ممدوح إسماعيل / المصالحة الفلسطينية بين الوهم والأمل

تصغير
تكبير
«المصالحة الفلسطينية» مصطلح جرى تسويقه بشدة منذ أعوام أربعة، خصوصاً بعد فوز حركة «حماس» في الانتخابات التشريعية التي مكنتها من تشكيل الحكومة الفلسطينية العام 2005، وهو فوز ديموقراطي كان عند البعض دراماتيكياً، فأحدث رعباً في الغرب وبعض الدول العربية، ومن تبعهم من بعض الفلسطينيين، ومن يومها تكالبت المؤامرات فلم يستقر شكل الحكومة الفلسطينية، وكثرت الخلافات الفلسطينية.
ومن اللافت أن الخلافات الفلسطينية ليست جديدة على الساحة الفلسطينية، فهي موجودة منذ أن ظهرت المقاومة والمنظمات الفلسطينية، وحتى مع اتحادهم تحت غطاء «منظمة التحرير الفلسطينية» كانت الخلافات متجذرة بين أعضائها، لكن لم تهتم حركة «فتح» بالمصالحة، كما تهتم الآن.
ودخول حركة «حماس» بقوة على الساحة السياسية بعد تربعها على قمة المقاومة كان أشبه بدخول سلاح الردع النووي على الساحة السياسية التي انفردت بها «فتح» فعملت على حصارها والتضييق عليها، وفعل كل ما يمكن فعله حتى بالانقلاب الدحلاني في غزة، ولكن الفشل عقب كل مؤامرة كان هو العنوان فتم تسويق مصطلح المصالحة لمحاولة سحب البساط السياسي الشعبي من تحت أقدام حركة «حماس».

ومع ذلك فشلت جميع مؤتمرات المصالحة في القاهرة ومكة وصنعاء، حتى كانت مذبحة غزة الرهيبة التي تواطأ فيها البعض لتدمير حركة «حماس»، ولكن «حماس» خرجت من مذبحة غزة على قدميها ثابتة، رغم العدوان والخسائر الرهيبة في غزة.
وما إن خرج مصطلح «إعمار غزة» حتى استفاق العالم أنه أمام حكومتين: حكومة في الضفة، وحكومة في غزة. ورغم جميع محاولات نفي حكومة غزة إلا أنها أثبتت أنها رقم وكيان صعب يصعب تجاهله، فهي التي تملك الزمام على الأرض في غزة.
فعاد مصطلح المصالحة الفلسطينية مرة أخرى، ودعت القاهرة إلى مؤتمر مصالحة يعيد تشكيل الوحدة الفلسطينية والحكومة الفلسطينية من جديد، ورحب الجميع واجتمعوا في القاهرة، ووضعت آليات لتطبيق المصالحة، ومضى المجتمعون في مناقشة تفعيل المصالحة وآلياتها، وتسربت أخبار عن إشكاليات ومعوقات.
لكن الاجتماعات رغم توقفها إلا أنه سيتم استئنافها، ما يعني أنه سوف تكون مصالحة رغم تعثرها. لكن الحقيقة التي يغمض الجميع عينيه عنها لا تزال موجودة ولن تتزحزح ولن تتغير، فالخلاف بين «حماس» و«فتح» ليس خلافاً على توزيع عدد الحقائب في الحكومة أو خلافاً في عدد الأسرى لدى كل حركة. ولكنه خلاف عميق متجذر أيديولوجياً وسياسياً، لأن أجندة كل حركة مختلفة تماماً عن الأخرى، ولا يجمعهما إلا اسم فلسطين واللغة العربية واللهجة الفلسطينية. وبينما الخلاف متجذر بينهما في الفكر والعقل والرأي والمنهج والثقافة، إلا أن ما حدث بينهما من اشتباكات مسلحة واعتقالات وسجن وقتل ترك آثاره على القواعد التنظيمية لكل حركة قبل القيادات.
الشاهد أن النظرة الواقعية المتبحرة في أعماق الواقع الفلسطيني تجعل المصالحة وهماً، والمجتمعين حولها أشبه بمن يسعى وراء السراب. ففريق «حماس» ومن يواليها يرى مقاومة العدو الصهيوني بجميع السبل وعدم التفريط في الحقوق، وفريق «فتح» يرى الاستسلام للعدو والمفاوضة في الحقوق، فكيف يجتمع الفريقان وعلى أي شيء يجتمعان؟ سؤال يرى الكثيرون أن إجابته مرتبطة بالأمل في تغليب مصلحة فلسطين والشعب الفلسطيني عند الطرفين.
وبالنظر إلى الموقع الإلكتروني عند الحركتين «فتح» و«حماس» يتبين للقارئ كيف يُنظر للمصالحة، فعلى موقع «المركز الفلسطيني للإعلام»، وهو تابع لـ«حماس»، كان السؤال للاستفتاء كالآتي: هل ترى إمكانية تشكيل حكومة فلسطينية، ومصالحة كاملة بين «حماس» و«فتح» وبقية الفصائل بوساطة مصر؟
كانت نتيجة التصويت 78 في المئة أجابوا: لا، بمعنى فشل المصالحة. و22 في المئة أجابوا: نعم.
وعلى موقع «فتح» كان السؤال: ماذا تتوقع بخصوص الحوار الفلسطيني بالقاهرة؟ كانت نتيجة التصويت:
- 42 في المئة فشل الحوار وبقاء الوضع كما هو عليه.
- وأيضاً نحو 28 في المئة أجابوا: مصالحة لفترة، ثم انقلاب «حمساوي»، و16 في المئة: مصالحة ثم انقلاب «فتحاوي».
- و14 في المئة: مصالحة وهدوء.
إن النتائج للتصويت على الموقعين تبين بوضوح الحال العامة للرأي عند أنصار الحركتين والمتعاطفين معهما.
وأخيراً، رغم ذلك كله يبقى الأمل حقيقة لا وهماً بأن يتصالح الفلسطينيون من أجل تحرير فلسطين واسترداد حقوقهم واستعادة بيت المقدس والأقصى، ويبقى الأمل أملاً رغم ما في الواقع كله.
ممدوح إسماعيل
محامٍ وكاتب مصري
[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي