في الدول المتطورة، التي تنعم بحياة ديموقراطية، يتم تشجيع الباحثين في العلوم الاجتماعية لبحث كل ما يستجد من مظاهر سلوكية تعتبر خارج نطاق المألوف، والبحث عن المعلومة بحاجة إلى عملية استدراج للمشاركين في العينات المختارة، خصوصاً عن طريق المقابلة الشخصية، عبر بحث نوعي (َQualitative Research) يظهر أموراً جانبية تفيد الباحثين والأفراد الذين تتم مقابلتهم، إذ يمنحون الثقة في أن ما يطرح محاط بسرية، وهي أمانة ثقيلة على الباحث وفائدتها كبيرة على المجتمع، حينما تقوم المؤسسات المعنية أو الدولة في تطبيق نتائج وتوصيات تلك البحوث.
نسوق هذه الديباجة كمقدمة كي نوضح للقارئ الكريم وجهة النظر التي نحن بصدد عرضها لتعم الفائدة على الجميع.
في مجتمعنا الكويتي نفتقر لمثل هذه الدراسات ومعظم ما يُطرح يصب في خانة بحوث على هيئة استبيانات تلامس سطح الظواهر ولا تتعمق فيها، فالظاهرة تظهر تلو الأخرى ونخص هنا الظواهر السلوكية وتحديداً ظاهرة «حرية الرأي المسؤولة» التي سطع أثرها سلباً على البلاد والعباد في انتخابات 2009، إذ بدت من خلال التراكمات أنها كانت «فالتة»، ولم تقم الجهات المعنية بدراسة مسبباتها، ذلك أن «الانفلات» في السلوك قد تجاوز حد الأدب سواء في مجلس الأمة، أو عبر وسائل الإعلام المختلفة المرئي منها والمقروء.
لذلك نجد سياسة «العين الحمراء» ولدت ظاهرة الخوف من الكلام ليصبح عنوانا للحملة الانتخابية، فأصبح الجميع متحفظاً في حديثه وكأن لسان حاله يقول «يا روح ما بعدك روح».
هذه الروح الأدبية بحاجة إلى من يحفزها، ويدفعها نحو الحرية المسؤولة التي تضع المصداقية والشفافية مبدأين أساسيين لما نتلفظ به كله، فما هو كذب سريعاً ما يتم كشفه، وكل ما هو ضبابي يثير حالة من الهلع والخوف، وهو أخطر ما قد يمر فيه الإنسان الحريص على مصلحة وطنه ومجتمعه.
في الكويت، وفي أي دولة كانت، رغم اختلاف ثقافات الشعوب وأنظمتها الإدارية، ثبت وباليقين الكامل أن أي قضية تريد أن تفسدها ما عليك سوى «تسييسها»، والسياسة نوعان إما أن تكون سياسة حميدة وإما سياسة خبيثة.
والسياسة الحميدة معروفة، فهي تلك التي تعتمد على تكتيك يُراد منه حل وضع معين من دون ضغوط جانبية ولا تتدخل فيه الأنفس، فهي وفق قنوات سلوكية مباحة، أما السياسة الخبيثة فهي كل تحرك أو مناورة في تكتيك تحركه أهداف خاصة تخدم منفذيها بشكل مباشر أو غير مباشر... وعليكم فقط التمعن في ما يحدث على أرض الواقع لتحددوا الغث من السمين يا سادة وسيدات المجتمع الكويتي.
إن كويت 2009، والآتي من الأعوام، بحاجة إلى العمل، التشريع الذي يخدم البلاد والعباد، القيادة السليمة، الإعلام المحايد بشقيه، والأهم من هذا وذاك نحن في حاجة ملحة إلى لحمة وطنية صرفة أشبه لما كنا عليه في السبعينيات.
مما تقدم، نجد أن الشفافية في الطرح والمعالجة لأي قضية، ووجوب توافر عناصر الحرية المسؤولة كمنهج يلزم على كل فرد تطبيقه، ومن يجد بالدليل عنصراً فاسداً فعليه الإعلان عنه للجهات المعنية وإبلاغ رجالات الكويت ممن همهم الحقيقي مصلحة البلاد والعباد، لأن الخوف من الكلام أو الاكتفاء بالغمز واللمز يترك الأمور سائرة على نهج «خل القرعة ترعى».
ونعتقد هنا أن القيادة السليمة وخطة العمل الحكومية وتعاون السلطتين دعامات الحرية المسؤولة والشفافية المراد تطبيقها على نحو عادل ومحايد... والله المستعان.
تركي العازمي
كاتب ومهندس كويتي
[email protected]