[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي