بعد استنفار المجتمع في رفض الأساليب التي اتبعها دعاة التأزيم من نواب الأمس، وبعد امتعاض القيادة السياسية من المنحى الذي ذهب إليه هؤلاء المؤزمون من إشعال الفتنة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية من جانب، وشق صف الوحدة الوطنية من جانب آخر، بعد ذلك كله نأسف، ونحن نرى هؤلاء يستخدمون اللغة الجارحة نفسها والأسلوب التأزيمي نفسه والطريقة الجلفة نفسها في التعاطي مع مشاكل الناس. وما يؤسف أيضاً أن هؤلاء مازالوا يتركون القضايا الأهم التي يعاني منها المواطنون والمقيمون ليتحدثوا عن توافه الأمور.
فأحدهم شغله الشاغل وهمّه الأكبر إشغال وقت الناس بشيكات مجلس الوزراء والسعي الدؤوب بمناسبة ومن غير مناسبة لإثبات صحة صرفها لبعض النواب من عدمه، بينما آخر مازال يغرد خارج السرب صارخاً ومتوعداً الحكومة باستجواب آخر، إذا ما استمرت لجنة إزالة التعديات في عملها ضد المصليات غير المرخّصة، وهناك آخر بات همّه الأكبر البحث عن كل ما يشنج الساحة ويدفع بالبلاد إلى الهاوية لا لشيء سوى الشهرة!
أما الحديث عن التنمية ومستلزماتها فهو آخر ما يفكر به هؤلاء، وأما الدفع باتجاه التهدئة وتوفير مقوّمة التواصل الإيجابي المسؤول بين المعنيين فهو أمر لا يأتي في بال هؤلاء أصلاً، ناهيك عن أنه ينطبق عليهم منطق فاقد الشيء لا يمكن أن يعطيه. نعم، أيها القارئ الكريم هؤلاء المؤزمون فقدوا الحس الوطني وغرقوا في الفئوية إلى النخاع، فبات الدين لعقاً بين ألسنتهم فقط، والمفاهيم الأخلاقية مفقودة في قاموس سلوكهم الاجتماعي والسياسي، بل أكثر من ذلك حين يصدرون بعضاً من تصريحاتهم بين فترة وأخرى.
وما عليك أخي القارئ، إن أردت أمثلة، إلا متابعة تصريحاتهم في موضوع المصليات غير المرخّصة. فتخيّل عزيزي أن يشير أحد هؤلاء إلى مذهب أحد العاملين في لجنة التعديات على أملاك الدولة ويربط الأمر بإزالة المصليات غير المرخصة، أو أن يتحدث أحدهم عن عنصرية بغيضة لا معنى لها بتاتاً، وهو يشير إلى رئيس اللجنة، أو أن يشير أحدهم إلى استجواب رئيس الوزراء الجديد أياً كان شخصه أو منحاه!
إنها حقاً مصيبة ابتلينا بها في هذا البلد، ولابد للحكومة والشعب أن يكون لهما موقف واضح من تلك العجرفة، وإن تطلب الأمر تسمية الأشياء بمسمياتها، ولا يمكن قبول نتائج انتخابات مقبلة ينطبق عليها منطق لا طبنا ولا غدا الشر، مادام أن وضعنا مازال على طمام المرحوم.
د. سامي ناصر خليفة
أكاديمي كويتي
[email protected]