تطرق المراقبون والمحللون إلى الأسباب التي أدت إلى بروز ظاهرة التطرف الإسلامي. وبين مغالٍ ومستصغر للأسباب، فإننا نستطيع ان نحدد وبشكل أساسي الأسباب الحقيقية التي عمقت هذه الظاهرة والتي يمكن إيجازها بالتالي:
سياسة الرئيس بوش. لا شك في أن بذور التطرف الإسلامي كانت موجود قبل مجيء إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش الابن، إلا أن السياسة المضادة للإسلام والمسلمين، والتي قادتها أجهزة إدارة الرئيس بوش، ساهمت بالنصيب الأكبر في انتشار وتوسع «التطرف» في العالم الإسلامي، ليس ضد كل ما هو غربي، بل ضد كل من يتحالف من العرب والمسلمين مع إدارة بوش، نظراً إلى ما كان يعانيه هؤلاء «المتطرفون» بما يصفونه بالحرب الصليبية، التي تقوم بها إدارة بوش ضد كل ما هو إسلامي، حسب أبجدياتهم. ويؤكد هؤلاء أن ما من رئيس أميركي تطرف ضد الإسلام والمسلمين وأهانهم وتحامل عليهم وعمل على القضاء عليهم بطرق غير مباشرة منذ تأسيس الولايات المتحدة مثل الرئيس جورج بوش الابن، بدءاً من تبعات أحداث الحادي عشر من سبتمبر، مروراً باحتلال أفغانستان، وانتهاء بتدمير حضارة اسمها بلاد الرافدين، أي احتلال العراق.
التعصب لإسرائيل. من أهم الأسباب، أيضاً، التعصب والدعم اللامحدود لإسرائيل ودعمها من قبل واشنطن والعواصم الأوروبية بكل قوة، حتى أصبحت قوى عسكرية وسياسية واقتصادية، مقابل تدمير وقتل وتشريد للفلسطينيين، ومحاولة القضاء على المقاومة الفلسطينية بشتى الطرق، غير آبهين بالمآسي الإنسانية التي يعانيها الشعب الفلسطيني. ولعل الأيام الأخيرة لحكم بوش وإعطاءه الضوء الأخضر للحكومة الإسرائيلية لشن عدوانها على غزة، وسط سكوت عالمي عما تعتبره المنظمات الدولية جرائم إبادة جماعية وانتهاكاً واضحاً لمبادئ واتفاقيات حقوق الإنسان، وهذا ما يعتبر دليلاً واضحاً على مدى تعصب هؤلاء لإسرائيل وتطرفهم ضد فلسطين وشعبها. هذا التعصب لإسرائيل كان بمثابة الوقود الذي يشعل نار «التطرف» في العالم الإسلامي باستمرار بين صوف الجماعات المسلحة والجماعات الإسلامية المدنية «المتطرفة»، والذي طالما استند عليه الخطاب الإعلامي والديني والسياسي لهؤلاء «المتطرفين».
الديكتاتورية العربية. لعبت الديكتاتورية العربية دوراً مهماً في استمرار ظاهرة «التطرف» في العالم الإسلامي، خصوصاً في البلدان العربية ذات الأنظمة الانقلابية. واستهدفت الجماعات الإسلامية المتطرفة» النظام العربي الحاكم وأدواته من وزراء وإدارات تابعة له. بل وصل الأمر إلى استهداف منابع الدخل المادي الوطني والمتمثل في بعض الأحيان في السياحة، من خلال اختطاف أو قتل السياح في البلدان العربية. وخلال الستين عاماً الماضية، استمرت بعض الأنظمة العربية الديكتاتورية بمنع شعوبها من التمتع بالديموقراطية ومن حرية التعبير. ومنعت أيضاً وبطريقة غير مباشر التنمية البشرية والاقتصادية لشعوبها. كما قامت ومن خلال احتكار الطبقة الحاكمة بنهب ثروات البلد وخيراته والرمي بالفتات للشعب. هذا بالإضافة إلى انتشار الفقر والجهل والفساد الإداري والسياسي بسبب هذه الديكتاتورية. ولهذا فإن نهب ثروات البلاد وانتشار الفقر والجهل والفساد كان بمثابة الحضن الدافئ لظهور هؤلاء المتطرفين وانتهاجهم أفكاراً دينية متطرفة، لتواجه به هذا «التطرف» الذي تقوده بعض الطبقات العربية الحاكمة والمتمثلة بديكتاتورية الحزب الواحد.
ولهذا فان التطرف الإسلامي لم يأتِ فقط كنتيجة لعدم وجود ديموقراطية مثلاً، كما يؤكد البعض، ولم يتطور بسبب التفسير الخاطئ للشريعة الإسلامية. بل نؤكد أنه جاء نتيجة نقطتين أساسيتين هما:
الأولى، هي أن التطرف كان نتيجة لترابط أسباب عدة مع بعضها البعض، أدت في النهاية إلى صعود نجمه على الساحة الإسلامية والعربية. بمعنى أن وجود الديكتاتورية العربية فقط لم يكن سبباً بحد ذاته لظهور التطرف، بل إنه ومع تطرف إدارة الرئيس بوش، بالإضافة إلى التعصب لإسرائيل، أصبحت هذه كلها سبباً واحداً أدى إلى التطرف. ولهذا فإنه ليس هناك «تطرف» إسلامي اعتمد فقط على وجود الديكتاتورية العربية من دون أن تحركه مسألة تطرف بوش ضد الإسلام وتطرف إسرائيل ضد المسلمين والفلسطينيين.
الثانية، هي أن ظهور التطرف الإسلامي هو نتيجة حتمية لتطرف آخر تمثل في تطرف الآخرين ضد الإسلام أو العرب. فإدارة الرئيس بوش ومن خلال أفعالها كانت متطرفة ضد الإسلام، وبدعم من «المحافظين الجدد» الذين كانت أجندتهم تدمير أفغانستان والعراق وسورية وتقليم أظافر بعض الدول العربية الأخرى. كما جاء «التطرف» في العالم الإسلامي أيضاً نتيجة الدعم اللامحدود لإسرائيل، مما يعني تطرفاً أوروبياً أميركياً يتمثل في مجلس الأمن وقراراته ضد الفلسطينيين وضد شعبها وضد اللاجئين الفلسطينيين ورفضهم لعودتهم لأراضيهم المحتلة. وما حدث في غزة من سكوت أميركي أوروبي على مجازر غزة لهو دليل واضح على التطرف ضد الفلسطينيين. وأيضاً فإن التطرف جاء كنتيجة متوقعة لتطرف طبقة حاكمة واستئثارها بمقدرات وثروات البلد.
وعليه، يجب ألا نمارس نحن جلد الذات ونضع أخطاء وآثام وجرائم الآخرين على ظهورنا ونقبل بأننا السبب الكلي لهذا الطرف ونصبح كبش فداء لهم. علينا أن نجهر بالقول ونعلنها بكل صراحة وبكل قوة أن إدارة الرئيس بوش والتعصب الأميركي الأوروبي وتواطأهم مع الديكتاتورية العربية، كانت الأسباب الرئيسية لصعود «الإرهاب» في العالم الإسلامي إلى قمته. ولعل إدارة الرئيس أوباما أدركت تلك الأسباب، لذلك فهي وفي كل مرة تؤكد أن الولايات المتحدة ودستورها وقوانينها وشعبها لا يستهدفون الإسلام، بل يكنون له الاحترام والتقدير. وهي إشارة موجهة إلى هؤلاء المتطرفين في العالم الإسلامي بضرورة نسيان حقبة بوش المتطرفة، والبدء بصفحة جديدة من التسامح والتعايش بين الحضارات.
طارق خليفة آل شيخان
رئيس مجلس العلاقات الخليجية الدولية (كوغر)
[email protected]