د. سليم الحص / العودة إلى فلسطين هي الحل *

تصغير
تكبير



لا حل لقضية فلسطين من دون حل ناجع لقضية الفلسطينيين.

نحن من المؤمنين ان قضية فلسطين انما هي قضية شعب قبل ان تكون قضية ارض. انها قضية شعب بمعنى انها تتجسّد، من جهة، في شعب اغتصبت ارضه وسلبت حريته في وطنه، وتتجسد من جهة اخرى في وجود ملايين من البشر هُجّروا من ديارهم عنوة، بعضهم يعيش في المخيّمات داخل الارض الفلسطينية، وبعضهم الآخر في مخيمات في الدول العربية المجاورة، وذلك في حال من البؤس والشقاء لا حدود لها. من هنا اصرارنا على ان قضية فلسطين هي في الجوهر قضية شعب قبل ان تكون قضية ارض، وذلك خلافاً لما تصوّر كل مشاريع التسوية المطروحة للقضية.

ان تركيز مشاريع التسوية في شكل اساسي على الارض تستغله اسرائيل بلؤمها ودهائها كي تصوّر ان قضية العرب في فلسطين ما هي الا مسألة حدود، فيما هي في الحقيقة قضية مصير لشعب وأمّة. هذا شأن المشروع المُسمى «خارطة الطريق»، كما هو شأن المشروع المُسمى بالمبادرة العربية، مع العلم ان خارطة الطريق لا تستبعد المطالبة بحق العودة للاجئين، والمشروع العربي ينص صراحة على حق العودة للاجئين.

الا ان التأكيد كان يجب ان يكون واضحاً على حق عودة اللاجئين، كل اللاجئين، الى ديارهم في فلسطين، كل فلسطين في امتدادها التاريخي من البحر الى النهر. بغير ذلك يمكن ان يفتح النص باب المساومة والتفريط تالياً بالحق.

اذا سلمنا بان قضية فلسطين هي قضية شعب قبل ان تكون قضية ارض، على اهمية الارض لا بل وقدسيتها، فان الحل يكون بطبيعة الحال في التركيز على القرار 194 وليس على القرار 242، علماً بان الخطاب السياسي العربي ينزع عموماً الى اعتبار القرار 242 محور اي حل. هذا مع الاشارة الى ان القرار 194 صادر عن الهيئة العامة للامم المتحدة، وكان ردحاً طويلاً من الزمن يعاد تأكيده بقرار سنوي من الهيئة العامة قبل ان يهمله المجتمع الدولي بضغط، على ما يبدو، من اميركا وربيبتها اسرائيل. اما القرار 242 فصادر عن مجلس الامن الدولي اثر حرب العام 1967.

ولا يثني اصحاب القرار دولياً عن تذكيرنا بان القرارات الصادرة عن الهيئة العامة لا قيمة تطبيقية لها، بخلاف القرارات الصادرة عن مجلس الامن التي تتمتع بصفة تنفيذية. بالطبع نحن لا نؤخذ بهذا التمايز. فقيمة القرارات الصادرة عن الهيئة العامة هي في انها تنبع من كونها حصيلة توافق دولي عام، اما قرارات مجلس الامن فهي نتاج لعبة الكبار، وتحديداً نتاج صفقات يعقدها مندوبو الدول الخمس ذات العضوية الدائمة في مجلس الامن، وكثيراً ما تأتي هذه الصفقات برعاية مباشرة من الولايات المتحدة الاميركية. فالدولة العظمى تتحكم عملياً في كثير من اعمال مجلس الامن.

بناء على ما تقدم فإننا لا نغالي عندما نقول ان قضية فلسطين تُختصر بالقرار 194 وليس بالقرار 242، خلافاً لما يُصوّر احياناً كثيرة.

هكذا تكون قضية فلسطين قضية شعب وليس مجرّد قضية ارض. بعبارة اخرى هي قضية وجود وليست قضية حدود. وهذا خلافاً لنظرة الصهاينة. وقد جاء مشروع الجدار الفاصل ليثبّت مفهوم اسرائيل القائم على مسألة ترسيم حدود معينة بين الكيانين الاسرائيلي والفلسطيني انطلاقاً من التطلعات الاسرائيلية وبتجاهل كلي للحقوق العربية المشروعة.

ونحن نميز في تعريف الحلّ مبدئياً بين السلام والتسوية، فالتسوية هي صيغة للحل تقف عند حدود انهاء حال الحرب المسلحة. اما السلام فهو صيغة للحل تحظى برضا واقتناع، لا بل واطمئنان، الشعب الفلسطيني خصوصاً والشعب العربي عموماً. لذا فان التسوية اذ تنهي القتال المسلح قد لا تفضي الى حال من الاستقرار وتطبيع العلاقات، وقد يستمر بعدها الصراع لاجيال واجيال ولو في شكله السلمي او المدني. اما السلام، فانه اذ يقترن برضا الناس واقتناعهم واطمئنانهم، فانه ينهي القتال ويفضي الى حال من الاستقرار، وترجمته تكون بتطبيع العلاقات على اوسع نطاق، ليس فقط على المستوى الرسمي وانما ايضاً على المستوى الشعبي.

نسمع بسلام كامب دايفيد بين مصر واسرائيل، وبسلام وادي عربة بين الاردن واسرائيل، ونحن نقول انه في الحالتين كانت هناك تسوية، انهت حال الحرب المسلحة، ولكنها لم تؤد الى رضا الشعب العربي في مصر والاردن، لذا لم تترجم استقراراً وبالتالي تطبيعاً حقيقياً في العلاقات.

نحن نتطلع الى سلام ناجز يقترن بالرضا العام ومن ثم الاستقرار. هذا السلام لن يكون في نظرنا الا في عودة اللاجئين، كل اللاجئين، الى فلسطين، كل فلسطين، في امتدادها التاريخي من البحر الى النهر، واستطراداً في فلسطين واحدة موحّدة يتعايش فيها العربي واليهودي بسلام جنباً الى جنب وتكون جزءاً  لا يتجزأ من الوطن العربي الارحب.

والى ان تتم العودة لا بد من منح اللاجئين الحقوق المدنية التي تعتبر من بدهيات حقوق الانسان.

* نص المقال من

مداخلة ألقيت في مؤتمر

«اللاجئون الفلسطينيون في لبنان»


د. سليم الحص


رئيس الحكومة اللبنانية السابق

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي