د. وائل الحساوي / نسمات / دعوها فإنها منتنة (2 من 2)

تصغير
تكبير
ذكرنا في المقال السابق بأن النفخ في روح التفرقة ما بين القبائل والحضر او المناطق الخارجية والمناطق الداخلية هي روح شيطانية هدفها تدمير المجتمع وإثارة النعرات الجاهلية فيه ونكمل ما بدأناه:
خامسا: من العادات التي ينتقدها الحضر في القبائل هي التعصب لقبائلهم على حساب مصلحة الوطن، ولا شك ان تمسك الناس بقبيلتهم وولائهم لها ليس امرا مذموما إلا اذا تحول الى عصبية عمياء في الخير والشر كما قال الشاعر:
إنما انا امرؤ من غزية اذا

غزت غزوت وان ترشد غزية ارشد
يقول الامام ابن خلدون في مقدمته (الملك والدولة العامة انما تحصلان بالقبيل والعصبية، وانه اذا استقرت الدولة وتمهدت فقد تستغني عن العصبية).
وفي اعتقادي ان تمسك القبائل بقبليتهم سببه عدم الاستقرار في الدول وضعفها، ولذلك يسعى الكثير منهم إلى تقوية انفسهم عن طريق التمسك بالقبيلة او الطائفة او العائلة وبإمكاننا تذويب تلك الفوارق بسهولة عن طريق ارساء دعائم دولة القانون ومنع الخروقات، وقد خطت الحكومة خطوات جيدة في منع تنظيم الانتخابات الفرعية وتجريمها، وهي وان كانت لم تستطع منع تنظيمها لكنها رسخت في عقول الكثير من ابناء القبائل بأن تلك الانتخابات ضارة بالبلد، وبدأ الكثيرون ينسحبون منها ويحصلون على دعم وتأييد اكبر ممن شاركوا فيها.
سادسا: أما القبائل فتنتقد في الحضر تعالي بعضهم عليهم وعدم اتاحة الفرصة لهم لأخذ مكانتهم في المجتمع، وكذلك ينتقدون عليهم الإمساك بزمام الامور المهمة في البلد من مناصب وشركات وغيرها، وهذا الشعور قد يكون صحيحا في بعض الامور، وهو ما يجب التحذير منه وتكاتف الجهود لنبذه لأنها عنصرية لا تنبغي ولكن قد يكون ذلك الشعور مبالغا فيه في كثير من الاحيان اذ ان كثيرا من فئات الحضر تعاني كما يعاني ابناء القبائل من عدم الحصول على الفرص المناسبة في المجتمع في مقابل كفاءتهم وامكاناتهم، واذا كانت مئة عائلة كويتية لها الحظوة في المجتمع فإن مئات العوائل لا تحصل على تلك الحظوة، واذا كانت مئة شركة كبيرة تحصل على الدعم الحكومي المتواصل فإن مئات الشركات مهمشة.
ويكفي ان نعلم بأن اكثر من 92 في المئة من العمالة الكويتية تعمل في الوظائف الحكومية والتي لا تفرق في الرواتب بين الحضر والقبائل، والذين يتحدثون اليوم عن الشاليهات وقسائم الشويخ الصناعية التي استأثر بها الحضر من دونهم يجب عليهم ان يبينوا ما هي نسبة هؤلاء الذين يملكونها من الحضر انفسهم، علما بأن اغلب من يملكونها اليوم قد اشتروها بأموالهم.
سابعا: اذا قلنا بأن هنالك تفاوتا طبقيا في الكويت فإن هذا التفاوت ليس محصورا بأبناء القبائل ولكن تدخل فيه نسبة كبيرة من الحضر، ولكن الأهم من كل ذلك ان تغيير تلك الامور لا بد له من عمل جاد ودؤوب لردم الفوارق وارساء دعائم دولة القانون والمجتمع المدني، وتقديم القوانين العادلة لتوزيع الدخل وزيادة الرفاه بالتدرج والحكمة وليس باستخدام لغة الصراخ والتهديد والنزول إلى الشارع وتأليب الناس على حكامهم، وليس بالاقتراحات المالية الظالمة التي تسعى لسلب جميع اموال الدولة لتوزيعها على الناس دون ضوابط، ثم نستيقظ بعدها لنرى بأننا قد اصبحنا دولة مدنية ومتخلفة واننا لم نترك للأجيال القادمة إلا الخزي والندامة.
اطالب العقلاء والحكماء من أبناء بلدي وهم الاكثرية بحمد الله تعالى ان يهبوا جميعا لنبذ تلك العصبية المقيتة والعمل على تأسيس دولة الكويت التي نطمح جميعا بأن تكون بلد استقرار لنا ولأبنائنا، ولئن اقتنعنا بتلك الاهداف السامية وبدأنا العمل منذ اليوم فإننا نستطيع التغيير باذن الله تعالى خلال فترة قصيرة جدا ونسف تلك التقاليد البالية التي يريد المفسدون فرضها علينا.
د. وائل الحساوي
[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي